"الممثل المثالي" و"العقل المدبر لبوليوود"، هكذا أُطلق على النجم عامر خان، ليس فقط بفضل موهبته الكبيرة، بل أيضًا بسبب ذكائه في اختيار أدواره وحرصه الدائم على تقديم أعمال تُحدث فرقًا في صناعة السينما. فهو نجم يمتد مشواره الفني لأكثر من ثلاثة عقود، لم يكن مجرد ممثل ناجح، بل مدرسة خاصة في التفكير السينمائي وصناعة النجومية. ◄ البداية وُلد عامر خان عام 1965 في مومباي لأسرة لها جذور في عالم السينما، فوالده طاهر حسين كان منتجًا معروفًا. ارتبط عامر بالسينما منذ الصغر، لكنه واجه الكثير من الصعوبات في البداية حتى دخل عالم السينما، إذ بدأ كمساعد مخرج وعمل في مشروعات صغيرة حتى حصل على فرصته الذهبية في فيلم Qayamat Se Qayamat Tak عام 1988، الذي كان نقطة تحول في مشواره ليصبح نجمًا صاعدًا في وقت قصير. ◄ التسعينيات الذهبية خلال فترة التسعينيات، قام عامر بأدوار رومانسية وأخرى درامية، حيث قدم أعمالًا ناجحة مثل Dil 1990 وJo Jeeta Wohi Sikandar 1992، حيث جسّد شخصية البطل الشاب المكافح التي لاقت إعجاب الجمهور. كما قدم أفلامًا من نوع آخر مثل Rangeela في عام 1995وSarfarosh في عام 1999، حيث أثبت قدرته على المزج بين الفن التجاري والسينما الهادفة. ◄ خطة صعود لم يقبل عامر خان أن يكون مجرد نجم شباك تقليدي، بل قرر منذ مطلع الألفية أن يبتكر لنفسه خطة صعود خاصة، حيث رفض المشاركة في العديد من الأفلام السطحية، واختار أدوارًا صعبة وموضوعات غير مألوفة. ومن أبرز أعماله في تلك الفترة فيلم Lagaan 2001، الذي حصد ترشيحًا للأوسكار لأفضل فيلم أجنبي، وكان نقلة نوعية في تاريخ السينما الهندية، حيث قدم دراما رياضية تاريخية بميزانية ضخمة غير معتادة آنذاك. ◄ نجاحات في شباك التذاكر أصبح اسم عامر خان مرادفًا للأفلام الضخمة التي تحقق أرقامًا قياسية، مثل Ghajini و3 Idiots وPK وDangal، ليصبح الفيلم الهندي الأعلى إيرادًا على الإطلاق عالميًا، محققًا نجاحًا هائلًا خاصة في السوق الصينية. لم يكتفِ عامر بالتمثيل، بل أسس شركة إنتاجه الخاصة Aamir Khan Productions، التي قدمت روائع مثل Taare Zameen Par 2007، وهو فيلم مؤثر عن الأطفال ذوي عسر القراءة، والذي تولى إخراجه بنفسه ليكشف عن حس إنساني عميق جعله يحصد إعجاب النقاد والجمهور معًا. ◄ تكريم عالمي احتفى مهرجان الفيلم الهندي في ملبورن (IFFM) في شهر أغسطس الحالي بمسيرة عامر خان عبر برنامج خاص بعنوان Aamir Khan Retrospective، ضم عروضًا لأبرز أفلامه مثل Lagaan وTaare Zameen Par وPK وDangal، وصولًا إلى أحدث أعماله Sitaare Zameen Par. حضر عامر الافتتاح برفقة شريكته غوري سبرايت، وكان لافتًا للأنظار بحضوره عندما تلقى جائزة التميز في السينما تكريمًا لمسيرة امتدت لأكثر من أربعة عقود. ولم يقتصر حضوره على الجوائز فحسب، بل قام بإشعال المصباح التقليدي، وهو رمز ثقافي هندي قديم، ما أضفى على ظهوره بعدًا رمزيًا يليق بمكانته كأحد أبرز ممثلي بوليوود. الأمر الذي جعل وسائل الإعلام الأسترالية والهندية تسلط الضوء على هذه اللحظة، معتبرة إياها دلالة على استمراره كجسر ثقافي بين الهند والعالم. على الصعيد الفني، يواصل عامر خان التألق بفيلمه الجديد Sitaare Zameen Par، الذي تجاوزت إيراداته 263 كرور روبية (حوالي 31 مليون دولار) عالميًا ليصبح من أنجح إنتاجات 2025. الفيلم يحمل روحًا قريبة من عمله الكلاسيكي Taare Zameen Par 2007، حيث يجسد شخصية مدرب كرة سلة يقود فريقًا من الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة. وقد أشاد النقاد بمزج الفيلم بين الكوميديا الخفيفة والدراما الإنسانية، مؤكدين أن عامر لا يزال وفيًا لرسالته الفنية التي تسعى لإثارة النقاش الاجتماعي عبر السينما. وما جعل التجربة استثنائية هو قراره طرح الفيلم على يوتيوب بنظام الدفع مقابل المشاهدة (50 روبية فقط). هذه الخطوة، التي وُصفت بالرائدة، جعلت الفيلم في متناول جمهور عريض داخل الهند وخارجها، وكسرت القاعدة التقليدية للاعتماد الكامل على شباك التذاكر. حيث اعتبر بعض المحللين هذه التجربة بداية تحول في صناعة السينما الهندية نحو النماذج الرقمية المرنة. ◄ تصريحات مثيرة حول القرصنة أثار عامر خان جدلًا بتصريحات غير تقليدية خلال جولته في أستراليا حول القرصنة السينمائية، إذ أشار إلى أن النسخ غير الشرعية من فيلمه الشهير 3 Idiots ساعدت في انتشاره على نطاق واسع في الصين وكوريا وسنغافورة. هذه الرؤية، التي قد تبدو صادمة، اعتبرها البعض واقعية، خاصة أن الفيلم بالفعل ساهم في تعزيز صورة بوليوود عالميًا. وبالرغم من انتقاد البعض لموقف عامر من القرصنة، اعتبره آخرون دليلاً على مرونته في فهم السوق العالمي وكيف يمكن لعوامل غير متوقعة أن تفتح أبوابًا جديدة. ◄ شائعات ورد صارم بالتوازي مع نجاحاته، واجه عامر شائعات قوية عن تقاضيه أجرًا ضخمًا للمشاركة مع الأسطورة راجينيكانث في فيلم Coolie، لكنه خرج سريعًا لينفي تلك المزاعم، مؤكدًا أن ظهوره في العمل جاء بدافع الاحترام الخالص لزميله الكبير، دون أي مقابل مادي. ليعزز هذا النفي صورته كفنان يحترم تاريخ الصناعة وزملاءه الكبار بعيدًا عن الحسابات المادية. رغم كل هذا المجد، مر عامر بفترات من الجدل السياسي والاجتماعي بسبب تصريحاته عن قضايا حساسة في الهند، كما واجه تحديات شخصية وعائلية، آخرها الخلافات العلنية مع شقيقه فيصل خان، والتي سلطت الضوء على الجانب الإنساني المليء بالتناقضات في حياته. ◄ عاصفة فيصل خان في الوقت الذي يتألق فيه عامر على الساحة العالمية، فجّر شقيقه الأصغر فيصل خان جدلًا واسعًا بمؤتمر صحفي أعلن فيه اتهامات صادمة ضد شقيقه. أثارت هذه التصريحات صدمة كبيرة لدى الجمهور، خصوصًا أن عامر يُلقب في الهند ب"الممثل المثالي". ومع أن شائعات علاقته بجيسيكا هاينز طُرحت منذ سنوات، فإن إعادة فتح الملف على لسان شقيقه أعادت الجدل إلى واجهة النقاش العام. ولم تقف عائلة عامر مكتوفة الأيدي، فأصدرت بيانًا مشتركًا وصفت فيه تصريحات فيصل بأنها "مضللة ومؤذية"، وأكد البيان أن كل ما حدث معه كان بدافع الحرص على سلامته النفسية وباستشارة أطباء مختصين. وشدد البيان أيضًا على أن هذه ليست المرة الأولى التي يخرج فيها فيصل بتصريحات مشابهة، ما يلمح إلى أن الخلافات العائلية عميقة وقديمة، لكنها هذه المرة خرجت إلى العلن بشكل أكثر حدة. يرى المحللون أن الأزمة الراهنة تمثل اختبارًا قاسيًا لصورة عامر خان العامة، فالجمهور الهندي يضع نجومه في مكانة شبه مقدسة، وأي شبهة تمس حياتهم الخاصة تنعكس مباشرة على رصيدهم الفني. أما بعض النقاد فيعتقدون أن قوة أعماله وموهبته ستمكّنه من تجاوز الأزمة كما تجاوز تحديات سابقة، بينما يحذر آخرون من أن تراكم الاتهامات قد يترك أثرًا طويل الأمد على صورته كنجم صاحب الصورة المثالية. ◄ تجاوز الأزمة يقف اليوم عامر خان في تناقض بين كونه نجمًا عالميًا يواصل الابتكار والنجاح الفني، وبين وقوع أزمة عائلية تهدد صورته أمام الرأي العام، مما يجعل الجمهور يترقب كيف سيتعامل مع هذه العاصفة التي قد تؤثر على مسيرته. فهل ينجح في تجاوزها كما فعل في معاركه الفنية السابقة؟ أم أن الخلافات العائلية ستظل أزمة تلاحقه؟. ◄ نجاح مستحق رحلة عامر خان لم تكن سهلة ولا تقليدية، بل كانت مليئة بالرهانات الصعبة التي حولته من الشاب الحالم في الثمانينيات إلى النجم العالمي صاحب التأثير الفني والاجتماعي.