عقد مؤتمر شرم الشيخ في ظل ظروف مأساوية يعيشها الشعب العراقي منذ غزو قوات التحالف للعراق في 20 مارس 2003 الذي تم بدون غطاء من الشرعية الدولية حيث لم يسبقه قرار من مجلس الامن الدولي يمنح للولايات المتحدة وقوات التحالف حق غزو العراق كما تم في مواجهة رأي عام عالمي رافض اغلبيته لهذا الغزو. ومنذ ذلك الحين والشعب العراقي يأن تحت وطأة الهجوم علي مدنه وتدميرها من قبل الولاياتالمتحدةالامريكية وقوات التحالف مما ادي لتدمير البنية التحتية لهذه المدن وقتل اعداد كبيرة من المدنيين، كما سمحت قوات التحالف والقوات الامريكية لنفسها باستعمال العنف في مواجهة اي تهديد يرونه مما ادي لمقتل المزيد من العراقيين في نقاط التفتيش والطرقات ليصل عدد القتلي الي 655 الف عراقي وتوالت الهجمات بالطائرات مما اسفر عن تهجير 9.3 مليون عراقي، فهجر 9.1 مليون داخل العراق واضطر 2 مليون للخروج من العراق الي الاردن وسوريا ومصر مع ذهاب اعداد قليلة ومحدودة لاوروبا وامريكا. كما تعرض العراقيون للسجن بدون توجيه اتهامات أو حق الدفاع عن انفسهم وتعرضوا للتعذيب ولنا في ذلك فضيحة سجن ابوغريب كأشهر دليل. وتقدر اعداد المتحفظ عليهم في السجون العراقية ب 28 الف عراقي مع رفض الولاياتالمتحدة ان تقوم لجنة الصليب الاحمر بزيارات دورية لتفقد حالتهم ويضاف الي ذلك ما تعرض له التراث الثقافي والاثري العراقي للتدمير والنهب حتي ان القوات الامريكية قد اقامت ثكنة عسكرية في مدينة بابل الاثرية. ومما يثير المخاوف حجم الانفاق الامريكي علي القواعد العسكرية الامريكية ومبني السفارة الامريكية في بغداد وهو ما ينبيء بنية البقاء الامريكي في العراق لامد طويل. ويبقي خطر الحرب الاهلية ليدق ناقوس الخطر فالعراق تموج بالاختلافات بين الشيعة الذين يمثلون 60% من سكان العراق ويتمركزون في الجنوب حيث الثروة النفطية والسنة الذين يمثلون 20% من السكان وهم مهمشون في الغرب والوسط حيث يفتقرون لسبل الحياة ويعانون من عدم عدالة الحكومة الشيعية في توفير احتياجاتهم، والاكراد الذين يمثلون من 15 الي 20% ويتمركزون في الشمال ويطمعون في الاستقلال وهو ما يواجهه رفض تام من قبل حكومة العراق وسوريا وايران وتركيا. كما ينقسم العراقيون بين بعثيين وعلمانيين وتتصارع كل تلك الفئات وتتوالي اخبار القتلي والانفجارات يوميا مما يهدد بشبح حرب اهلية قد تعم ويلاتها علي الاقليم ككل. ان العهد الدولي هو نتيجة جهد ا ستمر ثلاث سنوات منذ مؤتمر مدريد 2003 وقد تم العمل عليه من قبل مجموعة من النخبة العراقية علي رأسهم برهم صالح نائب رئيس الوزراء العراقي ومجموعة عمل في جامعة الدول العربية وخبراء في الاممالمتحدة ووكلاتها المتخصصة. يتأسس العهد الدولي علي اساس ايجاد التزامات متبادلة بين العراق والمجتمع الدولي وعلي كل طرف الايفاء بالتزاماته. علي الجانب العراقي يتعهد العراق باقامة دولة فيدرالية ديمقراطية ترسي مباديء المصالحة الوطنية حيث يتساوي جميع المواطنين في الحقوق والواجبات كما تتعهد الحكومة العراقية- بمكافحة الارهاب والقضاء علي الفساد والعمل علي بناء الثقة بين المواطن العراقي والحكومة، وتقوم الحكومة ببناء المؤسسات وتفعيل دور القطاع الخاص للنهوض بالاقتصاد الحر، يصاحب ذلك حل ونزع سلاح الميليشيات وتفكيكها واعادة تأهيل افرادها ليصبحوا فاعلين في المجتمع العراقي. اما من جانب المجتمع الدولي فعليه مساندة العراق وتدعيم الاصلاحات التي تقوم بها علي المستوي الاقتصادي والسياسي وذلك عن طريق الدعم المالي والتقني واعادة دمج العراق في المجتمع الدولي مع ايجاد آليات للمتابعة وقياس تنفيذ العراق لتعهداتها. لقد حظي العهد الدولي بتأييد قمة الرياض السابقة وحضور ممثلي 63 دولة و12 منظمة دولية لشرم الشيخ للتأكيد عليه وتفعيله وارساء سبل متابعة وقياس درجة النجاح في تنفيذه في خلال الخمسة اعوام القادمة. علي الصعيد العراقي يتطلع العراق من خلال رؤيته المشتركة مع المجتمع الدولي الي حل الميليشيات في العراق ونزع سلاحها مع اعادة تأهيل افرادها وبناء المؤسسات الفعالة القادرة علي تطبيق القانون من خلال تقوية النظام القضائي والقضاء علي الفساد وعدالة توزيع عوائد النفط مع تدعيم مؤسسات المجتمع المدني وتطوير القطاع الخاص مع مد شبكة الضمان الاجتماعي لجميع فئات المجتمع العراقي واعادة تأهيل البعثيين السابقين وتعديل الدستور وإجراء الانتخابات المحلية. اما علي الصعيد الدولي فقد قام المجتمع الدولي بتخفيض نسبة ديون العراق للعالم الخارجي الي 80% حيث تنازلت 7 دول مجتمعة عن ديون العراق تجاهها بما قيمته 30 بليون دولار امريكي من مجموع 56 مليون دولار هي ديون العراق كما تم منح العراق 5 بلايين دولار امريكي كمنحة لاعادة اعمار العراق مع مراقبة المجتمع الدولي لوفاء العراق بالتزاماتها. كما تم الغاء التعويضات التي علي عاتق العراق للمجتمع الدولي مع منح العراق المعونة التقنية والادارية وتدعيم قدرات القطاع الخاص لربط النمو الاقتصادي باستتاب الأمن. يبقي السؤال المهم وهو الي اي مدي قد يسفر مؤتمر شرم الشيخ علي تحسين الوضع في العراق والاجابة هي ان مخرجات هذا المؤتمر قد لا تؤدي لنتائج لها قدرة المعجزات الالهية فالازمة العراقية ازمة متشعبة الاطراف، الا ان هناك بوادر تدعو للتفاؤل، ليس فقط في التعهدات التي قدمها نوري المالكي في خطابه في المؤتمر وايجابه لطلباته بالغاء 80% من الديون التي علي العراق ومنحها 5 بلايبن دولار وانما ايضا لما نراه من تغير في لهجة الخطاب الامريكي تجاه دول الجوار، فرغم توتر العلاقات السورية الامريكية واتهام الولاياتالمتحدةالامريكية لسوريا بأنها دولة راعية للارهاب، وممارسة الضغوط علي المجتمع الدولي من اجل إنشاء محكمة دولية في قضية مقتل رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري مع الاشارة بأصابع الاتهام لسوريا، الا ان ذلك لم يمنع لقاء كونداليزا رايس بنظيرها السوري وليد المعلم لمدة ثلاثين دقيقة مع اعتراف امريكا بتعاون سوريا في الشهر الماضي لمنع المتسللين عبر الحدود السورية العراقية، كما ان لغة الخطاب لوزيرة الخارجية اتسمت بلهجة اقل حدة مما عرفت به حينما تم سؤالها عن ايران وامكانية لقائها مع نظيرها الإيراني وهو ما يظهر تزحزح السياسة الخارجية الأمريكية عن رفضها المسبق لأي حوار مع دول الجوار العراقي وهو ما كان عليه الحال في السادس من ديسمبر الماضي حين صدر تقرير لبيكر هاميلتون موصيا بأهمية التحاور مع سوريا وإيران كأحد أطراف حل القضية العراقية، كما أن اللقاء الجانبي الذي تم بين وزيرة الخارجية الأمريكية ونظيرها السوري وليد المعلم يعد تراجعاً عن نقد المكتب الأبيض لزيارة رئيسة مجلس النواب نانسي بلوسي لسوريا ومقابلتها للرئيس بشار الأسد وهو ما أطلق عليه ديك تشيني سوء تصرف BAD BEHANIAR. إلا أن التعاون بين سوريا والولاياتالمتحدةالأمريكية في جانب والتعاون المأمول بين إيرانوالولاياتالمتحدةالأمريكية فيما يخص الأزمة العراقية يعوقه أن أجندات السياسة الخارجية لتلك الدول فيما يخص هذا الملف تتسم بالتعارض الشديد فإيران وسوريا قد لا يكون من مصلحة أمنهما القومي تحقيق الهدوء في العراق لأن تحقيق هذا الهدف الأمريكي قد يعني بدء تفرغ الحكومة الأمريكية لمواجهتهم فإن الفوضي في العراق وانهاك الاقتصاد الأمريكي وانشغال الرأي العام العالمي بهذه الأزمة، وتداعياتها يمثل حائط صد في مواجهة أي هجوم أمريكي مرتقب علي سوريا وإيران.. كما أنه علي الصعيد الإيراني سادت لغة الاتهامات بين الولاياتالمتحدةوإيران وذلك لعدم وجود نية لدي أي من الطرفين لتقديم تنازلات فيما يخص سياستها الخارجية تجاه الأخري فالولاياتالمتحدةالأمريكية تعتزم الاستمرار في ممارسة الضغط الدولي علي إيران للتخلي عن ملفها النووي والتلويح بإمكانية القيام بضربة هجومية منفردة علي إيران، وعدم مقايضة الملف النووي في مقابل مساهمة إيران في تحسين الوضع في العراق وهو ما لا تقبله إيران. أما عن أجندة باقي دول الجوار فنجد في تركيا مخاوف من استقرار العراق حيث إن ذلك قد يزيد من قدرة الأكراد بالعراق علي إعلان الاستقلال وهو ما يمثل خطورةعلي الأمن القومي التركي، وفي مقابل ذلك تخشي دول الخليج من استمرار الفوضي الطائفية في العراق واستئثار الشيعة بالنصر فيه مما قد يعد نموذجا قد يحاول الشيعة في السعودية والكويت والإمارات الاقتداء به. كما أنه من العوائق التي واجهت مؤتمر شرم الشيخ ويجعلنا لا نمعن في التفاؤل فيما يخص النتائج التي ستسفر عنه علي المدي الطويل هو أن الممثل الوحيد للعراق في هذا المؤتمر كان الحكومة العراقية في حين أن العراق يموج بقوي متعددة لم تكن ممثلة في المؤتمر مثل الزعيم الشيعي مقتدي الصدر وعلي السيستاني وعبدالعزيز الحكيم، وهيئة علماء المسلمين السنية ومجموعات المقاومة علي اختلاف انتماءاتهم وتمويلهم وعقائدهم. علينا ألا نتوقع حل الأزمة العراقية بين يوم وليلة فالدمار في العراق واسع المدي والمهجرون العراقيون يعانون أشد المعاناة داخل وخارج العراق والمشاعر المحتقنة بين العناصر الطائفية والعرقية ليست بالمستهان بها ولكن تبقي آلية العمل الدولي هي الآلية الوحيدة القادرة علي دعم المصالحة في بلد الرافدين وحضارة بابل التي طالما تغني بها الشعراء.