حوار مع النفس! صرت أفضل متابعة وقائع جلسات محاكمة الرئيس المخلوع صدام حسين عن متابعة مسرحية تعرض علي شاشة التليفزيون لدرجة أنني أفضل رؤية صدام عندما يناقش رئيس المحكمة والمدعي العام بها عن أبطال أي مسرحية وكذلك رؤية أخي صدام غير الشقيق برزان التكريتي عندما يتحدي رئيس المحكمة ويتحدث أمامه بأسلوب المسئول الذي مازال يرأس جهاز المخابرات العامة العراقية..! لقد شدني وصف صدام حسين لنفسه في الجلسة ال17 لمحاكمته أنه مازال الرئيس الشرعي للعراق والقائد الأعلي للقوات المسلحة. وعلي الجانب الآخر.. وبنفس القدر من اهتمامي بمحاكمة الرئيس صدام الذي أسقطه غزو أمريكي بريطاني عسكري مشترك، استمعت لتوني بلير رئيس الوزراء البريطاني يقول بإنه استخار الله، وتضرع إليه قبل أن يقرر الانضمام إلي الولاياتالمتحدة في غزوها للعراق.. وقال أيضا: إن الله هو الذي سيحاكمه بشأن قراره الذي يثير الجدل الآن في بريطانيا.. ويقول بأنه سعي إلي "تدخل الرب في الموضوع" وأضاف بأن قرار غزو العراق لم يكن كغيره من القرارات لأن أرواحا بشرية كانت مرتبطة به وأن الوسيلة الوحيدة لاتخاذ قرار مثل هذا هو تحكيم الضمير. وكما نري فنحن نستمع لقائد مخلوع ارتكب أخطاء كثيرة، وقائد آخر انتصر مع رفيقه الأمريكي جورج بوش يقول كلاما أقرب إلي الدروشة..! ولكن أين الحقيقة في محاكمة صدام التي يصفها بالمسرحية الهزلية..؟! عندما أسست المحكمة الجنائية الدولية في عام 2002 رفضت أمريكا الاعتراف بسلطتها وفسروا رفضهم علي أساس أن منح سلطة مميزة لمحكمة دولية، قد لا يضمن أن تكون قراراتها بشأن قضايا دولية حيوية يدلي بها قضاة مستقلون في إطار السيطرة السياسية فقد يؤدي هذا ببساطة إلي تسليم تلك القرارات إلي مجموعة أخري من السياسيين لهم جدول أعمالهم السياسي الخاص بهم والذي قد يكون معارضا تماما للمصالح الجوهرية للولايات المتحدةالأمريكية. وصّدق توني بلير متحمسا، علي إقامة المحكمة الجنائية الدولية دافعا ان بريطانيا يجب أن تخضع لقوانينها وفي الفترة التي سبقت غزو العراق في عام 2003 كان رئيس الوزراء عازما علي الانضمام إلي تحالف الرئيس بوش لغزو العراق لكنه أكد مرارا أيضا أنه لن يذهب لحرب العراق إن لم يتفق هذا مع القانون الدولي، إن أخلاقياته قد تكون قادته إلي ذلك الموقف، لكن هناك أيضا مسألة الموافقة البرلمانية علي الغزو والحصول علي هذه الموافقة قد يكون مستحيلا، إذا اعترف رئيس الوزراء أنه مقدم علي تأييد حرب "غير شرعية" وهي كانت بالفعل حربا غير شرعية إذ تقول اليزابيث ويلمشورست نائب رئيس الإدارة القانونية بوزارة الخارجية البريطانية التي استقالت من منصبها، بسبب مسألة الحرب "إن جميع محامي الحكومة البريطانية بصفة خاصة رأوا أن غزو العراق، بدون الحصول علي قرار ثان من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يجيز صراحة لقيام بهذه الخطوة، سيكون غير شرعي، وبذل رئيس الوزراء كل ما في وسعه حتي يحصل علي قرار ثان. وفشل تماما حتي يحصل علي قرار ثان، حتي كان من المستحيل طرح المسألة لتصويت مجلس الأمن. وقبل إدراك أن ما من فرصة لصدور قرار ثان، كان هناك مجال بالطبع للشك حول ما إذا كان القانون الدولي يحتاج إلي قرار لكن بعد ذلك لم يصدر أي قرار فشرعية الحرب بدون عمل تصويت ثان كانت المسألة التي ناقشها أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وكانت أيضا المسألة التي تشدد بشأنها غالبيتهم حيث قالوا "لن نؤيد الحرب، ولن نصوت لصالحها". وأكد أيضا غالبيتهم لي أنه بدون إجراء تصويت يكون غزو العراق غير شرعي. لكن اتضح فقط "بعد الحرب" أن صدور قرار ثان لا داعي له حيث أكد اللورد "جولد سميث" النائب العام البريطاني أن الحرب شرعية ولا مجال للشك في هذا وفي 7 مارس عام 2003 عدل من رأيه حول شرعية الحرب بقوله "إنها قد تكون ناتجة لتحديات خطيرة. وبعد عشرة أيام في 17 مارس في الوقت الذي تقرر فيه بصفة نهائية عدم امكانية صدور قرار ثان غير اللورد جولد سميث من رأيه حيث قال "إن الغزو قد يكون شرعيا بموجب القانون الدولي، بدون أي اعتبارات أخري "وأغفل ذكر أن أغلبية المحامين الدوليين كانوا متأكدين أن الحرب ستكون غير شرعية ذلك التغيير يمكن فقط تفسيره باعتبارات لا علاقة لها بالمسائل القانونية فبعد الاطلاع علي الرأي الذي صرح به، أكد الأدميرال "بويجة" رئيس أركان الدفاع أنه لم يكن مستعدا للذهاب إلي الحرب إذا كانت ستؤدي للدفع به إلي قفص الاتهام في المحكمة الجنائية الدولية وأراد أن يكون هناك تأكيد وضمان بعدم احتمال تعرضه لهذا وكان الرأي الثاني للمدعي العام بمثابة طمأنة له، كما أنه أقنع أعضاء البرلمان عن حزب العمال بالتصويت لصالح الحرب. فرأي مشكوك فيه بشأن شرعية الحرب كان سيجبر بالطبع رئيس الوزراء علي سحب القوات البريطانية، والتجمع في الخليج، والعودة إلي الوطن وكان سيؤدي إلي تحطيم التحالف الأنجلو أمريكي الذي أقام عليه رئيس الوزراء مصداقيته وكانت نتائج ذلك علي حكومته لا يصعب علينا تخيلها. هذه الضغوط تفسر تغيير رأي النائب العام، الحقيقة هي أن الحرب لم تكن شرعية بموجب لقانون الدولي وهؤلاء الذين يعتقدون أنها مسألة ذات أهمية أخلاقية رئيسية ليس لديهم الشجاعة حتي الآن لقبول النتيجة الحتمية لقراراهم فالحاجة ماسة إلي أن يكون هناك "تحالف للإرادة" استعادة الحكومة الشرعية لصدام حسين بوصفها الصحيح كسلطة ذات سيادة في العراق، ويجب القبض علي توني بلير ومحاكمته أمام المحكمة الجنائية الدولية، ويجب أن يكون صدام الشاهد الأول ضده. هذا هو المنطق الذي لا مهرب منه لأنصار القانون الدولي هذا لابد وأن يجعل كل واحد يدرك دي عدم واقعية العالم الذي يعيش فيه..!