تُصادف هذه الأيام الذكرى العشرين للغزو العراقى للكويت. ففى ساعة مبكرة من فجر يوم 2 أغسطس من عام 1990 فوجئ العالم كله بالجيش العراقى يتجه نحو الكويت غازيا، وما هى إلا ساعات قليلة حتى كان قد أحكم سيطرته بالكامل عليها، وبعد أيام قليلة أعلن عن دمجها فى العراق لتصبح المحافظة رقم 19. ولا جدال فى أن قرار غزو الكويت كان من أخطر القرارات التى اتخذها الرئيس صدام حسين فى حياته وأكثرها غباء. فقد بناه على عدة افتراضات، أهمها: 1- أن الولاياتالمتحدة تقدر دوره فى محاصرة الثورة الإيرانية ومنع تصديرها إلى منطقة الخليج ومن ثم لن تمانع فى حصوله على الكويت كجائزة أو، على الأقل، لن تذهب فى اعتراضها إلى حد الدخول فى مواجهة عسكرية سافرة معه. 2- أن الاتحاد السوفييتى، الذى تربطه به علاقة وثيقة، سيقدم غطاء سياسيا كافيا، من خلال استخدامه لحق الفيتو فى مجلس الأمن، للحيلولة دون توفير غطاء من الشرعية الدولية على أى عمل عسكرى قد يفكر أحد فى اللجوء إليه. 3- أن الدول العربية، وفى مقدمتها السعودية، لن تذهب فى معارضتها لهذه الخطوة إلى حد السماح بتمركز قوات عسكرية أجنبية على أراضيها، وهو أمر ضرورى لنجاح أى عمل عسكرى ضد العراق. كان بوسع أى مبتدئ إدراك خطأ الافتراضات التى بنى عليها قرار الغزو، وذلك لسبب بسيط، وهو أن النظامين الدولى والإقليمى كانا يمران، فى هذه اللحظة تحديدا، بتحولات عميقة لم يضعها الرئيس صدام فى حسبانه. صحيح أن الاتحاد السوفييتى لم يكن قد انهار بعد، لكن حائط برلين كان قد سقط بالفعل، وكان المعسكر الاشتراكى الذى يقوده فى حالة تفسخ كامل، مما جعل من الصعب جدا عليه أن يفكر، وفق نفس المنطق الذى اعتاده إبان فترة الحرب الباردة التى كانت تعيش آخر أيامها. وصحيح أيضا أن النظام الإقليمى العربى كان ضعيفا ويعانى آثار مقاطعة عربية طويلة لمصر، عقب إبرام السادات معاهدة سلام منفردة مع إسرائيل. غير أن صدام لم يأخذ فى حسبانه أن النظام العربى كان يمر بمرحلة نقاهة، وأن عودة الجامعة العربية إلى مقرها فى القاهرة أتاحت لمصر فرصة للعب دور مختلف تماما عن الدور الذى توقعه، وذلك بالتنسيق مع كل من الرياض وواشنطن. نعم: ارتكب صدام خطيئة كبرى باتخاذه قرار غزو الكويت، لكن هذه الخطيئة يجب ألا تحجب عنا خطايا كثيرة ارتكبتها وترتكبها النظم العربية كل يوم، قبل الغزو وبعده، وتسببت فى وصول النظام العربى إلى حالة الانهيار الكامل التى يعيشها حاليا. فقبل الغزو اتخذ السادات قرارا منفردا بزيارة القدس وإبرام معاهدة سلام مع إسرائيل، وبعد الغزو اتخذ عرفات قرارا منفردا بإبرام اتفاقية أوسلو، وفشل النظام العربى كله فى انتهاز فرصة انعقاد مؤتمر مدريد عقب «تحرير الكويت» لحمل الولاياتالمتحدة على تغيير موقفها من الصراع العربى الإسرائيلى على نحو يسمح بإيجاد تسوية لهذا الصراع. لذا لم يؤد سقوط صدام إلى أى تحسين حقيقى فى أحوال الدول العربية. فقد تم تدمير العراق وانفتح الباب واسعا أمام تفتيته إلى دويلات، وها هى رياح الفتنة الطائفية تهب على الجميع وتهدد بتمزيق العالم العربى كله وتحويله إلى كيانات صغيرة تذروها الرياح. فهل استوعبت الشعوب العربية الدرس وأدركت أن الاستبداد هو أصل مأساة العرب، وأن صدام لم يكن بالضرورة أكثرهم ديكتاتورية. فكلهم فى حقيقة الأمر هذا الرجل!. لذا فالديمقراطية هى الحل والكل فى انتظار مصر.