تبرز الصين في عالمنا اليوم كقوة آسيوية تملك اقتصاداً قوياً ينبني علي التصدير المجال الذي لا يضاهيها فيه أحد كما تشهد نمواً غير مسبوق تغذيه نسبة ادخار عالية ومعدلات استثمار مرتفعة. أما قطاعاتها الصناعية التي يتم تحديثها بوتيرة متسارعة فقد باتت تهدد صناعات أساسية في أوروبا والولايات المتحدة. هذا ويكثر الحديث حول احتياطياتها النقدية الهائلة وفائض السيولة المالية المتعاظم الذي يقودها، حسب بعض المزاعم، إلي التلاعب بسعر صرف عملتها مقارنة مع العملات الأجنبية، لاسيما الدولار الأمريكي. وفيما يتعلق بنظامها المالي، فهو يعتمد كلية علي البنوك ويخضع لمراقبة الدولة وتوجيهه لصالح المؤسسات المحلية، علاوة علي ارتباطه ارتباطاً وثيقاً بالحكومة والقطاع الصناعي. ورغم انخفاض الأسعار بسبب النمو السريع في الإنتاج، إلا أن قيمة الأصول تظل مرتفعة علي نحو كبير. وبالطبع يتدخل زعماء الكونجرس الأمريكي في واشنطن مطالبين باتخاذ تدابير جذرية لاحتواء التهديد الاقتصادي لهذه القوة الصاعدة. وحتي عندما يحذر الدبلوماسيون من عدم الانخراط في انتقادات علنية لما قد تفضي إليه من نتائج عكسية، إلا أنهم يشددون مع ذلك علي أهمية القضايا الاقتصادية في صياغة العلاقات الثنائية. وفي هذا الإطار تنخرط وفود من كبار المسئولين الأمريكيين في "حوار" مع نظرائهم في القوة الآسيوية الصاعدة حول مختلف السياسات الاقتصادية المؤدية إلي الاختلالات في العلاقة مع أمريكا، محذرين من "صقور" الكونجرس الذين ينتظرون بفارغ الصبر ما سيئول إليه الحوار، ومهددين باتخاذ إجراءات قاسية في حال فشلت المباحثات. كل تلك الأوصاف تنطبق علي ما يجري في الصين حالياً، وعلي العلاقات الأمريكية الصينية، لكنها أوصاف تساعدنا أيضاً علي فهم ما كان جري سابقاً للاقتصاد الياباني في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن المنصرم قبل أن تلج عقدها الضائع الذي تميز بانخفاض الأسعار وتراجع ملحوظ في مكانتها علي الساحة الدولية. ورغم الاختلافات الواضحة بين الدولتين، لا سيما فيما يتعلق بمستوي التطور الأقل من اليابان الذي تشهده الصين، فإن القواسم المشتركة بين التجربتين أكبر من أن يتم تجاهلها، وأدعي لاستخلاص الدروس المفيدة من التجربة اليابانية. إن التاريخ الحقيقي لانتكاسة اليابان الاقتصادية طيلة عقد من الزمن لم يكتب بعد، لكن ومع ذلك يجمع المراقبون علي وجود عناصر أساسية ساهمت في تراجع الاقتصاد الياباني مثل انفجار فقاعة سوق الأسهم، والأراضي، وما نتج عن ذلك من مشاكل طالت النظام المالي، فضلاً عن انهيار الطلب إثر توقف البنوك عن منح القروض، ثم صعوبة الانتقال من نمو اقتصادي يعتمد علي التصدير إلي اقتصاد موجه إلي الداخل بسبب اهتزاز ثقة المستهلك والشركات في أداء الاقتصاد الياباني. وبالرجوع إلي تلك الحقبة الحالكة من التجربة اليابانية نجد أن المسئولين في اليابان ارتكبوا مجموعة من الأخطاء ساهمت في تعميق أزمتهم الاقتصادية. فمن أجل تفادي الاستمرار في الرفع من قيمة "الين" في أواخر الثمانينيات لجأ المسئولون إلي اتباع سياسات مالية ونقدية سهلة أفضت في النهاية إلي ارتفاع كبير في أسعار الأصول، وتوسيع دائرة المستفيدين من القروض والتي بدورها هيأت المجال لبدء الانكماش الاقتصادي. وفي أثناء ذلك فشل المسئولون اليابانيون في تأمين نمو اقتصادي يعتمد علي تحفيز الطلب الداخلي، وذلك في الوقت الذي كان فيه المستهلكون يتمتعون بمستويات قياسية من الثروة والرخاء. والأكثر من ذلك تباطأت السلطات اليابانية في معالجة المشكلات المستفحلة داخل النظام المصرفي وتركتها تتفاقم. والنتيجة أن اليابان لم تكن مستعدة لمواجهة الصعوبات الاقتصادية الخطيرة التي اعترضتها خلال عقد التسعينيات. ويعني ذلك أنه لكي تتمكن الصين من استدامة مستوياتها الحالية من النمو الاقتصادي وعدم الوقوع في ذات الأخطاء اليابانية يتعين عليها البدء من الآن بمعالجة سياساتها الاقتصادية ما دامت تتمتع بالرخاء. فمن السهل اليوم مثلاً السماح بالرفع من قيمة العملة الصينية وحفز الطلب الداخلي من خلال التشجيع علي الاستهلاك طالما الاقتصاد مزدهر، بدل الانتظار حتي يتباطأ النمو. فحسب التقديرات يتطلب الحفاظ علي معدل الصرف الحالي للعملة الصينية 400 مليار دولار من احتياطيات الدولار الأمريكي في العام 2007، وهو ما سيقود إلي ارتفاع سريع في قيمة الأصول والأسعار، ما سيدفع السلطات الصينية إلي صك المزيد من "اليوان" لشراء الدولار الأمريكي. وبالطبع سيكون الوقت متأخراً لمعالجة المشاكل التي سيعاني منها النظام المصرفي. بيد أن هذه الدروس المستخلصة من التجربة الاقتصادية اليابانية تختلف مع بعض التقييمات الأخري لبعض المراقبين سواء داخل الصين، أو خارجها .