مع ظهور شمس اليوم الاول من العام الجديد وهو بالمناسبة عام النمر وفق التقويم القمري الصيني تتجه الانظار نحو الشرق الاوسط حيث تدخل اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ودول جنوب شرق آسيا "آسيان" موضع التنفيذ، وتعتبر منطقة التجارة الحرة التي ستغطيها الاتفاقية اكبر منطقة تجارة حرة في العالم من حيث عدد السكان إذ تمتد علي مساحة 13 مليون كيلومتر مربع وتضم مليارا و800 مليون نسمة يشكلون ثلث سكان العالم بحجم تجارة يصل إلي 200 مليار دولار. ويتوقع لها مراقبون ان تشكل منافسا مهما لتكتلات اقتصادية أخري كالاتحاد الاوروبي أو المنطقة التجارية الحرة لامريكا الشمالية. مع مرحلة أولي من تطبيق الاتفاقية سيتم إعفاء 90% من البضائع المتبادلة بين الجانبين من التعريفة الجمركية، ويشمل ذلك حوالي 7 آلاف نوع من المنتجات، لكن ذلك سيقتصر في البداية علي الدول ال 6 المؤسسة لآسيان وهي: بروناي وإندونيسيا وماليزيا والفلبين وسنغافورة وتايلند، وفي مرحلة لاحقة اعتبارا من عام 2015 سيشمل الدول الاربع الاخري التي انضمت لآسيان لاحقا وهي: كمبوديا ولاوس وفيتنام وميانمار كما سيتم تحرير القطاعات الخدمية والتجارية والاستثمارية بين الصين وتلك الدول، وقد استطاعت الصين للتو إزاحة الولاياتالمتحدة لتصبح ثالث أكبر شريك تجاري لدول آسيان، ومن المتوقع ان تتبوأ المركز الاول خلال السنوات القليلة القادمة لتحل مكان اليابان وكوريا الجنوبية. فقد قفز حجم التبادل التجاري بين الصين ودول آسيان من 78 مليار دولار عام 2003 إلي 231 مليار دولار العام الماضي، ويتوقع خبراء ان تشهد السنوات الاولي من تطبيق الاتفاقية ارتفاعات قياسية للتبادل التجاري بين الجانبين تتراوح بين 40 و50%. وعلي الرغم من التفاؤل الكبير بمستقبل الاتفاقية فإن لدي الجانبين مخاوف مما قد ينجم عنها وانعكاسات ذلك علي بعض القطاعات إذ يتوقع ان يؤدي ارتفاع نسبة استيراد الصين للخضراوات والفواكه من دول آسيان إلي انعكاسات سلبية كبيرة علي المنتجات الزراعية الصينية، كما انها قد تؤدي إلي زيادة حدة التنافس في بعض الصناعات كالملابس والاحذية والاثاث وصناعة السيارات، ويتوقع مراقبون ان تؤدي الاتفاقية إلي خسارة قطاع الاحذية الاندونيسي وحده لاكثر من 40 ألف فرصة عمل علي سبيل المثال، لكن اقتصاديين صينيين يرون ان الكثافة السكانية واتساع رقعة السوق المشتركة التي تغطيها الاتفاقية تقلل من حدة هذه المخاوف، وقد ارتفعت العديد من الاصوات في عدة دول تطالب حكوماتها بتأجيل تنفيذ الاتفاقية لعدة سنوات خوفا من ارتفاع نسبة البطالة فيها. ولعل أعلي تلك الاصوات جاءت من إندونيسيا والفلبين، حيث تبدي قطاعات كثيرة حددها خبراء بحوالي اثني عشر قطاعا كالصلب والبتروكيمياويات والالكترونيات والمواد الغذائية تخوفا كبيرا من غرق أسواقها بالمنتجات الصينية، وانعدام القدرة علي منافستها مما قد يؤدي إلي اصابة تلك القطاعات في مقتل. وستسهم الاتفاقية بالاضافة إلي فتح اسواق واسعة امام البضائع الصينية إلي إطفاء ظمأ الصين للمواد الاولية من دول آسيان كزيت النخيل والاخشاب والمطاط واعتبر مسئولون هذا الامر دليلا علي التكامل الاقتصادي الذي من شأنه تعزيز فرص التنمية الاقتصادية الاقليمية في ظل ركود اقتصادي يخيم علي مناطق كثيرة في العالم، وقد أكد الخبير الاقتصادي في معهد العلاقات الدولية في جامعة بكين جيا تشين جو ان الاتفاقية ستسهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي الاقليمي وتساعد دولها التي يعتبر التصدير عماد اقتصاداتها في ايجاد فرص للتصدير والاستثمار والتكامل الاقليمي بعيدا عن أسواق الغرب التقليدية التي تشهد تراجعا وركودا وزيادة في حدة الحمائية. ويأتي ذلك في الوقت الذي رجحت فيه مؤسسة بحثية حكومية صينية ان يستمر اقتصاد الصين قويا هذا العام إذ سينمو بوتيرة عالية في وقت يؤكد فيه القادة الصينيون ان المهمة الاساسية العام الحالي تكمن في دعم الانتعاش الذي تحقق في الاشهر الماضية، وجاء في تقرير أصدره مركز بحوث التنمية الذي يقدم المشورة للحكومة انه من المتوقع ان ينمو ثالث أكبر اقتصاد عالمي في 2010 بنسبة 9.5% بدعم من نمو الاستثمار العقاري ومحدودية التضخم، وفي العام المنقضي حقق الاقتصاد الصيني نموا في حدود 8% وفقا لبيانات حكومية. وأكد التقرير الذي نشرته صحيفة تشاينا إيكونوميك تايمز ان اقتصاد الصين سيظل قويا في ظل انتعاش الاستثمارات مع تباطؤ الانفاق التحفيزي الحكومي، ووفقا للتقرير ذاته فإن المناخ الاقتصادي الخارجي سيظل في 2010 قاتما إلي حد بعيد لكنه لن يتدهور اكثر من ذلك، وأوضح المركز ان الانفاق التحفيزي الحكومي سيتراجع هذا العام، في حين ان الاستثمار في القطاع العقاري قد ينمو بين 30 و40%، عما كان عليه في 2009 وانه قد يتحول إلي قوة رئيسية محركة لنمو الاستثمار. وقال مسئولون صينيون إن الحكومة ستستمر هذا العام في دعم الانتعاش الاقتصادي من خلال ضخ مزيد من الاموال ولو بوتيرة أقل من العام الماضي الذي شهد تنفيذ أضخم خطة حفز في تاريخ الصين بنحو 600 مليار دولار، وفي خطاب بمناسبة العام الميلادي الجديد بثته وسائل الاعلام الرسمية وعد الرئيس الصيني هو جينتاو بالحفاظ علي تنمية اقتصادية ثابتة وسريعة نسبيا هذا العام. وقال إنه علي الرغم من تأثير الازمة العالمية فإن الصين ستواصل النمو، وقال ايضا إن بلاده ستسعي لبذل المزيد هذا العام لمساعدة الشعوب التي تواجه الحروب والفقر والمرض والكوارث الطبيعية.