أبكتني الأخبار التي نشرتها الصحف خلال الأيام الماضية حول مصرع طفلين لقيا حتفهما علي يد طالبة تمريض قامت بحقنهما في الوريد فسقطا صريعين في لحظات الواحد تلو الآخر تماما كما تسقط الدواجن من جراء إصابتها بإنفلونزا الطيور ذكرت الصحف أيضا أن القدر وحده ليس غيره تدخل لإنقاذ طفلة رضيعة لا يتعدي عمرها سبعة أشهر كادت أن تلحق بمصير الطفلين لولا يقظة أبيها الذي حال بين صغيرته والحقنة المشئومة في يد طالبة التمريض ذاتها حيث هرب بها وعالجها بإحدي العيادات الخاصة ليكتب لها القدر عمرا جديدا!! هذه المأساة المروعة التي شهدت فصولها مستشفي التأمين الصحي بمدنية العاشر من رمضان لا يمكن أن تكون جديدة علينا إذ تتكرر يوميا في معظم إن لم يكن كل مستشفيات مصر العامة والخاصة علي السواء. وضحاياها من الصغار والكبار دون أن نعرف حتي الآن نتائج أي تحقيق من تحقيقات اللجان العامة والفرعية التي تتشكل إثر كل مأساة تحدث وإلا فليدلني أحدكم عن نتائج التحقيق حول الحريق الهائل الذي التهم صغارنا وحضاناتهم منذ وقت قريب بأحد المستشفيات الكبري بالإسكندرية!! أليست الفوضي أليس الإهمال.. وأليس التسيب وغياب الدور الرقابي وكذا غياب سياسة الثواب والعقاب وراء كل المهازل التي أصابت وتصيب المستشفيات في بلدنا حتي وصلنا للدرجة التي بتنا فيها نندهش ولا نضرب كفا بكف إذا قرأنا في الصحف أن مريضا لقي حتفه نتيجة جرعة بنج زائدة أو جرعة دواء زائدة أو تناوله دواء مخالفا لما هو مدون في روشتة الطبيب أو نتيجة جراحة خاطئة من طبيب مبتدئ في أغلب الأحيان أو طبيب كبير في بعض الأحيان!! وقديما كان أطفال مصر يموتون في أرحام أمهاتهم بفعل الجهل وغياب الوعي وعدم وجود برامج صحية.. اليوم وفي ظل التقدم المذهل في العلوم الطبية وخاصة ما يتعلق بحماية الأم والطفل فإن أطفال مصر يموتون خارج أرحام أمهاتهم إذ بدلا من أن تستقبلهم الدنيا بترحاب وتفرد لهم ذراعيها يتلقفهم الموت في أشكال وألوان متعددة تنطوي جميعها تحت يافطة عريضة عنوانها "الفوضي والإهمال"... وإني لأتساءل: ماذا تم بشأن مأساة أطفال مستشفي التأمين الصحي بالعاشر من رمضان؟ أنا شخصيا أستطيع الإجابة لقد هرعت فور حدوث المأساة كل أجهزة الدولة المعنية إلي المستشفي وشاركت كلها في مزاد علني لتشكيل لجان تحقيق محافظ الشرقية علي سبيل المثال أمر بتشكيل لجنة للتحقيق وزارة الصحة أمرت هي الأخري بتشكيل لجنة للتحقيق هيئة المستشفيات أبت أن ينفض المولد دون أن تأمر هي الأخري بتشكل لجنة للتحقيق.. هيئة التأمين الصحي شكلت لجنة للتحقيق هذا بالإضافة إلي تحقيقات الشرطة والنيابة وكل هذه اللجان تترقب تقرير الطب الشرعي وهكذا الأيام تمضي واللجان تعمل ليطوي النسيان ذاكرة المصريين المهمومين بقوت يومهم وباتوا في شدة الهم والكرب لا يتذكرون حتي ماذا أكلوا بالأمس!! ولحين أن تظهر نتائج تحقيقات كل هذه اللجان المشكلة فإني أطرح علي وزير الصحة د. حاتم الجبلي بصفته المسئول المعني بصحة المصريين في طول البلاد وعرضها عددا من التساؤلات المنطقية البديهية المشروعة: أليس بكل مستشفي في أي بلد من بلاد الله الواسعة مجلس للإدارة له رئيس ومفترض فيه أنه ملم بالتفاصيل وعلي دراية بكل صغيرة وكبيرة داخل جدران هذا المستشفي؟ هل في مستشفياتنا هذه النوعية بالفعل من الإدارة الذكية المترجلة داخل الطرقات والأقسام وغرف العمليات والطوارئ؟ أم مجالس إدارة مكيفة ومرحرحة اختصرت كل مسئولياتها في حسابات الأرباح والمكسب والخسارة؟! أليس بكل مستشفي في أي بلد من بلاد الدنيا مدير مقيم متفرغ يصول ويجول في أرجاء المستشفي ويبث الرعب والفزع في قلوب العاملين، من ضعاف الضمير المستهترين الذين لا يراعون ربهم ولا وطنهم وهم يؤدون عملهم وقد يؤدي أبسط تهاون منهم ولو للحظات إلي إزهاق أرواح بريئة؟ أين هذا المدير المقيم المنضبط في مستشفياتنا؟