بنية حسنة وقلب طيب اعتقدت أن الخلاف بين الأنبا مكسيموس وقداسة البابا شنودة، لا يخرج عن كونه سوء تفاهم يمكن أن يزول لو أن مكس ذهب إلي البابا واستسمحه كي يفتح معه صفحة جديدة. لذلك قلت للأنبا مكسيموس وأنا أحاوره هل يمكن أن تفعل ذلك؟ أجابني: بلا تردد أذهب إليه وأقبل يده وأستسمحه أن أفتح معه هذه الصفحة، ولكن علي أي وضع؟ هل سيقبلني نبتة بجوار الشجرة الكبيرة.. عنوانا صغيرا بجوار اليافطة الكبيرة؟ أم ماذا بالضبط؟ قلت له: دعني أحاول! قال إذا نجحت أنت وجريدة "نهضة مصر الأسبوعي" في ذلك، فتلك مبادرة لن أنساها، بل إنك إذا وفقت في تلك المساعي فسوف أقيم لك نصبا تذكاريا في مدخل كنيسة المقطم بالألوان. قلت له: أنا لا أريد منك شيئا، كل ما أريده ألا تكون هناك فتنة بين المسيحيين والمسيحيين، لأن البلد بصراحة لا تتحمل ذلك.. من هنا فكل همي أن تنعم مصر بالأمان وألا تكون بها أية منغصات تعكر صفوها وتفسد هدوءها. وما إن ذهبت إلي قداسة البابا شنودة وعرضت عليه الأمر، حتي اكتشفت سذاجتي، فالقضية ليست بالبساطة التي تصورتها، والأمر ليس هينا كما خيلته لي حسن النوايا بداخلي.. فالحكاية أو بمعني أدق المشكلة لا تحلها اعتذارات وتقبيل أياد ومصافحات وإنما، أعقد وأعمق ولها جذور، فالبابا مستعد أو بمعني أدق لا يمانع في الجلوس معه للتفاوض بشرط أن يتخلي عن كل أوهامه وأن يخلع رداء البطريرك وأن يعود إلي اسمه الأصلي "مكس ميشيل". وأتاري حكاية الزي وهي أبسط شيء في الأمر التي لم تلفت نظري وانتباهي هي حكاية طويلة.. فالأنبا مكس يرتدي عباءة خارجية ذات زخارف خاصة لا يرتديها إلا قداسة البابا شنودة فقط دونا عن جميع المطارنة والأساقفة الأقباط الأرثوذكس. ليس هذا فقط بل إن قداسة البابا كيرلس السادس والبطاركة الذين سبقوا البابا شنودة لم يرتدوا هذه العباءة، وبالتالي فهو من وجهة نظر البابا شنودة ينتحل صفة البابا ويرتدي زيه، الأمر الذي يكشف عن رغبته الدفينة في خداع البسطاء، ويشاركه في ذلك الأساقفة والقساوسة المعاونون له حيث يستخدمون نفس الزي القبطي كل في درجته.. وهذا تزوير ما بعده تزوير، تماما مثل الصول الذي ينتحل صفة لواء ويرتدي ملابسه. وليت الأمر يتوقف عند حد الملابس وحدها.. فما بني علي باطل فهو باطل أيضا.. فكل الأوضاع والأمور التي بنيت وتحققت بعد انشقاقه فهي باطلة، ولابد أن يصححها: الأساقفة الذين قام بترسيمهم ليسوا أساقفة شرعيين.. والمواطنون الذين قام بتزويجهم تعد زيجاتهم غير معترف بها من الكنيسة.. وأيضا الأطفال الذين تم عمادهم لن تعترف بهم الكنيسة.. وعلينا أن نتخيل حجم المشكلات الاجتماعية المترتبة علي ذلك. بخلاف الملابس والتزويج والتعميد وقع مكس من وجهة نظر البابا شنودة في مشكلة أعمق وهي أنه ينادي بالسماح بالطلاق ويوسع دائرة أسبابه، في الوقت الذي لا تسمح فيه الكنيسة إلا في حالة واحدة وهي علة الزني.. ويصف مكس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بأنها متزمتة في هذا الأمر وتسبب انهيار العائلات وتصدع المجتمع. والبابا شنودة يري هنا أن مكس يداعب عواطف بعض الراغبين في الطلاق، وهو بذلك يخرج عن تعاليم الإنجيل.. فأناجيل متي ومرقس ولوقا تؤكد أن السيد المسيح قد سمح بالطلاق في حالة واحدة فقط وهي الزني. ويضاف إلي ذلك سبب آخر وهو تغيير الدين، كما يتم القبول ببطلان حكم الزواج إذا كان هناك مانع أساسي قبل إجرائه أو إتمامه إذا ثبت مرض الزوج أو الزوجة مرضا يضر بأحدهما مثل الإيدز. وإمعانا في القطيعة بينه وبين الكنيسة أعلن مكس عن عزمه تنظيم رحلات الحج إلي بيت المقدس، وكأنه يتحدي البابا الذي أعلن بوضوح رفضه القاطع للزيارة طوال فترة الاحتلال الإسرائيلي. وهذا يؤكد أن مكس يريد أن يفعل كل ما ينهي عنه البابا وتحذر منه الكنيسة، فماذا يقصد؟ قصده واضح ونيته مبيتة، فهو يتلاعب كما يقولون بمشاعر الأقباط، حيث من المعروف أن عشرات الألوف منهم يشتاقون لزيارة الأماكن المقدسة في كنيسة القيامة بالقدس، ولم يكن من اللائق أن يلعب بمشاعر الأقباط في هذه الناحية، لأنه سيؤدي إلي نوع من التطبيع مع إسرائيل علي المستوي الشعبي. ومكس عنده حجته، حيث يقول: نحن بذلك نحقق لإسرائيل ما تريده، فهي تريد ألا يزور القدس أحد، وأن ينساها المسيحيون والمسلمون بحيث تكون القدس لهم. وهذا حق يراد به باطل كما تقول الكنيسة، فإسرائيل تتمني أن يزور المسيحيون بيت المقدس، وقد أرسلت بالفعل وزير الأديان لديها إلي المقر البابوي، وعرض عليهم إعادة دير السلطان في القدس والذي منحوه للأحباش، وذلك في مقابل السماح للأقباط بزيارة القدس وقد رفضت الكنيسة ذلك وقالت بوضوح لوزير الأديان: لن يزورها أحد طوال فترة الاحتلال، فعاد الرجل إلي حكومته بخفي حنين! وبهذا يتضح لنا أن الخلاف بين مكس وبين الكنيسة وقداسة البابا شنودة، ليس بسيطا ولا سهلا، وبالتالي لا يمكن أن تحله حسن النوايا من جانبنا فقط، وإنما حسن النوايا من جانب الأنبا مكسيموس. وإثبات ذلك يتطلب منه أن يجيب عن أسئلة الشارع وبكل صراحة: من أنت.. من وراءك.. من قام بترسيمك ولمصلحة من وضد من.. ومن يقوم بتمويل.. وما أهدافك.. وهل جئت كما تقول من أجل الإصلاح.. وإصلاح ماذا، وما معاييرك في ذلك.. ومن فوضك وأعطاك الحق.. وهل الإصلاح يعني أن تهدم الثوابت؟ وهل التغيير يعني أن تعبث بأصول الدين؟ وهل أفكارك الجديدة التي تنادي بها هي من باب حرية الرأي والاعتقاد أو من باب إثارة الفتنة والبلبلة؟ باختصار سيد مكسيموس: جئت تشع نورا أم تشعل الشارع القبطي نارا؟! كل المصريين.. مسيحيين ومسلمين يودون سماع إجابة صريحة، فجميعهم يريدون أن تبقي الفتنة في مصر نائمة، ولن يسمحوا لأي أحد أن يوقظها. كل هذه التساؤلات طرحتها علي الأنبا مكسيموس ثم أخذت أوراقي وذهبت إلي قداسة البابا في اليوم التالي لعودته من رحلة العلاج، وكان الحوار الموسع في الصفحتين الرابعة والخامسة من هذا العدد.