ارتكب رئيس الوزراء البريطاني توني بلير خطأين يدفع اليوم ثمنهما غالياً. الخطأ الأول هو عمله علي تجميل صورة الرئيس بوش وسياسته العسكرية والدفاع عن مبدأ الحرب الوقائية التي تبنّتها الادارة الأمريكية، وتسويق قرارات بوش داخل الولاياتالمتحدة وخارجها رغم المعارضة العارمة لتلك القرارات داخل الولاياتالمتحدة وخارجها ايضاً. لم يلعب بلير دور محامي الشيطان.. لقد كان يؤمن بعمل الشيطان . الأمر الذي أدي به الي ارتكاب الخطأ الثاني. وهو زجّ بريطانيا في الحرب علي العراق وتحويلها الي طرف معادٍ في الوقت الذي كان يفترض فيه ان يلعب دور الوسيط البنّاء بما لدي بريطانيا من موروث غني بالتجارب السياسية في الشرق الأوسط وفي القارة الهندية. لقد كذبت ادارة الرئيس بوش علي الأمريكيين وعلي العالم عندما اختلقت المبررات لاجتياح العراق، من أسلحة الدمار الشامل التي ثبت ان العراق لم يكن يملك شيئاً منها، الي علاقة النظام العراقي السابق بتنظيم القاعدة والتي ثبت أيضاً انها كانت علاقة سلبية وعدائية وليست علاقة تعاون!.. ولكن الرأي العام الأمريكي ليس من السذاجة بحيث يصدق الكذب الي ما لا نهاية . حتي اذا ما اكتشف الحقيقة تخلي عن تأييد الرئيس بوش الذي هبطت نسبة تأييده الي 31 في المائة فقط، وهي أدني نسبة مسجلة لأي رئيس أمريكي حتي الآن. وعلي أساس هذه القاعدة نفسها، قاعدة افتضاح الكذب، يترنح الرئيس البريطاني بعد سلسلة الضربات التي تلقاها من الرأي العام في بلاده، حتي ان نسبة مؤيديه هبطت كذلك الي 27 في المائة فقط. واذا استمر الرئيس بلير في 10 داوننغ ستريت (مقر رئاسة الحكومة) لمدة سنة اضافية، فان ذلك سوف يعتبر بمثابة معجزة سياسية. فالضغط لحمله علي الاستقالة انقاذاً لحزب العمال يزداد يوماً بعد يوم من داخل الحزب ومن خارجه علي حد سواء. وعندما يحصل ذلك، ولا بد ان يحصل آجلاً او عاجلاً، فان الرئيس بوش الذي تستمر فترة رئاسته الثانية حتي عام 2009 سيفقد حليفه الوحيد في أوروبا لقد خسر بوش حليفين أساسيين حتي الآن، هما رئيس الحكومة الاسبانية السابق خوسيه ماريا أزنار، ورئيس الحكومة الايطالية السابق سيلفيو برلسكوني. والاثنان سقطا في انتخابات شعبية عامة. وكانت اول ترجمة لسقوطهما سحب القوات العسكرية لبلديهما من العراق، بل ان قرار سحب القوات كان المادة الأولي في المعركتين الانتخابيتين اللتين اطاحتا بحليفي الرئيس الأمريكي. صحيح ان مستشارة ألمانيا انجيلا ميركل أقرب الي بوش من المستشار السابق شرويدر، ولكن ميركل قارئة سياسية جيدة. فهي تعرف معني تراجع شعبية بوش وبلير حتي الحضيض.. وتعرف ايضاً معني سقوط برلسكوني وقبله أزنار.. وتعرف فوق ذلك كله حقيقة المشاعر الألمانية من السياسة الخارجية الأمريكية التي تتعامل مع ألمانيا وحتي مع المجموعة الأوروبية بكثير من الاستعلاء والغطرسة. ثم انها تعرف جيداً ان ازورار الرئيس الروسي بوتين عن الرئيس بوش وادارته، وقراره الشجاع بإعادة تعزيز القوات العسكرية لبلاده، وخاصة القوات النووية، كان ردّ فعل علي هذه السياسة الأمريكية.