انتهينا في مقالنا السابق والمعنون "موقف عربي جديد.. في ظل المتغيرات الامريكية" الي ضرورة استثمار الدول العربية لتلك المتغيرات التي حركتها رغبة المجتمع الامريكي فأدت الي نجاح الديمقراطيين وتفوقهم علي الحزب الجمهوري الحاكم في معركة الانتخابات النصفية للكونجرس.. للتوجه بخطاب جديد وحديث.. والتحرك في اطار منظومة لصف عربي موحد من حيث الفكر والهدف.. حتي لايخلو الملعب السياسي الدولي من دور فعال وايجابي.. ملموس لها لتحقيق المصالح العربية وتغيير اي صورة سلبية تسيء سياسيا وعقائديا لها خاصة بعد ان تناولنا تأثير جماعات الضغط داخل الولاياتالمتحدةالامريكية علي تشويه صورة العرب جميعا والمسلمين بصفة خاصة وهو ما يؤثر في صنع قرارات السياسة الخارجية الامريكية تاريخيا.. كما قد يؤثر علي موقف الحزب الديمقراطي تحت ضغط سياسة الرئيس الحالي الجمهوري بوش والذي سيستمر في ولايته حتي يناير 2009 والذي يربط سياسات حكومته ونظامه بضرورة استمرار القوات الامريكية بالعراق لتحقيق الامن القومي الامريكي. واذا استطردنا.. الي المحاولة الاولي من بوش في خطابه الاول الذي القاه بعد الهزيمة والذي يؤكد علي هذا التوجه.. هو ما اشار اليه من دعوة البيت الابيض الامريكي ومعه نائبه ومستشاره للامن القومي لعقد اجتماعات منفصلة- بداءة- مع "لجنة بيكر" التي تضم ممثلين عن الحزبين "الجمهوري- الديمقراطي" وتنتهج اسلوبا محايدا لدراسة الملف العراقي واقترحت مؤخرا بديلين للخروج من المأزق العراقي.. قامت سابقا الادارة الامريكية برفضهما.. وهما رفع مستوي الاتصالات الامريكية والحوار مع سوريا وايران لوقف نشاط المقاومة العراقية ولايقاف المزيد من الضحايا خاصة الامريكيين او سحب القوات المسلحة الامريكية من العراق في وقت لا يتعدي الستة اشهر او عاما واحدا فقط. الا ان متابعة الاحداث وتتابع المواقف... وفقا للمتغيرات الجديدة في الولاياتالمتحدةالامريكية بعد فوز الحزب الديمقراطي.. تؤكد انقسام القوي المؤثرة علي صنع القرار الامريكي او المشاركين فيه من حلفائها.. الي فريقين سواء علي مستوي الساسة او العسكريين او القادة عموما.. اولهما يرفض بدائل ومقترحات "لجنة بيكر" بكل ما فيها من أمل للخروج من المأزق العراقي.. اما الاخر فيؤكد علي دور تلك اللجنة المنشود ويعتبرها الأمل والبارقة التي ستنقذ الموقف علي الرغم من التحديات والمعارضة التي تواجهها.. وهو ما يمكن توصيفه علي الوجه التالي: اولا: نشاط "لجنة بيكر" والأمل المنشود 1- فقد أعلنت صحيفة نيويورك تايمز مؤخرا ان وزير الخارجية الامريكي السابق جيمس بيكر "رئيس اللجنة" وزميله السيناتور الديمقراطي السابق لي هاملتون التقيا لعدة مرات مع مسئولين سوريين لبحث امكانية تعاونها مع الحكم الحالي في العراق لاستتباب الاستقرار والامن هناك. ولا نتجاهل ان تلك اللقاءات تمت بعد ان اجتمع الرئيس الامريكي بوش واعوانه باللجنة عقب فوز الديمقراطيين. 2- توجه وزير الخارجية السوري وليد المعلم الي بغداد مؤخرا لفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين.. عقب تصريحاته وسفير سوريا بواشنطن بايجابية لقاءات "لجنة بيكر" مع اللجنة السورية.. في اجتماعين متتاليين. 3- ما اعلن.. عن توجه للرئيس العراقي الحالي جلال الطلباني لزيارة ايران.. علي الرغم من موقفها الذي لا يتناسب مع الموقف السوري ازاء الدعوة الموجهة من "لجنة بيكر" الي ايران.. وهو ما قد يشير الي ان تلك الزيارة تستهدف انجاح عمل اللجنة في مجال ايقاف نشاط المقاومة العراقية.. واي دعم ايراني لتحريك الاحداث المؤثرة علي استقرار العراق حاليا. ثانيا: مواقف معارضة لانسحاب القوات الامريكية من العراق.. ومؤثرة سلبا علي تحرك بيكر ولجنته. 1- معارضة ديك تشيني- نائب الرئيس الامريكي- لانسحاب القوات علي الرغم من اي ضغوط من الكونجرس الامريكي لتحديد جدول زمني للانسحاب وتصريحه بان الخروج من العراق بهذه الصورة وقبل انهاء مهمة القوات الامريكية سيفقد امريكا مصداقيتها مع حلفائها.. بل سيقنع الارهابيين بامكانية تغيير الشعوب الحرة لسياستها. 2- كذا معارضة قائد القوات الامريكية بالمنطقة الجنرال جوفن ابيزيد حيث اعلن انه يحذر من حرب عالمية ثالثة بسبب التشدد الديني وان القوات الامريكية ليس في وسعها الانسحاب من العراق! 3- تحذير كيسنجر المفاجيء.. من كارثة محققة اذا انسحبت القوات الامريكية من العراق حاليا. 4- تصريحات وزيرة الصناعة البريطانية المعارضة لسياسة حزب العمال البريطاني.. ورئيس الوزراء توني بلير.. حيث ادانت تورط بريطانيا في العراق بتدخل قواتها هناك.. وان هذا الخطأ من بلير لممارسة ما اسماه بالاستعمار الاخلاقي لفرض القيم البريطانية علي الدول الاخري لن يغتفر! 5- تصاعد نشاط المقاومة العراقية.. بصورة ملحوظة.. وتتابع الاحداث والضحايا في الجانبين العراقي والامريكي وكذا عمليات الخطف والصراعات والقتل باسباب عرقية ومذهبية خاصة بين الشيعة والسنة.. وما تعطيه المؤشرات من تزايد عمليات الانتقام بين الفريقين.. لزرع بذور العداء واستمرار الفرقة بين الشعب الواحد.. وهو ما يهدد بتقسيم العراق.. وتأثير الاحداث علي جيرانها وفقا للتفرقة المذهبية.. علي الرغم من تصريحات مناوئة ومعارضة لذلك.. وتصدر عن الجهات الامريكية المسئولية.. او السلطات العراقية الحاكمة! وبين هذا الزخم من الاحداث والتناقضات قد نطرح تساؤلا مهما.. او نلقي الضوء علي شخصية جيمس بيكر وزير الخارجية الامريكية الاسبق ابان حكم الرئيس الامريكي رونالد ريجان.. والذي تولي رئاسة الولاياتالمتحدةالامريكية في يناير عام 1981.. اي في الوقت الذي كانت الحرب الباردة تحكم الصراع الامريكي- السوفيتي.. بينما الارتياب والريبة يسودان وجدان القادة في الجانبين. ولماذا تم اختيار جيمس بيكر لرئاسة اللجنة الامريكية المحايدة.. لدراسة الملف العراقي وحل المأزق الامريكي هناك...!! لعل الاجابة تأتي من مذكرات جيمس بيكر نفسه.. في كتابه "سياسة الدبلوماسية" اذ يستشهد بيكر بما حدث من شيفرنادزة وزير الخارجية السوفيتي عندما كان يقف بجانبه في اغسطس عام 1990 في صالة مطار" فنوكوفو 2" خارج موسكو فأسهب الاخير للصحفيين باسباب موافقة بلاده علي اجراء غير مسبوق بالانضمام للولايات المتحدةالامريكية في ادانة "غزو العراق للكويت" حيث اضاف لبيكر شخصيا "دعني ابلغك بانه كان قرارا صعبا بالنسبة لنا بسبب العلاقات طويلة الامد التي تربطنا بالعراق لكننا اضطررنا لاتخاذ تلك الاجراءات.. لان هذا العدوان يتعارض مع التفكير السياسي الجديد.. بل انه يتعارض في الحقيقة مع المباديء المتحضرة بين الدول". .. واضاف بيكر في مذكراته.. لقد كانت تداعيات مفاجأة شيفرنادزة مذهلة.. فقد مضي السوفييت في تفكيك امبراطوريتهم في اوروبا الشرقية واذعن الكرملين لانهيار حكومة ايريك هونيكر في المانياالشرقية، مما جعل سقوط سور برلين امرا حتميا! وقد عبر جيمس بيكر.. عن صدام حسين وغزوه للكويت حينذاك.. بانه يشوبه الكثير من نواحي القصور ولحسن حظ امريكا وبقية العالم المتحضر كان تبلد إحساسه بالزمن احدها.. ان طاغية اخر اكثر حصانة كان سيختار بالتأكيد موعدا اخر غير الثاني من اغسطس عام 1990 لغزو جار له لا حول له ولا قوة.. فقد كان رئيس الولاياتالمتحدة يتأهب في هذا اليوم تحديدا للاجتماع مع رئيسة وزراء بريطانيا، ولم يكن يعرف عن المرأة الحديدية "مارجريت تاتشر" انها تقبل بانصاف الحلول في لحظات التحدي.. كما كان وزير الخارجية الامريكي في سيبيريا لاجراء مباحثات مع نظيره السوفيتي وفي غضون ذلك كان دبلوماسيون من البلدين يعكفون علي وضع اللمسات النهائية لمباحثات حول التخطيط السياسي كان مقررا اجراؤها في موسكو منذ فترة طويلة. ويضيف.. ان مواجهة الطغاة ليست بالمهمة اليسيرة ولكن الخطأ التكتيكي القاتل في الحساب الذي ارتكبه صدام حسين جر مضاعفات هائلة.. ووفر لنا "اي الولاياتالمتحدةالامريكية" هذا الخطأ نقطة انطلاق حاسمة في صياغة شكل مواجهتنا للازمة!! فقد تسببت اوهام جنون العظمة لدي صدام حسين في ازهاق ارواح عشرات الالاف من الجنود العراقيين.. مقابل 400 جندي امريكي شجاع كما انها جرت معاناة مروعة لا لزوم لها علي مواطنيه وبؤسا لا يزالون يكابدونه. عرفنا وايقنا الان لماذا تم اختيار جيمس بيكر لرئاسة تلك اللجنة "لجنة بيكر 2006".. لحل مشكلة امريكا بالعراق؟! وهل يتذكر بيكر- بصفة خاصة- ما قرره من ذكرياته عام 1990... عن غزو صدام للكويت..... وهل سيتبلد احساسه بالزمن لحل المأزق الامريكي بالعراق.. فيقع فيما اسنده من قصور وخطأ سابقا لصدام حسين...!! لعل الايام القادمة...... تجيب عن هذا التساؤل فدورة التاريخ لاتنتهي...