يسود العالم حالة من اليقظة والترقب بعد نجاح الديمقراطيين في معركة الانتخابات النصفية للكونجرس بالولاياتالمتحدةالأمريكية خاصة فيما يتعلق بآثار وانعكاسات تلك الهزيمة للحزب الجمهوري علي سياسات الرئيس بوش والذي سيظل رئيسا للولايات المتحدةالأمريكية في ظل أغلبية معارضة تشريعية لمدة السنتين القادمتين.. حيث تنتهي ولايته في يناير عام 2009. وقد يكون الاعتقاد لدي كثير من المراقبين السياسيين أن نجاح الديمقراطيين سيؤدي بالتالي إلي مزيد من الضغط علي إدارة الرئيس بوش لخروج القوات العسكرية الأمريكية من العراق خاصة في ظل ما أعلنه الديمقراطيون عن شجبهم لسياسة الحزب الجمهوري في العراق ومعارضتهم لاحتلاله ومطالبتهم بمنظومة "اقتصادية سياسية عسكرية" جديدة خاصة مع العجز الكبير في الموازنة الأمريكية.. والمزيد من القتلي والجرحي يوميا في صفوف القوات الأمريكية بالعراق. وإذا كان هذا الاعتقاد قريبا من موجة التفاؤل في العالم العربي.. خاصة بعد تعاظم "موجة الكراهية" لرفض الحملات العدائية التي واجهتها بصفة خاصة الدول العربية والإسلامية من جراء سياسة الإدارة الأمريكية الحالية.. إلا أنه من المتوقع أن تسعي إدارة وسياسات الرئيس بوش تحت عنوان التأكيد علي "دعم الأمن القومي" الأمريكي إلي استقطاب الديمقراطيين خاصة خلال السنتين الباقيتين له في الحكم.. للحذر والتريث في المطالبة بتنفيذ شعاراتهم ومطالبهم بضرورة سحب القوات الأمريكية بصفة عاجلة من العراق.. أو رفع مستوي الاتصالات والحوار مع سوريا وإيران لوقف القتال بين المقاومة المسلحة داخل العراق والقوات الأمريكية.. وهما البديلان اللذان حددتهما "لجنة بيكر" غير الحزبية والمكلفة من الكونجرس الأمريكي لتقديم توصياتها للخروج من "المأزق" المتصاعد ضد السياسة الأمريكية بالعراق. ومن هنا كانت المحاولة الأولي من بوش في أول خطاب له هو ربط مقترحاته ب "الأمن القومي الأمريكي" كما أشرنا، فأعلن البيت الأبيض الأمريكي أن الرئيس بوش ونائبه ومستشار الأمن القومي ستيفن هادلي سيعقدون اجتماعات منفصلة براءة مع اللجنة المشكلة لدراسة مشكلة العراق ولسماع الآراء المختلفة للأعضاء الذين يمثلون الحزبين "الجمهوري الديمقراطي"، والتي سبق أن اقترحت البديلين اللذين رفضا من إدارة بوش.. وهو ما يمثل حتي الآن بداية "لإعادة تقييم الموقف" للسياسة الأمريكية باختيارات سبق رفضها. فهل ستلتقي وجهات نظر الحزبين "الجمهوري الديمقراطي" علي أن أحد البديلين أو كليهما سيتحقق معهما "الأمن القومي الأمريكي".. وأن نتيجة انتخابات التجديد النصفي بالكونجرس الأمريكي لا تعبر حسبما صرح بوش عن ضعف الولاياتالمتحدةالأمريكية.. بل هي "دعوة" لوحدة موقف الحزبين تجاه أعدائهما والعمل معا بأسلوب قيادي أخلاقي لمواجهة التحديات التي تهدد البلاد. وعلي جانب آخر.. فإذا كان استبعاد وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد عن منصبه يعكس ارتياحا عالميا وإقليميا ولدوره الأساسي في شن الحرب علي العراق واحتلالها.. وما تكشف عن مسئوليته عن أعمال التعذيب في جوانتانامو في القاعدة الأمريكية بكوبا.. وكذا سجن أبو غريب بالعراق.. إلا أن ما تقدمت به جمعية للمحامين الأمريكيين لتشكوه قضائيا في ألمانيا ومعه آخرون من الوزراء والمسئولين الأمريكيين.. في إطار مبدأ "الولاية القضائية العالمية"، وذلك لمحاكمتهم عن جرائمهم هناك.. وتفاديا لانحسار فرص نجاح مثل تلك القضايا داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية نظرا للإجراءات الجنائية المعتمدة لديها.. خاصة بالنسبة لشخصيات المشكو في حقهم ووظائفهم. يمثل إضافة جديدة.. قد تستفيد الإدارة الأمريكية الحالية من ورائها لتحسين صورتها للرأي العام العالمي.. والرأي العام العربي والإسلامي بصفة خاصة.. بعد الاتهامات التي وجهت لكليهما وكانت سببا في جرائم ووسائل التعذيب التي.. وبلا شك.. ستتضاعف الشكاوي يوما بعد يوم ضد رامسفيلد وزملائه. إلا أنه من الأهمية ألا نتجاهل بعض الحقائق أو التوجهات.. حتي نستفيد عربيا وإسلاميا.. من تلك المتغيرات التي تحدث بالولاياتالمتحدةالأمريكية حاليا.. حتي نواجه جماعات الضغط والمجموعات ذات الاهتمامات الخاصة والتي تؤثر بدورها ومواقفها علي تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط.. ونتناول في مقدمتها الحقائق والتوجهات التالية: 1 تظهر الكاتبة جانيس جاي تيري في كتابها عن السياسة الخارجية الأمريكية ودور جماعات الضغط بها.. إنه إذا كانت إسرائيل هي الحليف الرئيسي لأمريكا في الشرق الأوسط وتساعد علي احتفاظ الولاياتالمتحدة بهيمنتها علي المنطقة حيث أمكنها من خلال مؤيديها والجماعات المحلية من خلق الدعم الحكومي والمالي لإسرائيل. إلا أنه من جانب آخر فلابد من عدم تجاهل الأفكار المبسطة السلبية التي تتناول "العرب والمسلمين" والمنتشرة علي نطاق واسع داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية، ومن هنا كانت السبب في صنع قرارات السياسة الخارجية الأمريكية تاريخيا.. ومن الأمثلة علي ذلك: التدخل العسكري الأمريكي في لبنان عام 1958. الهجمات الأمريكية المستمرة علي العراق في التسعينيات من القرن العشرين واجتياحه واحتلاله في عام 2003.. والترويج في المجتمع الأمريكي وإقناع السياسيين بضرورة شن هجمات علي مجموعة واسعة من الدول العربية والإسلامية. وتضيف.. أن هذه الأفكار هي ستارة المسرح الخلفية الثقافية التي جعلت من إساءة معاملة العرب والمسلمين في سجن أبو غريب وفي العراق.. وفي أماكن أخري.. وفي تعاطف واضح من الكاتبة.. تقول وتمتد عملية تجريد الثقافة العربية/ الإسلامية من الصفات الإنسانية من قمة الهرم في إدارة الحكم بأمريكا وحتي أصغر متطوع في الجيش.. بالإضافة إلي المقترعين في الانتخابات الأمريكية. كما تؤكد جانيس ج. تيري أن جماعات الضغط والمجموعات ذات الاهتمامات الخاصة والتي تمثل مجموعة كبيرة من الجماعات العرقية ووجهات النظر السياسية.. هي مؤسسات أو أفراد مهمتها التأثير في إقرار قانون ما أو إبطاله وهما يحصلان علي المال لتحقيق هذه الغاية.. أو يكونون متطوعين!! ويمارسون حملاتهم عبر "الرسائل/ الاتصالات البريد الإلكتروني.. إلخ"، بالإضافة إلي البرامج والتجمعات الخاصة والعلاقات الشخصية مع مصدري أو المؤثرين في صنع القرار. 2 وعن العراق أيضا.. تقول سوزان واتكنز في كتابها "لا حرب.. حقائق التجارة الأمريكية في العراق.. وحلم لاس فيجاس" أن الغزو "الإنجلو أمريكي" قد خرج عن ذريعته الأساسية.. إذ لم يكن هناك وجود لأسلحة الدمار الشامل. فتغير مخططهم.. وأصبحوا مهتمين بالانتهاكات الإنسانية كعلاقة فارقة والحاجة لجعل العراق بلدا ديمقراطيا.. ناهيك عن باقي دول الشرق الأوسط.. إلا أن المقاومة العراقية تزعمت وضع المصاعب في طريق احتكارات الشركات الأجنبية.. مما جعل واشنطن تفكر بأن هذا الضجيج المتعالي هو لايجاد خطة رحيل لحفظ ماء الوجه. وتضيف أن تقييم مصداقية الأممالمتحدة السياسية أصبحت "غير مقبولة".. فعليهم تحديد بيان الانسحاب.. إذ إن جميع المتحدثين انقلبوا علي الحرب، إنهم يفكرون أن الغزو كان غلطة!! 3 أن المعادلة الفارقة.. لاستشعار العرب جميعا بأن الديمقراطيين وتفوقهم علي الجمهوريين يجذب العرب للحد من كراهية السياسة الأمريكية بالشرق الأوسط بأن يجد العرب ما يساند هذا المفهوم ويؤكده بعد هذه المتغيرات.. فيجب أن تتراجع الإدارة الأمريكية بموضوعية عما أثارته قولا أو فعلا بأن كل ما هو "مسلم" فهو رمز للإرهاب.. وأن تؤازر احترام كل الأديان وتدين أي مساس بها بما فيها الإسلام عن وجدان صريح وموقف مبدئي ولا يقتصر موقفها كقوة أحادية عظمي علي مواقف مظهرية أو تصريحات نارية معادية إلي حد كبير. كما أن العرب ينتظرون في قضاياهم بدءا بتصعيد النزاع العربي الإسرائيلي.. إلي قضية العراق واستقرار المنطقة.. أن تكون الدولة التي بها تمثال الحرية وقامت ودعت لتنفيذ اتفاقيات حقوق الإنسان.. وتحقيق الديمقراطية.. هي البعيدة عن أي انتهاك لحقوق الإنسان.. بأي صورة من الصور! كما أن العرب وإن كانوا يعلمون جيدا.. أن قياس الفرق في المواقف بين حزب.. وحزب آخر.. علي رأس الإدارة الأمريكية أو حائز علي الأغلبية التشريعية.. هو قياس دقيق وقد يمثل القليل.. فالسياسة الأمريكية إن فرض لتلك المتغيرات أن اقتربت قليلا من حقوق العرب وآمالهم.. فلا يمكن أن تتخلي عن الميزان المختل.. لصالح إسرائيل ومصالحها الذاتية.. فالمطلوب مراعاة مصالح العرب بالقدر الذي يحافظ علي مواءمة المصالح.. والحد من توسيع دائرة العنف وتكريس واحترام إرادة الشعوب وحريتها. 4 وأخيرا هل سيستمر صمت الدول العربية أو عدم استثمار المتغيرات التي تحدث داخل الإدارة الأمريكية برغبة من المجتمع الأمريكي؟! إن الموقف يتطلب تحركا جديدا.. وخطابا حديثا ووحدة الصف العربي علي المستويين العالمي والإقليمي.. حتي لا يخلو الملعب السياسي الدولي من دور ملموس لتحقيق المصالح العربية وتغيير أي صورة سلبية تسئ سياسيا وعقائديا.. لنا.