في ربع الساعة الأخير قبل يوم الانتخاب، وقعت الفأس في سمت رأس توني بلير الأحد الماضي.. أصاب موقفه الانتخابي باهتزاز شديد.. تضاءل الهامش بينه وبين المحافظين من 8 إلي 3 نقاط فقط..و شمر الليبراليون الديمقراط عن سواعدهم لضرب بقايا أغلبية حزب العمال التي تتبخر! نسفت الموقف مذكرة سرية انفردت بنشرها صحيفة الصنداي تايمز وكأنها قنبلة عنقودية.. تكشف المذكرة عن أن توني بلير صمم علي إرسال قوات بريطانية للحرب ضد العراق إلي جانب القوات الأمريكية.. متي؟ قبل 8 أشهر من بدء الحرب، رغم تحذير واضح من الخارجية البريطانية من أن الصراع العسكري قد يكون عاريا من الشرعية! بعد أسابيع من لقائه بالرئيس بوش في مزرعته بكراوفورد تكساس استدعي بلير أقرب مساعديه إلي اجتماع سري عاجل يوليو 2002 وناقش المجتمعون في صورة "مجلس حرب" تقريرا للمخابرات البريطانية عن تصميم الرئيس بوش علي غزو العراق وإقصاء صدام وإسقاط النظام.. وتم تثبيت الحقائق ومعلومات المخابرات وتوظيفها لخدمة هذه السياسة الجديدة! وانتقلت الصنداي تايمز إلي وثيقة سرية أخري تكشف عن نصيحة قانونية قدمتها الخارجية البريطانية إلي رئيس الحكومة، مارس ،2002 قبل سفره للقاء بوش في تكساس، تضمنت عددا من التحفظات علي شرعية الحرب.. وهي ذات التحفظات التي قدمها تاليا المدعي العام بيتر جولدسميث لرئيس الحكومة يهدر فيها السند القانوني لتلك الحرب، التي تضمنت تحذيرا من أن الولاياتالمتحدة تأخذ موقفا خاصا من القانون الدولي يغاير موقف بريطانيا وغيرها من الدول. وفي يوليو ،2002 كتبت إليزابيث ويلمثرست نائب المستشار القانوني للخارجية البريطانية مذكرة إضافية بذات المعني ثم استقالت عشية بدء الحرب احتجاجا علي ما وصفته بأنه: جريمة عدوان Crime of aggression! وتكشف المذكرة السرية الأولي نقلا عن اجتماع مجلس الحرب الذي عقده توني بلير في 23 يوليو 2002 عن تأشيرة لماتيور ايكروفت مستشار رئيس الحكومة للشئون الخارجية.. تقرأ: يمكننا أن نعمل علي افتراض أن المملكة المتحدة تستطيع أن تشارك في أي تحرك عسكري.. لكننا نحتاج لصورة أكمل للخطة الأمريكية، قبل أن نتخذ مزيدا من القرارات.. منتهي التبعية والهوان ونقص في المعلومات الأساسية الواجب توافرها بين الحليفين! إلا شر البقر! في حوار له مع شبكة تليفزيون BBC سأله المحاور الشهير جيريمي باكسمان: أصبحت القضية معك مسألة ثقة بشخص رئيس الوزراء؟ أجاب توني بلير متململا ومراوغا: ربما كانت قدرة حزب العمال علي مد الاقتصاد البريطاني بأسباب الحياة.. محل شك! لم يبتلع باكسمان مراوغة رئيس الوزراء وجره إلي "أرض قتل".. انداح به إلي ساحة حرب العراق، تطارده طلقات من أسئلته الجارحة! أغلب الناخبين البريطانيين لا يعجبهم ثبات توني بلير علي موقفه غير الشعبي من حرب العراق.. ولا قراره بالانسياق وراء بوش إلي ساحة الحرب تحت مزاعم خاطئة False Pretenses ضعيفة وكاذبة Mendacious ولا تقوم علي مباديء أخلاقية.. رجال حملته الانتخابية يقولون لمجلة تايم في عددها الأخير: نحن قلقون علي أصوات الناخبات من نساء بريطانيا.. إنهن كتلة الأنصار الدائمة لحزب العمال.. لكن أصواتهن، هذه المرة، قد لا تكون مضمونة بعد أن أصبح رئيس الحكومة في نظرهن شخصية داهية ومراوغة Shifty! علي الشاطيء الاَخر لنهر التايمز هناك حزب المحافظين بزعامة مايكل هوارد وهو أحد صبيان مارجريت تاتشر.. وحملته الانتخابية يصفونها بأنها: كريهة وتافهة Inane.. وشعارها: هل تفكر فيما نحن نفكر فيه؟! وعليك أن تحزروتفزر.. أو تنصرف إلي حال سبيلك! وثالثهم: الليبراليون الديمقراط، يقودهم إلي التهلكة تشارلز كيندي.. يصفونه بأنه شخصية صبيانية Puerile Fellow رخو الشخصية مسحوق الإرادة.. ويشبهونه برجل أعلن علي الملأ أنه أقلع عن التدخين.. لكنه ظل يشعلها! لا يبقي في المرعي الانتخابي إلا شر البقر: توني بلير! العجيب أن مجلة تايم، رغم كل شيء، تراهن عليه.. وتفترض أنه سوف يترك الرئاسة إن نجح في بحر مدته الثالثة، لنائبه المخضرم صاحب الشعبية المنتشرة كأشجار الهايدبارك: جوردان براون وزير الخزانة! أشهد أن توني بلير لم يعد رجل دولة بأي معني.. إنه مجرد ذيل.. وابتسامته الواسعة التي تكشف عن 14 من قواطعه وضروسه لم تعد تثير البهجة أو الانتباه.. وهو مثل بيل كلينتون نموذج حي لمذهب: الطريق الثالث.. عقيدة سياسية مطمورة لا يحارب من أجلها أحد!