الرحلة عنوان مذكرات توني بلير رئيس الوزراء البريطاني السابق كشفت الكثير من الجوانب الخفية في شخصية ذلك الزعيم السياسي الذي كان يوصف بالظاهرة. لقدرته علي دفع حزب العمال الذي يترأسه لسدة الحكم بعد أن قبع في الظل عقودا طويلة. كما أزاحت المذكرات التي صدرت في أوائل الشهر الحالي الستار عن كثير من الصراعات الداخلية الخفية بين الأشقاء والأصدقاء داخل حزب العمال الذي كان يبدو علي السطح متمتعا بالهدوء والاستقرار طوال فترة توليه الحكم علي مدي3 فترات متتالية. ولكن أهم ما كشفت عنه المذكرات ذلك الصراع الذي كان له أسوأ تأثير علي السياسات البريطانية خلال فترة حكم بلير والناجم عن المنافسة الشديدة بين بلير وجوردون براون الذي خلفه في رئاسة الوزراء. فقد تسبب الصراع بينهما في حدوث انقسام داخل الحزب وإصابة الحكومة بالشلل, لكن أكثر ما أثار الجدل في بريطانيا هو تركيز بلير في مذكراته علي رأيه ومشاعره السلبية تجاه الرجل الثاني الذي أصبح رئيسا للوزراء من بعده. ومن المعروف أنه قبل تولي بلير رئاسة الوزراء كان هو وبراون عضوين في مجلس العموم وكانت تجمع بينهما صداقة قوية, حتي عندما توفي زعيم الحزب جون سميث عام1992 كان براون يعتقد في هذه اللحظة أن بلير لن ينافسه علي رئاسة الحزب حتي يصبح رئيسا للوزراء في حالة نجاح حزب العمال في الانتخابات. لكن ما حدث كان عكس ذلك لأن بلير رشح نفسه ضد براون وفاز برئاسة الحزب. ومن يومها امتلأ قلب براون بالمرارة من بلير لكنه سعي لإخفائها وصار وزيرا للخزانة في حكومته. وعلي الرغم من محاولات بلير لرسم صورة محايدة لصديقة القديم ومنافسه براون توضح العلاقة القوية التي كانت تربط بينهما واعترافه بقدرات براون السياسية الا أنه في مواضع كثيرة من الكتاب استخدم كلمات تنتقص من هذا التقدير لبراون حيث وصفه بأنه منفلت عصبيا وأن ذكاؤه العاطفي يساوي صفر. وشرح بلير كيف أن وزير خزانته كان أكبر عقبة أمام تطبيق خططه لإصلاح بريطانيا وأن فترة توليه المنصب كانت كارثة لأن قراراته كانت متضاربة أحيانا. ووصل بلير إلي خلاصة رأيه في تصرفات براون بأن حزب العمال خسر الانتخابات الأخيرة لأن براون أعطي ظهره لكل ما حققه بلير أثناء رئاسته للحكومة. وقال بلير أن براون حاول بالفعل أن يبتزه عندما أثيرت مسألة الفضائح المالية الخاصة بتمويل الحملات الانتخابية للحزب والتي أشارت إلي تبرعات رجال الأعمال لتمويل انتخابات الحزب والتي لا يقرها القانون وهو ما أثر علي مركز بلير. وانتقد بلير السياسة الاقتصادية التي اتبعها براون قبل الانتخابات التي جرت العام الحالي2010 وخسرها حزب العمال أمام المحافظين. وأضاف أنصار بلير إلي الاتهامات التي وجهها بلير لبراون إتهامات أخري خلال أحاديثهم الصحفية التي إمتلأت بها الصحف البريطانية ومنها أن بروان كان وراء الإنقلاب الذي وقع في حزب العمال والذي أرغم بلير علي الاستقالة من رئاسة الوزراءعندما ثار الأعضاء ضده وضد سياساته. وقد كشف بلير في مذكراته انه كان قد اختار ديفيد ميليباند وزير الخارجية ليخلفه في رئاسة الوزراء لكن المقربين من براون أوضحوا أن ضعف موقف بلير في استطلاعات الرأي العام وحملات الهجوم التي اشتدت ضد سياساته وخاصة دفعه للجيش البريطاني للاشتراك في حرب العراق أضعفت قدرته علي إقناع أعضاء الحزب بمن سيختاره خلفا له, فكان الفوز من نصيب براون الذي إستفاد من ضعف بلير وفاز برئاسة الحزب والوزراء. وفي مواجهة هذه الصورة السلبية التي رسمها بلير لبراون فإن مساعدي براون السابقين في الحكومة ومؤيديه قرروا ألا يظلوا صامتين وأن يردوا علي بلير بكل المعلومات التي تضعف من وجهات نظره تجاه براون وتجاه السياسة البريطانية في عهده, خاصة مسألة هزيمة حزب العمال في الانتخابات الأخيرة وقالوا أن القصة لها وجهان وليس وجه واحد. وإذا كان بلير قد عرض أحد الوجهين فإن لدينا ما سوف نعلنه. ومن جانبها ذكرت صحيفة التايمز البريطانية في افتتاحية حول مذكرات بلير' الرحلة' أنه إذا كان بلير يلقي باللوم علي براون بسبب السياسات المالية والعجز في الميزانية, فإنه يتحمل نفس المسئولية مع براون, والأهم من ذلك أن بلير هو الذي دفع بالبلاد إلي مغامرة الحرب في العراق والتي راح ضحيتها آلاف البريطانيين. وهذه السياسة الخاطئة هي التي جلبت عليه غضب أعضاء حزبه والرأي العام البريطاني وكانت من أسباب هزيمة الحزب في الإنتخابات الأخيرة. وأضافت الصحيفة أنه حتي الإنجازات التي حققها بلير اثناء توليه رئاسة الوزراء مثل السلام في أيرلندا والتدخل الإنساني في كسوفا وسيراليون وتحسين البنية التحتية في البلاد كل ذلك ضاع بسبب الخسارة الكبري للحرب في العراق والتي ورط فيها بلير بلاده بريطانيا.