الآن وبعد أن أكد رئيس الوزراء البريطاني بأنه سيترك منصبه العام المقبل، يتعين علي الأمريكيين أن يعتادوا علي احتمال أن تصبح العلاقات التي تربطهم بأقرب حلفائهم أقل حميمية. فطوال العشرة أعوام تقريباً التي قضاها بلير في منصب رئيس الوزراء،اعتادت أمريكا الاعتماد علي الدعم السياسي والعسكري البريطاني في كل أزمة دولية عملياً، من الحروب في كوسوفو وأفغانستان والعراق إلي الصراع علي النطاق العالمي ضد الإرهاب و الحركات الإسلامية المتشددة. اجتمع بلير والرئيس الأمريكي جورج بوش مرتين هذا الصيف وتعهد الأول بدعم بريطانيا التام للسياسات الأمريكية، أولاً في العراق ومن ثم في لبنان. والصورة التي برزت هنا هي قيام أكبر حليفين في الحرب العالمية الثانية بالذهاب إلي الحرب في مواجهة بحر من المشكلات بينما امتنع بقية الحلفاء عن ذلك. ولكن هذه الصورة التي تبعث علي الارتياح للتضامن الأنجلو ساكسوني علي وشك التحطم. عندما يذهب بلير، فإن سياسته الخارجية ستذهب أيضاً. وحتي قبل قدوم ذلك اليوم، فإنه سيخسر نفوذه السياسي مع اقتراب نهاية ولايته. وبالنسبة لإدارة بوش فإن أكثر الأمور إزعاجاً في مغادرة بلير هو السبب الرئيسي لها أي تنامي الغضب علي نطاق واسع في البلاد لدعمه الحرب علي العراق، والذي تعاظم أخيراً بسبب دعمه للموقف الأمريكي المؤيد لإسرائيل حول الحرب في لبنان. وفي استفتاء أُجري في منتصف أغسطس، قال أكثر من 8 من أصل 10 بريطانيين إنه يتعين علي بريطانيا أن تنأي بنفسها عن الولاياتالمتحدة في الحرب علي الإرهاب. كثير من الأعضاء الوقورين من النخبة البريطانية يستشيطون غضباً لأن بوش وبلير كما يتراءي لهم يحولان الشرق الأوسط إلي برميل بارود قاتل، معرضين حياتهما وحياة عائلتيهما للخطر. في الشئون العالمية، ولاسيما عبر الأطلسي، عمل بلير كعصابة مكونة من رجل واحد، بحيث كان يدير السياسة الخارجية البريطانية وفقاً لقناعات شخصية لا يشاركه فيها غالبية سكان بلده أو حزب العمال التابع له. وهو لم يقم بأي شيء من أجل ضمان استمرار هذه السياسات تحت قيادة خلفه، والذي يتوقع علي نطاق واسع أن يكون جوردون براون، وزير الخزانة البريطاني. خلال التعديل الوزاري الأخير الذي أجري في مايو كان بإمكان بلير تسمية وزير خارجية جديد يشاركه آراءه حول العالم، ويملك فرصة الاستمرار في منصبه تحت قيادة براون.وبدلاً من ذلك قام باختيار مارجريت بيكيت، التي كانت تشغل في حينه منصب وزيرة البيئة والغذاء والشئون الريفية، ولم تكن تريد المنصب ولا يترف شيئاً عن السياسية الخارجية. من الصعب تخيل بقاءها في مجلس الوزراء الجديد تحت قيادة براون. ليس لأن أحداً لا يعرف فعلاً ما الذي يفكر فيه براون فيما يخص السياسة الخارجية أو كيف سيتعامل مع العلاقات عبر الأطلسي. فهو شخصياً مؤيد لأمريكا، يقضي عطلاته في كيب كود، وبصفته وزيراً للمالية البريطاني، فإن إعجابه بالنجاح الاقتصادي الأمريكي قد زاد بينما قل احترامه لمنطقة اليورو ذات النمو الاقتصادي المنخفض. ولكن براون رجل متحفظ، وأكثر عقلانية وحذراً من بلير. فهو يفتقر إلي شخصية بلير الكاريزمية وقناعاته الراسخة حول الشئون الدولية. وسيجد صعوبة في نسخ الكيمياء الشخصية لبلير مع بوش ، ولأسباب سياسية داخلية، سيرغب في إيجاد مسافة بين لندنوواشنطن. وفي أعقاب مصير بلير، فإنه من المستبعد أن ينضم أي رئيس وزراء بريطاني إلي أمريكا في مغامرات عسكرية في المستقبل المنظور. إن براون لا يشارك بلير رغبته في إعادة صياغة العالم والتي ساعدت في توطيد علاقة بوش وبلير. منذ الحادي عشر من سبتمبر، وصل بوش وبلير عملياً إلي استنتاجات مماثلة بشأن الشرق الأوسط والحرب علي الإرهاب. فكلاهما يعتقدان بأن الأشخاص الكثيرين الذين ينتقدونهم لا يرون "الصورة الحقيقية"، وهي الدافع وراء قيام الإسلاميين المتشددين بخوض حرب مع الغرب علي كافة الجبهات، بما في ذلك إسرائيل، بهدف بسط سيطرة نسخة مشوهة من الإسلام بأوسع نطاق ممكن. وسواء كانا محقين أو مخطئين، فإن الزعيمين صادقان تماماً في تحليلهما، وهو ما يجعل المقولة بأن بلير هو "كلب بوش المدلل" غير منصفة. اشترك بلير في غزو العراق ليس لأن بوش طلب منه ذلك، بل لأنه كان يعتقد ولا يزال بأن الأمر كان صائباً. إن المراجعة الوشيكة للسياسة عبر الأطلسي في لندن لن تعني نهاية "العلاقة الخاصة" بين الدولتين، وهي حضارية أكثر منها سياسية. وإنما ستعني بأن واشنطن لن يكون بإمكانها الاعتماد عملياً علي الدعم البريطاني التلقائي في جهودها علي مستوي العالم، وهي ضربة قاصمة محتملة لمصداقيتها الدولية.