تناول الكاتب في حلقة الأمس أبعاد العلاقات الصينية الأمريكية وإلي أين ستمضي، هل إلي طريق المواجهة أم الاحتواء. واستعرض الكاتب خلفية تاريخية كيف تحولت الصين من دولة نامية متخلفة حتي خمسينيات القرن الماضي إلي قطب أخذ في التصاعد، ثم كيف تفتحت عيون العالم وبالذات الولاياتالمتحدة علي أهمية الصين التي أصبحت تطارد نفوذ الولاياتالمتحدة في آسيا مثلما طردت أمريكا القوي الأوروبية العظمي من أوروبا، كما تحولت الصين إلي بناء تحالفات في أمريكا اللاتينية الفناء الخلفي للولايات المتحدة، إذا كانت الصين بحسابات مؤكدة لا تقوي علي مواجهة الولاياتالمتحدة من خلال توازن الرعب النووي فإنها تعمد إلي إرهاب أمريكا بميزان الرعب النقدي وهذا ما حدا بوزير الخزانة الأمريكي لأن يعرب عن اقتناعه بأن الصين ملتزمة بالسماح لقوي السوق بتحديد قيمة عملتها "اليوان" لتكون أكثر مرونة وتكبح جماح الحماية في الولاياتالمتحدة. وكان العجز في الميزان التجاري بين الولاياتالمتحدة والصين قد قفز العام الماضي إلي 162 مليار دولار لمصلحة الصين بزيادة نسبتها نحو 31% عن العام السابق ويثير هذا العجز الضخم قلقا بالغا في أوساط السياسيين وصناع القرار في الولاياتالمتحدة. وقد أوجز البعض عمق الأزمة الأمريكية الصينية بالقول إنه لا يمكن إدارة تنافس اقتصادي مع الصين بأساليب عسكرية فالقادة يستطعيون السيطرة علي جيوشهم ولكنهم لا يستطيعون إصدار الأوامر للسوق العالمية. وقد وضح من اللقاء الصيني الأمريكي الأخير أن مشاكل العلاقات التجارية بين البلدين لم تتراوح كثيرا أماكنها وقد عبر بوش عن ذلك بدبلوماسية مكشوفة بقوله: "إنه لم يتم تحقيق تقدم كبير في موضوع العلاقات التجارية ولم نتفق علي كل شيء لكننا اتفقنا علي بحث خلافاتنا في إطار الصداقة والتعاون غير أنه في إطار الحديث عن التوازنات المالية بين القطبين لا يمكن إغفال مشهد النفط في حالة التنازع القائمة فهل يرسم النفط ملامح العلاقة بين واشنطنوبكين؟ هكذا يتساءل "ديفيد أي سنغار" من النيويورك تايمز الأمريكية ويجيب "يتصدر التنافس علي النفط أجندة الزيارة التي بدأها الرئيس الصيني "هوجنتاو" إلي البيت الأبيض ومعلوم أن الرئيس الأمريكي جورج بوش اعتبر في وقت سابق الإقبال الصيني المتزايد علي النفط سببا لارتفاع الأسعار محذرا بكين من مغبة السعي إلي الهيمنة علي الإمدادات العالمية للنفط. فماذا عن علاقة بكين بالنفط وتأثير هذه العلاقة علي قنوات الاتصال مع واشنطن؟ يلاحظ المرء أن النمو الاقتصادي الصيني المتسارع يجعل من الحاجة إلي النفط أمرا جوهريا ولهذا فإنها تمد أياديها اليوم كالاخطبوط في كل مكان يوجد فيه في أفريقيا أو أمريكا اللاتينية ففي العام 2004 وصل استهلاك الصين للنفط 6.5 مليون برميل نفط يوميا متجاوزا اليابان كثاني أكبر مستهلك للنفط في حين بقيت الولاياتالمتحدة المستهلك الأول إذ تحتاج إلي 20 مليون برميل نفط يوميا وقد تكشف تركيز الإدارة الأمريكية علي الإقبال الصيني علي النفط بشكل واضح عندما نشرت نسخة منفتحة من "استراتيجية الأمن القومي" في شهر فبراير المنصرم والتي وافق عليها الرئيس بوش واحتوت علي جزء ينتقد الصين وتقول الوثيقة: "إن قادة ذلك البلد "الصين" يقومون بتوسيع أنشطتهم التجارية ويتصرفون كما لو أنهم يمكنهم بطريقة ما إقفال امدادات الطاقة حول العالم والسعي إلي توجيه الأسواق بدلا من فتحها كما لو أنهم ينتهجون سياسة الميركانتيلية". والميركانتيلية مذهب كان سائدا بعد مرحلة الاقطاعية ويقوم علي الحفاظ علي مصالح الاقتصاد القومي عبر سن سياسة الحمائية والتجارة الخارجية والصادرات والشاهد أو الولاياتالمتحدة تجد نفسها عاجزة عن الدخول في مواجهة اقتصادية مع الصين من منطلقين الأول هو أن واشنطن تعيش أسوأ أيام أزماتها في ظل عجز في الموازنة يصل هذا العام لنحو 800 مليار دولار في الثاني هو أن بكين تحقق فوائض هائلة ونموا يقترب من 10% وأسواق جديدة تفتح لها وهذا ما يدعونا لتساؤل أعمق هو هل هذه الفوائض المالية تدفع كما يقول المؤرخ الأمريكي هوارد زين إلي بلورة فكرة الإمبراطورية بمعني هل ما حققته الصين من نجاحات يغريها بالدخول في إطار الصراع العسكري مع الولاياتالمتحدة حتي وإن لم تكن تسعي إليه؟ أم أن هناك قضايا خلافية بين الطرفين قد تدفع لذلك دفعا؟ واقع الحال أن الآراء قد اختلفت في قراءة هذا المشهد رغم الابتسامات المصطنعة التي علت وجهي بوش وجينتاو في لقائهما الأخير ذلك لأن رجلا بوزن زيجينو بريجنسكي يري أن قيادة الصين لا تميل إلي تحدي الولاياتالمتحدة عسكريا وأن تركيزها يبقي موجها للتنمية الاقتصادية والفوز بالقبول كقوة عظمي فالصين علي حد وصفه مشغولة وشبه مفتونة بمسارها الصاعد وعلي نطاق واسع تعتزم الصين إدامة نموها الاقتصادي ومن شأن سياسة خارجية تصادمية أن تعوق هذا النمو وتؤذي مئات ملايين الصينيين وتهدد سيطرة الحزب الشيوعي علي السلطة ويبدو أن قيادة الصين عاقلة وحذرة ومدركة ليس فقط لنهوض الصين بل أيضا لضعفها المستمر غير أن تحليلا أكثر شمولية يشير إلي أن الصين يمكن أن تدخل في مواجهة مع الولاياتالمتحدة من خلال طريقين الأول غير مباشر ويتعلق بعلاقاتها بأنظمة تعتبرها واشنطن مناوئة لها والبعض منها يقع في قائمة دول محور الشر، فالصين عقدت صفقات مع إيران قدرها 70 بليون دولار لتوريد نفط وغاز طبيعي إضافة إلي بناء صهاريج ومحطات للطاقة والصين مصدر أساسي لأسلحة حكومة برويز مشرف وشريكها في مشاريع التنمية التي تتضمن محطة طاقة نووية ومحطة كبيرة مثيرة للخلاف في جوادار والصين كذلك توفر ثلث طعام جارتها أي كوريا الشمالية التي معظم موردها يصلها من بكين وفي السودان تملك 40% علي بنية السودان النفطية وقد استخدمت حق النقض في الأممالمتحدة لمنع الضغط علي عمر البشير لوقف العنف في دارفور وكذلك فإن علاقات الصين ببورما وزيمبابوي وانجولا وفنزويلا كما أسلفنا كلها تصب في خانة أعداء أمريكا وهذا هو التهديد غير المباشر. أما الطريق الثاني للتهديد المباشر فهو استخدام الأسلحة الصينية النووية حال تعرض العمق الصيني لأي ضربة أمريكية حال نشوب أزمة عسكرية بسبب تايوان أو غيرها فقد نشرت صحيفة "اشيان وول ستريت جورنال" نقلا عن الجنرال الصيني "جوشينج هو" قوله إنه في حالة تحريك الأمريكيين صواريخهم وقذائفهم الموجهة وصوبوها نحو أهداف في الأراضي الصينية فإن الصين سترد بالأسلحة النووية مضيفا أنه إذا كان الأمريكيون مصممين علي التدخل حينئذ فإننا سنكون مصممين علي الرد كما أن الصين سيعدون أنفسهم لاحتمال تدمير جميع المدن الصينية شرق مدينة شيان التاريخية بوسط البلد وفي المقابل يجب علي الأمريكيين الاستعداد لتدمير الصين المئات من مدنهم. والمؤكد أن الصين كانت ولا تزال في مقدمة الأهداف التصادمية لقراءات المحافظين الجدد وعقبة في طريق القرن الأمريكي غير أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر قد أجلت هذه المواجهة ولو إلي حين بفعل تكثيف الجهود وتجييش الجيوش لمحاربة الإرهاب غير أن المواجهة مع الصين تبقي دائما علي البعد العسكري حاضرة لاسيما في ضوء مشاريع الصين لغزو الفضاء وهو ما يسبب اضطرابا لساكن البيت الأبيض فشل في إخفائه لدي لقائه الرئيس الصيني. وإذا كان الرئيس الأمريكي المقال ريتشارد نيكسون قد طرح فكرة الاحتواء الصيني لا سيما وأن مراكز الدراسات الأمريكية تثير مخاوف من أن القرن القادم ربما يصبح آسيويا وليس أمريكيا ففي هذا الإطار يجد المرء نفسه أمام تساؤل هل جاءت التحالفات الأمريكية الهندية واليابانية والاسترالية الأيام الماضية كخطوة تعقبها خطوات في الطريق لاحتواء التنين الصيني؟ المؤكد أن ذلك كذلك لكن ينبغي القول إن الولاياتالمتحدة لا تستطيع احتواء كاملا للصين بعيدا عن تقييم المحور الروسي الصيني الذي يحاول الحد من الهيمنة الأمريكية علي العالم في القرن الأخير وعليه تبقي كل الاحتمالات مفتوحة في المواجهة الأمريكية الصينية وهي مواجهة القرن الحالي والقادم دون شك.