فاجأنا الأستاذ عاطف الغمري بكتابه الجديد " القرن الاسيوي . الصين تغير ميزان القوي العالمية " ( دار نهضة مصر 2010 ) واقول فاجأنا لان الأستاذ الغمري معروف انه خبير بالشئون الامريكية والسياسة الخارجية الامريكية، ورغم هذا فموضوع كتابه الجديد ليس غريبا باعتبار ان ظاهرة الصعود الاسيوي، وفي الاغلب منها صعود الصين، هي الظاهرة والتطور الذي يشغل الولاياتالمتحدة ساسة، ومؤرخين، ومحللين، ويسيطر عليهم اساسا سؤالان : هل ستتعدي الصين، كما تتوقع مؤسسات وخبراء في شئون الصين، الولاياتالمتحدة اقتصاديا مع الحقبتين القادمتين ومن ثم هل يعني هذا ان الصين سوف تنافس الولاياتالمتحدة علي مكانة القوة الاعظم او علي الاقل تشاركها في هذه المكانة، واذا كان الامر كذلك فكيف تسلك الولاياتالمتحدة وكيف تتعامل مع هذا الاحتمال هل من خلال التعاون او الارتباط Engagement والذي تعمل من خلاله الولاياتالمتحدة علي جعل الصين شريكا مسئولا Responsible Stockholder يعمل من خلال النظام الدولي لا ان يتحداه ؟ ام من خلال الاحتواء والمواجهة كما تصرفت الولاياتالمتحدة مع الاتحاد السوفيتي خلال حقب الحرب الباردة ؟ كان اسلوب الادارات الامريكية المتعاقبة منذ ان اتضح ريتشارد نيكسون علي الصين وانهي القطيعة بين البلدين هو مزيج من التشكك تجاه الصين في نواياها وحكمها السلطوي , وبين ادراك امكانيات التعاون بين قضايا حيوية مثل الاقتصاد ( اصبحت الصين اكبر دائن للولايات المتحدة من خلال استثماراتها في اذونات الخزانة الامريكية ) ومكافحة الارهاب، والبيئة، والتعامل مع كوريا الشمالية وبرامجها النووية الخ . وكان كل رئيس امريكي افتتح عهده بالتركيز علي الجانب الاول ويري في الصين - وكما فعل جورج بوش الابن - منافسا استراتيجيا Strategic Competitor غير انه كان ينهي عهده وهو تبني جانب التعاون مع الصين ومحاولة جذبها للنظام الدولي . وباعتبار ان كتاب الاستاذ الغمري يجعل من الصين " القاعدة المركزية " للتحول الذي يحدث في آسيا من ثم يجعل " القرن الاسيوي " عنوانا لكتابه، فانه من المهم ان نتابع الجدل حول الرؤية الامريكية لامكانيات الصين وموقعها في القرن الواحد والعشرين، وكان اخر من اسهموا في هذا الجدل هو استاذ العلوم السياسية الامريكي جوزيف ناي في دراسته التي نشرها في العدد الاخير من مجلة " Foreign Affairs " الامريكية (عدد نوفمبر - ديسمبر 2010 ) وحملت عنوانا دالا علي هذا الجدل وهو " مستقبل القوة الامريكية " في معالجته كان لابد ان يتعرض للجدل حول الصين وحول امكانيات تجاوزها او تكون ندا للولايات المتحدة، في هذا الشأن اعتبر ان هذا سوف تتوقف الي حد كبير علي عدم اليقين Uncertainties حول مستقبل التغيير السياسي في الصين، وانه اذا لم يحدث غليان سياسي، فان حجم الصين والمعدل العالي للنمو الاقتصادي الصيني سوف يزيد حتما قوتها النسبية في مواجهة الولاياتالمتحدة وهو ما سوف يجعل الصين قريبة من الولاياتالمتحدة ولكن هذا لا يعني ان الصين سوف تتجاوز الولاياتالمتحدة كأقوي قوة، وحتي لو لم تعاني الصين من نكسات سياسية داخلية . ويعتبر جوزيف ناي ان تصوير القوة الصينية علي اساس النمو في الناتج الاجمالي الداخلي فقط هو تصوير ذو بعد واحد One dimensional وهو يتجاهل مزايا الولاياتالمتحدة في القوة العسكرية والقوة الناعمة Soft Power ، وكذلك عدم مزايا الصين في ميزان القوي الاسيوي . ويستوقف النظر ان تقييم جوزيف ناي لامكانيات الصين وقدراتها في مواجهة الولاياتالمتحدة انما يتفق مع تقييم ليس فقط خبراء ومحللين وانما كذلك مع الساسة الصين انفسهم، فهم لا يملون من تكرار ان الصين مازالت دولة نامية، ومع تأكيدهم للتقدم والنمو الاقتصادي الهائل الذي حققته الصين،الا انهم يذكرون بالفجوات والثغرات والتحديات التي مازالت الصين تواجهها مثل الفجوات في الدخول والثروة بين الاقاليم الصينية ومشكلات البيئة , والبطالة ومستوي دخل الفرد الذي مازال بعيدا بمراحل عن مثيله الامريكي بل وحتي عن دول نامية . اما علي المستوي الاسيوي الاوسع فانه رغم مستويات النمو التي انخفضت في بلدان مثل الهند واندونيسيا، وكوريا الجنوبية، وماليزيا فضلا عن اليابان، الا ان القارة مازال يواجهها تحديات داخلية تتمثل في الخلافات بين قوي رئيسية فيها مثل الصين، والهند واليابان مما جعل خبراء ومحللين يصفون العلاقة بين الصين والهند ويسمونها " المتنافسون " " The Rivals " فضلا عن الاخطار الكامنة التي تمثلها كوريا الشمالية وبرنامجها النووي من تهديدات للاستقرار في القارة وهي العلاقات التي تجعل دول القارة تخشي النفوذ والصعود الصيني، وتجعلها تتطلع الي الولاياتالمتحدة كشريك موازن للقوة والنفوذ الصيني، في نفس الوقت الذي تستخدم فيه الولاياتالمتحدة هذه المخاوف من الصين في نوع ما من احتواء الصين والحد من تأثيراها الاقليمية والعالمية. علي اية حال فاننا يجب ان ننظر الي كتاب الاستاذ عاطف الغمري كمساهمة فيما يجب ان نلتزم به : ساسة، ودبلوماسيين، وباحثين ومحللين من تتبع دقيق للتحول الجاري في النظام الدولي والذي ينتقل - وان كان ببطء - من نظام سيطرت عليه قوتان عظيمتان، الي نظام تحكمت فيه قوة واحدة . كما شاهدنا منذ التسيعنيات، الي نظام تتعدد فيه المراكز والاقطاب، وهو النظام الذي يجب، ليس فقط ان نرصد بزوغه وامكانياته، بل يجب ان نشارك في تشكيله ووضعه . كاتب المقال: سفير سابق