"حتي في الوقت الذي تقوم فيه الولاياتالمتحدة وروسيا بالتعاون من أجل حل الأزمات الدولية، ومطاردة الجماعات الإسلامية الجهادية، فإن موسكو تعمل علي سرقة الأسرار العسكرية والصناعية الأمريكية بنفس الدأب الذي كانت تقوم به بذلك إبان الحقبة السوفيتية"... هذا ما يقوله موظفو الاستخبارات الغربيون الحاليون والسابقون. ويقول الخبراء إن الجواسيس الروس يعملون في الوقت الراهن تحت تشكيلة متنوعة من "الأغطية" تفوق تلك التي كانت موجودة في الحقبة السوفييتية، كما أن روحهم المعنوية الآن وصلت إلي أفضل حالاتها منذ منتصف عقد الثمانينيات. فالخروج الكبير للمواطنين الروس إلي الدول المختلفة أوجد مجموعات من المهاجرين يمكن رشوة بعضها أو إغراؤها أو ابتزازها في مسألة تقديم المساعدة في جمع المعلومات. وتعليقاً علي هذا قال "مايكل آيه دونار" رئيس إدارة مكافحة الجاسوسية في مكتب التحقيقات الفيدرالي في مقابلة أجريت معه الشهر الماضي: "الهدف الروسي الذي نقوم بتعقبه ممثلاً في الجواسيس لا يزال موجوداً إلي حد كبير، فهؤلاء الجواسيس لا يزالون يقومون بعمل نفس الأشياء التي كانوا يقومون بها منذ سنوات ونحن نكافح من أجل التصدي لهم". الفارق بين الوضع الآن والوضع في الماضي هو أن لعبة الجاسوسية القديمة بين أمريكا وروسيا لم يعد ممكناً تحديدها بخطوط واضحة علي أنها لعبة الخير ضد الشر كما كان الحال عندما كان أعضاء المكتب السياسي السوفيتي يتجمعون كل عام أمام مقبرة لينين لإلقاء خطبهم عن المواجهة بين البلدين. فأمريكا وروسيا الآن ليستا متنافستين فقط وإنما شريكتان أيضاً في الجهود الرامية لحل الأزمات النووية في إيران وكوريا الشمالية، كما أنهما تتقاسمان المعلومات الاستخبارية المتعلقة بالمجموعات الإرهابية مثل "القاعدة". العملاء السريون الروس ينفقون الكثير من الوقت في جمع تفاصيل عما يقال في جلسات الثرثرة عن زعماء أمريكا السياسيين، في حين أن الكثير مما يجمعونه، ربما يكون متاحاً في الصحف والمجلات أو علي شبكة الإنترنت. ويقول "ديمتري سايمز" الباحث المتخصص في الشئون الروسية في "مركز نيكسون للسلام والحرية" في واشنطن:"أنت تثق فقط بالأشياء المصنفة (السرية) والأشياء التي قمت بسرقتها". ومما يذكر في هذا السياق أن حجم الجاسوسية الروسية في الولاياتالمتحدة قد انخفض بشكل حاد في أعقاب سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991، كما يقول المسئولون والخبراء، ولكنه سرعان ما عاد مرة أخري إلي سابق عهده بحلول عام 1994 تحت قيادة مدير الاستخبارات الخارجية آنذاك ورئيس الوزراء بعد ذلك "يفجيني بريماكوف". وبعد وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر أمر الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" بإجراء عملية "توسيع ضخم لجهود جمع المعلومات في أوروبا الغربية وشمال أمريكا" كما جاء في تقرير ل "جينز إنتيلجينس دايجست". ويقول المسئولون والخبراء إن جهود التجسس الروسية قد ازدادت زيادة كبيرة تحت حكم الرئيس بوتين الضابط السابق برتبة مقدم في جهاز الاستخبارات السوفيتي "كي. جي. بي". ويقول "جيمس كيسي" رئيس قسم "يورو آسيا" التابع لشعبة مكافحة الجاسوسية في مكتب التحقيقات الفيدرالي "إف. بي. آي": في عام 1989 و1990 وبعد أن سقط حائط برلين، كنا جميعاً نريد أن نوقد الشموع ونغني قائلين (تعالوا إلي هنا بجانبنا) ودعونا ننتظر ثمار السلام وهي تنهمر علينا، ولكن الأشياء لم تتغير بنفس القدر الذي كنا نتمناه في ذلك الحين". وفي الدوائر الاستخباراتية السوفيتية لم يعد يطلق علي الولاياتالمتحدة اسم "الخصم الرئيسي" كما كان الحال في الحقبة السوفييتية. هذا ما قاله "أوليج. دي. كالوجين" الجنرال السابق في "الكي.جي. بي" الذي عمل كجاسوس في نيويوركوواشنطن في أواخر الستينيات والسبعينيات ويضيف كالوجين: "بدلاً من ذلك أصبح يشار إلي أمريكا في تلك الدوائر علي أنها "الأولوية رقم1". الوصف يرن في الأذن بشكل أقل حدة عن وصف "الخصم الرئيسي"، ولكن المخابرات السوفيتية من ناحية عدد القوي البشرية ومستوي النشاط حدث لها عملية "استرجاع كامل" للمستويات والأعداد السابقة، كما يقول "كالوجين" الذي يؤكد أيضاً أنه قد حدث نوع من تكثيف الأنشطة التجسسية السوفيتية في الولاياتالمتحدة.