منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001, والربط الذي قادته الإدارة الأمريكية بين الاسلام والارهاب والذي وصل حد شن الحرب ضد أفغانستان والعراق, تتصاعد في الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية مشاعر الكراهية والعداء للإسلام والمسلمين. وبرغم أن هذه الدول تؤكد احترامها لحقوق الانسان والحريات العامة ومنها بالطبع حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية والتعبير عنها, فإن السياسة الفعلية تأتي بعيدة عن هذا بل ومنافية له في الكثير من الحالات. بداية بقانون حظر الحجاب في فرنسا عام2004, فالرسوم الدنماركية المسيئة للرسول( صلي الله عليه وسلم) في العام التالي ورفض رئيس وزراء الدنمارك آنذاك وأمين عام حلف شمال الأطلنطي حاليا الاعتذار بحجة احترام حرية التعبير والصحافة, ثم ما جاء في محاضرة بابا الفاتيكان عام2006, وأزمة المآذن في سويسرا, والحادثة الصادمة لمروة الشربيني في ألمانيا. ومؤخرا المظاهرات المنددة بمشروع بناء مركز ثقافي إسلامي بالقرب من موقع برجي التجارة في نيويورك, والتي يغذيها الحزب الجمهوري, ومنظمات يمينية وعنصرية. ولاشك أن تنامي مثل هذه السياسات والمواقف الإقصائية للمسلمين ينذر باستقطاب حاد بين العالم الاسلامي والغرب عامة, سيكون له تداعياته الخطيرة علي الجانبين. ففي ظل مايشهده العالم من كثافة التواصل المباشر وغير المباشر بين الأمم والشعوب, وتداخل المصالح, وتزايد التحديات والمخاطر التي تفرض علي كل دول العالم التعاون معا لمواجهتها, يصبح التعاون والتفاهم بين الجماعات المختلفة داخل كل دولة, وفيما بين الدول أمرا حتميا. في هذا السياق تبرز حكمة وإيجابية السياسة الروسية التي دشنها الرئيس الروسي السابق ورئيس الحكومة الحالي فلاديمير تجاه المسلمين داخل روسيا وخارجها. فقد رفض بوتين الربط بين الاسلام والارهاب, وأكد أن القضاء علي الارهاب لن يكون بالحرب ولكن بالتعاون الجاد بين أجهزة الاستخبارات واكتشاف مصادر تمويله وقطع دابرها. وأن الإرهاب تهديد عالمي يواجه المسلمين وغير المسلمين, ويجب أن تتضافر لمقاومته والقضاء عليه كل دول العالم. وقد استحدث الرئيس بوتين منصب ممثل الرئيس الخاص لشئون التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب الذي يشغله أناتولي سافونوف إيمانا بأهمية التعاون بين الدول وتضافر الجهود لمواجهة الارهاب. فمكافحة هذا الشر بفاعلية ونجاح تتطلب, من وجهة نظر القيادة الروسية, توحيد الجهود وتعلم التحدث بلغة واحدة والتخلي عن سياسة الكيل بمكيالين في تعريف الارهاب, كما أن مكافحة الإرهاب لابد وأن تأتي في إطار الشرعية الدولية, ويجب أن تقوم الأممالمتحدة بالدور الرئيسي في هذا الخصوص. وخلال زيارة بطريرك موسكو وسائر روسيا البطريرك كيريل لمصر في أبريل من العام الجاري قال نحن منذ زمن طويل شعرنا بضرورة الحوار مع العالم الإسلامي علي أعلي المستويات الدينية.. ولقد أردنا قبل ذلك أن نقيم ايضا علاقات مع جامعتكم( الأزهر الشريف) التي تعتبر أكبر مركز إسلامي في العالم وأضاف نحن في روسيا نعلق أهمية كبيرة علي السلام بين الأديان في العالم, ولدينا تجربة طويلة من الاتصالات والتعاون مع اخواننا المسلمين.. صاحب هذا الموقف الرسمي الاتجاه الي تحسين أوضاع المسلمين في روسيا, والبالغ عددهم20 مليون مسلم أي حوالي14% من اجمالي عدد سكان روسيا الاتحادية, وزيادة ادماجهم في المجتمع, فعقب الحقبة السوفيتية التي أغلقت فيها المساجد, وكذلك الكنائس والمعابد, وحرم المواطنون الروس من ممارسة الشعائر الدينية مسيحية كانت أو إسلامية, بدأت صحوة لإعادة ترميم المساجد التي يرجع تاريخ البعض منها إلي مئات السنين وإنشاء مساجد جديدة كان من ابرزها مسجد قلب الشيشان في العاصمة الشيشانية جروزني والذي افتتحه بوتين بنفسه ويعد أكبر مسجد في أوروبا, ليتجاوز عدد المساجد في روسيا خمسة آلاف مسجد, هذا الي جانب افتتاح العديد من المؤسسات التعليمية الإسلامية, ومن أبرزها جامعة قازان الإسلامية في عاصمة جمهورية تتارستان الروسية, والتي تم تأسيسها عام1998, ويمارس مسلمو روسيا كل الشعائر الدينية بحرية تامة داخل روسيا, كما ازداد عدد الحجاج الروس علي نحو ملحوظ حيث يتوجه حوالي25 ألف مسلم من روسيا الي المملكة العربية السعودية لتأدية فريضة الحج سنويا. وهذه السياسة ليست بجديدة علي روسيا, فقد قامت كاترينا الثانية عقب تربعها علي عرش روسيا عام1762, بإرساء دعائم التسامح الديني في البلاد, وقامت بزيارة. كانت الأولي من نوعها لمدينة قازان للاطلاع علي أحوال المسلمين هناك, وسمحت ببناء المساجد في قازان وغيرها من المناطق الروسية مثل جزيرة القرم والأورال وريزان وسيبيريا. كما قامت لأول مرة عام1787 بطبع القرآن الكريم باللغة العربية وتوزيعه علي المسلمين, إيمانا منها بأنه إذا حسن إيمان المسلمين سيخلصون لها الطاعة والعمل. من ناحية أخري, كانت روسيا حريصة علي إبراز هذا التقارب الديني والحضاري والتأكيد عليه من خلال طلب عضوية منظمة المؤتمر الاسلامي في أكتوبر2003, وقد حصلت روسيا بالفعل علي صفة مراقب في المنظمة عام2005, كما منحت روسيا في2007 صفة مراقب في المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم الإيسيسكو. إن سياسة الإقصاء والمواجهة أثبتت فشلها, ولا مستقبل للعلاقة بين الغرب والعالم الاسلامي إلا باحترام حقوق وحريات الأقليات المسلمة في الدول الغربية, ومد جسور الحوار والتفاهم علي أساس من الاحترام المتبادل والشراكة المتوازنة لما فيه الخير للطرفين والعالم أجمع.