هل يمكن أن يحدث هذا مع بداية القرن الحادي والعشرين وأين؟ في دولة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. إن ما أقدم عليه القس تيري جونز رئيس كنيسة مركز اليمامة للتواصل العالمي بولاية فلوريدا الأمريكية وتجرأه بالإعلان عن نيته حرق نسخ من المصحف الشريف يوم الحادي عشر من سبتمبر يعد بحق جريمة شنعاء ليس فقط في حق الولاياتالمتحدةالأمريكية حكومة وشعبا وإنما في حق المجتمع الدولي بل والإنسانية جمعاء. وبالرغم من الانتقادات الحادة التي وجهت إلي تصريحات جونز ونيته في حرق نسخ من القرآن الكريم من قبل العديد من الزعماء والمفكرين وفي مقدمتهم الرئيس الأمريكي أوباما والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وأمين عام الأممالمتحدة وبابا الفاتيكان وقائد القوات الأمريكية في أفغانستان إلا أن هذا الإنسان الأحمق والمتطرف أعلن إصراره علي القيام بما أعلنه برغم كل الضغوط التي يتعرض لها وخاصة من أبناء العالم الإسلامي الذين يتراوح عددهم نحو 1,5مليار نسمة في مختلف قارات العالم. إن ما أقدم عليه هذا القس اللعين يستحق ليس فقط مجرد الإدانة وإنما لابد من محاكمته جنائيا علي غرار محاكمات نيرنبرج التي نصبتها الولاياتالمتحدةالأمريكية آنذاك لمحاكمة قيادات وضباط الحكم النازي الذين قاموا باستحقار أبناء الديانة اليهودية وزجوا بهم في معسكرات الاعتقال النازية تمهيدا لحرقهم في المحارق التي أعدت لذلك وقيامهم بتضليل أبناء الشعب الألماني وتعبئتهم ضد اليهود الألمان. إن ما ينادي به هذا المواطن الأمريكي الأحمق الذي لا يحق أن يلقب بقسيس حتي لو كان لإحدي الكنائس النائية في ولاية فلوريدا بعد أن لفظه الفاتيكان ووجهت له انتقادات حادة من الجميع كما انتقدت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بشدة تصريحاته خلال مأدبة الإفطار التي أقامتها لعدد من القيادات الإسلامية في الولاياتالمتحدةالأمريكية ووصفته بأنه عمل مخز ومستفز لا يتفق مع تقاليد المجتمع الأمريكي. وطالبت القادة وصناع القرار بضرورة التصدي لهذا الإجراء الغاشم والمستفز واتخاذ كافة الإجراءات دون حدوثه لما سيكون له من آثار سيئة وخطيرة علي المجتمع الأمريكي.. كما حذر قائد القوات الأمريكية في أفغانستان من مغبة وخطورة توجهات جونز علي الجنود الأمريكان في الخارج وخاصة في أفغانستان. وعلي الإدارة الأمريكية وحلفائها الداعين للحرية والديمقراطية والمدافعين عن حقوق الإنسان أن يتخذوا إجراءات أكثر حسما وحزما من مجرد التنديد والاستنكار لتوجهات هذا المواطن الأمريكي الأحمق المتطرف والتي يمكن أن تؤدي إلي تصدع داخل المجتمع الأمريكي وتأجج صراع الحضارات والديانات. والحقيقة أن هذه الجريمة الشنعاء التي كان ينوي جونز القيام بها في ذكري الحادي عشر من سبتمبر بحرق الكتاب المقدس للمسلمين لا تقل خطورة عن قرار الرئيس الأمريكي السابق چورچ بوش بغزو العراق استنادا إلي معلومات استخباراتية كاذبة ومضللة وأشعل بذلك حربا ضروسا أتت علي الأخضر واليابس وراح ضحيتها عشرات الألوف من أبناء الشعب العراقي والجنود الأمريكيين وحلفائهم.. حرب انتقدها العالم كله حتي حلفاء الولاياتالمتحدة المقربون وانتهت بانسحاب القوات الأمريكية من العراق بعد سبع سنوات عجاف دمرت خلالها قدرات وإمكانيات وثروات العراق واضطر الرئيس أوباما أن يعلن الاعتذار عن قرار الحرب الخاطئ لسلفه والذي كلف بلاده الكثير ماديا ومعنويا وبشريا بل وأساء لسمعة الولاياتالمتحدة أمام العالم كله حلفاءها قبل أعدائها. ولا شك أن الولاياتالمتحدة ستحتاج إلي سنوات حتي تستعيد فيها ثقة الآخرين وخاصة شعوب العالم الإسلامي الذي تأثر كثيرا بغزو العراق. ولقد أكد جونز بما لا يدع مجالا للشك كذب الادعادات التي يروجون لها بأن الإرهاب مرتبط بالإسلام، وأثبت أن الإرهاب هو ظاهرة إنسانية تعاني منها جميع المجتمعات والأديان، ولابد لنا جميعا مسلمين ومسيحيين ويهودا ومنظمات دولية وجمعيات مجتمع مدني التصدي لها بكل قوة وحزم.. وقد أثبت جونز أن المشاعر الهدامة التي تسيطر عليه هي نفس المشاعر التي كانت تسيطر علي مجموعة المتطرفين منفذي عمليات الحادي عشر من سبتمبر. أن هذا الفعل الإجرامي المشين الذي يهدد بكل تأكيد السلام الاجتماعي والأمن القومي الأمريكي وكذلك سلامة القوات الأمريكية المنتشرة في أنحاء كثيرة من العالم يستوجب تعديل قانون العقوبات الأمريكي والدول الأخري لمحاكمة هذا الآثم في حق الإنسانية وإنزال العقاب الرادع عليه وعلي كل مسئول له نفس فكرة ازدراء الأديان بهذه الصورة الاستفزازية الشنعاء والتي أكدت للجميع أن الإرهاب والتطرف لا دين ولا وطن لهما وهي ما دعا الرئيس حسني مبارك إلي مناشدة الأممالمتحدة والمجتمع الدولي الإسراع في إصدار قانون مكافحة الإرهاب.