في الوقت الذي كانت تدافع فيه كوندوليزا رايس مستشارة الرئيس الامريكي للامن القومي باستماتة عن سياسات ادارة بوش في مكافحة الارهاب تسوق المبرر تلو الاخر لغزو العراق امام لجنة التحقيقات التي شكلها الكونجرس الامريكي لبحث الاسباب التي ادت الي كارثة الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، كانت شاشات التليفزيون التي تنقل شهادة رايس تبرز اخبارا مفجعة عن الاوضاع المتردية في العراق علي شريط الاخبار المتحرك اسفل الشاشة. وقالت رايس ان غزو العراق نجح في ازالة مصدر للعنف والخوف وعدم الاستقرار في واحدة من اخطر المناطق في العالم، ولكن مهما كانت المبررات التي ساقتها رايس، فإن شهادتها بصفة عامة تثير تساؤلات عديدة تتعلق بمصداقية ادارة بوش ومدي التزامها بقول الحقيقة. وبعد شهادة رايس ، وجد الرئيس بوش نفسه مرة اخري في وسط العاصفة، فإدارته ظلت متمسكة بثوابتها القديمة في ان "الدول المارقة" تشكل تهديدا اكبر من الارهاب، ولم تتغير هذه النظرة حتي بعد كارثة 11 سبتمبر، وحاولت بشتي الطرق ايجاد روابط بين نظام صدام حسين السابق وتنظيم القاعدة وباءت محاولاتها بالفشل مثلما فشلت في العثور علي اسلحة دمار شامل في العراق بعد الغزو. وأدي كل ذلك في النهاية الي زيادة مشاعر العداء والكراهية للولايات المتحدة داخل العراق وفي مختلف ارجاء العالم الاسلامي. واذا كانت رايس لم تضع هذا الامر في اعتبارها قبل غزو العراق فإنها يجب ان تفكر فيه في الوقت الحاضر. وقالت رايس امام الكونجرس ان قرار غزو العراق كان احد الخيارات بين خيارات اخري رئيسية "كانت ضرورية لتأمين سلامة بلادنا لعقود عديدة مقبلة"، وفي نفس الوقت كان شريط الاخبار علي شاشات التليفزيون يعرض نبأ الهجمات الجوية الامريكية التي قتلت العشرات من العراقيين وهم يستعدون للصلاة، فهل هذا يجعل الامريكيين يشعرون بالامان؟ وتلا ذلك خبر يتضمن تحذير وزير الدفاع الامريكي دونالد رامسفيلد من امكانية استخدام العنف في المدن العراقية المقدسة وخاصة مدينة النجف. وقال بوب كيري عضو لجنة التحقيقات والذي أيد الحرب علي العراق ان ما يحدث الان وتنقله شاشات التليفزيون "كجيش مسيحي يحارب دولة مسلمة" يساهم في دفع الكثيرين للانضمام الي صفوف الارهاب. وانتقدت رايس الادارة الامريكية السابقة وتجاهلها "لنقص مساحة الحرية في الشرق الاوسط" فهل ما يحدث الان في العراق يزيد من مساحة هذه الحرية؟ وهل التلويح باستخدام القوة الامريكية يجعل الحكومات اما ان تحب الولاياتالمتحدة او تخشاها بغض النظر عن مشاعر الشعوب؟ فزيادة مشاعر العداء والكراهية ضد الولاياتالمتحدة في ارجاء العالم الاسلامي يساهم في تغذية منابع وجذور الارهاب، هذا بالاضافة الي مشاعر الامريكيين المسلمين تجاه ما يحدث وهو الامر الذي تجاهلته رايس، ولكن شريط الاخبار لم يتجاهله عندما عرض تصريحا لرئيس شرطة سان انطونيو بتكساس يتهم فيه مسلمين غاضبين بإشعال عدة حرائق. وأكدت رايس علي ان الطريق ما زال طويلا في مسألة الحرب ضد الارهاب مهما تعددت الاستراتيجيات التي يمكن ان تستخدم في هذه الحرب، ولكن يبدو ان رايس او اي مسئول اخر في الادارة الامريكية لم يكن يتوقع مثل هذه الاحداث الجسيمة خلال العام الذي اعقب سقوط بغداد، بلا شك فإن ما يحدث في العراق يؤثر علي اماكن اخري عديدة في العالم، ويصعب من مهمة ادارة بوش في حربها ضد الارهاب. فالعراق هو نموذج مصغر "لحرب بوش" ضد الارهاب، وكل هذه الكراهية التي نتجت عنها داخل العالم الاسلامي ستكون سلاحا مميتا يمكن ان يستخدم ضد الولاياتالمتحدة بشكل قد لا يتوقعه بوش او منافسه الديمقراطي كيري في حالة فوزه، وعلي الفائز منهما ان يحاول انتهاج سياسة ايجابية بناءة لاحتواء مثل هذه الاخطار.