تعكس مطالبة ستة من الجنرالات الأمريكيين المتقاعدين علي الأقل، باستقالة دونالد رامسفيلد وزير الدفاع، مدي عمق وسعة التذمر داخل الجيش الأمريكي من قيادة البنتاجون، وسير الحرب علي العراق. وينتمي هؤلاء الجنرالات الستة إلي خلفيات مهنية عسكرية مميزة، بمن فيهم القائد السابق للقيادة الأمريكية المركزية، الجنرال أنتوني زيني، واللواء تشارلس إتش. سواناك، واللواء جون باتيست، وقد أدوا جميعهم مهمات قيادية في العراق، حتي عام 2004. وكانت لثورات غضبهم هذه، ردود فعل شعبية واسعة، سبقتها حملة معارضة قوية للحرب، كان في طليعتها النائب جون مورثا، وهو ديمقراطي محافظ من ولاية بنسلفانيا، وأحد أبرز المحاربين القدامي في حرب فيتنام. أما الانتقادات المحددة التي وجهها هؤلاء الجنرالات لحرب العراق الجارية الآن، فقد كشف عن الكثير منها، كتاب "كوبرا 2" الذي صدر حديثاً، من تأليف كل من: برنارد ترينور ومايكل جوردون، اللذين فصلا تفصيلاً دقيقاً، كافة الأخطاء المدنية والعسكرية التي صاحبت شن الحرب علي العراق. أما الدوافع الأخري التي أشعلت فتيل هذه الانتقادات، فمرد بعضها إلي تصريحات وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، التي أدلت بها أثناء زيارتها إلي بريطانيا في الأسبوع الأول من شهر أبريل الجاري. ويتلخص ما قالته رايس، في اعترافها الصريح بارتكاب بلادها لما أسمته "آلاف الأخطاء التكتيكية" في العراق، رغم تأكيدها لصحة القرار الاستراتيجي الذي اتخذ بشن الحرب. وفي هذا التصريح، ما يشير إلي تحميل الجيش مسئولية الأخطاء التكتيكية، لكون الجيش هو من يتخذ القرارات التكتيكية. وبذلك يكون قد نجا من دائرة اللوم، كل من الرئيس جورج بوش ووزير دفاعه دونالد رامسفيلد، ووزيرة خارجيته كوندوليزا رايس، طالما أصاب هؤلاء الثلاثة في قناعتهم بصحة القرار الاستراتيجي الذي اتخذ بشن الحرب. غير أن الجنرالات الستة وغيرهم من منتقدي إدارة بوش، يرون أن العكس هو الصحيح تماماً. ومن رأي هؤلاء، أن الجيش الأمريكي قد أبلي بلاءً حسناً، في كافة المستويات التكتيكية، وتحت أسوأ الأحوال والظروف، لا سيما في ظل نقص عدد القوات العسكرية علي الأرض، الذي بسببه عجزت أكبر قوة في العالم، عن استكمال احتلالها للعراق، وتأمين انتقاله إلي نظام الحكم المدني السلمي، في مرحلة ما بعد الغزو. ومع هذه المؤازرة من جانب بوش لوزير دفاعه رامسفيلد، فقد كانت متوقعة حملة الانتقادات العنيفة التي يشنها عليه الجنرالات. ومع أنه ليس في وسع بوش إقالة وزيره في الوقت الحالي، لأن في قرار كهذا، ما ينعكس سلباً عليه وعلي حربه التي شنها علي العراق، لكن وفيما لو هبطت الروح المعنوية داخل البنتاجون، بسبب تضاؤل الثقة في الوزير الحالي، فإن في ذلك ما يعود بالنفع علي البلاد وحربها علي العراق معاً، لأنه سيقتضي إحداث تغيير إداري داخل وزارة الدفاع. ومع ازدياد احتمالات العمل العسكري ضد طهران، فإنه سيصبح مستحيلاً علي الولاياتالمتحدة_ بكل ما أخذ علي رامسفيلد وأدائه في حرب العراق- أن تحوز علي تأييد الكونجرس لأي عمل عسكري ضد إيران، ناهيك عن تأييد حلفائها الأوروبيين والشرق أوسطيين. ثم إن لانتقادات هؤلاء الجنرالات الستة علي وجه الخصوص، ثقلها ومصداقيتها، احتكاماً إلي خبرتهم العسكرية الطويلة، ومعرفتهم الدقيقة بحقيقة الوضع العسكري الحالي في العراق. وقبل أن يغادر رامسفيلد منصبه الحالي، فلا بد من فترة كافية تمهد لذلك، رغم اعتقاد الكثيرين في واشنطن بأنه لن يظل في منصبه حتي اكتمال الدورة الثانية للرئيس بوش. وربما كان الوقت الأنسب لتنحيه هو عقب انتخابات الكونجرس، المقرر لها شهر نوفمبر المقبل 2006، خاصة في حال فوز الجمهوريين بها. أما لو خسر الجمهوريون هذه الانتخابات، فلن يكون رامسفيلد وحده، من عليه مغادرة منصبه. وعندها سيكون لا مناص من إحداث هزة كبيرة في الإدارة الحالية، إن كان لها أن تنجز ما يحسب لها، فيما تبقي لها من عاميها الأخيرين. "عن نيويورك تايمز"