تجري اليوم الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية وازداد معها موسم المزايدات الإسرائيلية. فالأحزاب الإسرائيلية الثلاثة الكبري (كاديما، والعمل، والليكود) تلتقي جميعها علي التنكر لجوهر حقوق الشعب الفلسطيني وإن اختلفت علي التفاصيل أو المسميات. فهي جميعا ترفض العودة إلي حدود عام 1967، وجميعا ترفض حق العودة للاجئين الفلسطينيين، كما ترفض الانسحاب من القدسالشرقية. وإذ يمارس "المجتمع الدولي" ضغوطا كبيرة علي حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، لإلقاء سلاحها والاعتراف بإسرائيل، ويهددها بقطع المساعدات وتجويع الشعب الفلسطيني إن هي لم تفعل ذلك، لا أحد يحاسب إسرائيل علي تجاهلها ل"خريطة الطريق" الدولية وعلي مشروعها الأحادي لترسيم الحدود بينها وبين ما تبقي من الأراضي الفلسطينية المحتلة. ويبدو للأسف أن إحدي أكبر الدول الراعية لخريطة الطريق، ونعني بها الولاياتالمتحدةالأمريكية، قد وافقت بصمت علي خطة إيهود أولمرت (القائم بأعمال رئيس الحكومة الإسرائيلية)، والقاضية بالانسحاب من المناطق المأهولة في الضفة الغربية مع ضم الكتل الاستعمارية/ "الاستيطانية" الضخمة التي تحيط بالقدسالمحتلة، ومناطق وادي الأردن المحاذية للأردن. بل إن الرئيس الأمريكي جورج بوش نفسه اعتبر الانسحاب الإسرائيلي من هذه الكتل غير واقعي. ووفقا لمصادر سياسية رفيعة، فإن أولمرت قبل أن يعلن عن مشروعه بالانسحاب أحادي الجانب من الضفة أطلع واشنطن علي تفاصيله حرصا منه علي "العلاقة المميزة" بين الجانبين ولتفادي اتهام إسرائيل بالتخلي علانية عن "خريطة الطريق". ويتلخص برنامج حزب "كاديما" (والمتوقع أن يفوز بالانتخابات القادمة، خصوصا بعد أن ارتفعت شعبيته بعد عملية أريحا وخطف المناضلين السجناء منه) في النقاط البارزة التالية: - "لشعب إسرائيل حق قومي وتاريخي علي أرض إسرائيل بكاملها". - "العمل علي ضمان وجود أغلبية يهودية في دولة إسرائيل". - ولضمان ذلك، قد يكون من الضروري قيام إسرائيل بتنفيذ انسحابات محددة من مناطق فلسطينية آهلة بالسكان وضم الكتل الاستعمارية/ "الاستيطانية". - "ضم وادي الأردن، وهي منطقة قليلة السكان تعتبر مهمة وحيوية لأمن إسرائيل". بدأ أولمرت بتنفيذ خطته حتي قبل الانتخابات، بل زاد الوضع تعقيدا عندما باشرت حكومته ببناء مشروع "استيطاني" كبير في منطقة "أ" يضم أكثر من (3500) وحدة سكنية، بين القدسالشرقية ومستعمرة "معاليه أدوميم". وحول القدسالشرقية، أوضح أولمرت أن الحرم القدسي والبلدة القديمة وجبل الزيتون ومناطق أخري في وسط وشرق المدينة ستبقي في أيدي إسرائيل. أما "آفي دختر"، الرئيس السابق لجهاز "الشاباك" والمرشح البارز في حزب "كاديما"، فقد قال إن الجيش الإسرائيلي "لن ينسحب من الضفة وإنما سنجلي عددا من المستوطنات فقط". وأضاف دختر: "إن فك الارتباط الثاني سيكون وفقا لنموذج فك الارتباط عن مستوطنات شمال الضفة الأربع والتي تم إخلاؤها الصيف الماضي وليس وفقا لفك الارتباط الذي نفذ في قطاع غزة". أما حزب "العمل"، وهو "أعرق" الأحزاب الإسرائيلية (حكم إسرائيل لمدة عشرين عاما متواصلة)، فقد عاني من أزمة عقائدية تمثلت في انحياز الشارع الإسرائيلي نحو اليمين بعد الانتفاضة الثانية ولم يكن للحزب أي دور يذكر في الحياة السياسية أثناء حكومة شارون، باستثناء دعمه لخطة الانفصال أحادية الجانب من قطاع غزة. ووفقاً لبرنامج الحزب فإن التسوية السياسية هي مصلحة قومية لدولة إسرائيل، مع تأكيده علي الصلة الوثيقة بين التسوية السياسية وبين النمو الاقتصادي والإصلاح الاجتماعي الإسرائيلي. وفيما يقال لنا، ستعمل حكومة إسرائيل برئاسة حزب "العمل" من أجل "استئناف المفاوضات السياسية التي ستجري في خضم نضال حاسم ضد العنف والإرهاب واستكمال بناء الجدار الأمني في غضون سنة والمحافظة علي تفوق إسرائيل. أما إذا سادت حالة من الجمود السياسي فستلجأ إسرائيل إلي اتخاذ خطوات مستقلة تضمن مصالحها الأمنية والسياسية". ووفقاً للخطوط العريضة لبرنامج الحزب فإن المفاوضات مع الفلسطينيين ستستند إلي المبادئ التالية: - "دولتان لشعبين يتم تعيين حدودهما في مفاوضات مباشرة بين الطرفين". - "ضم الكتل الاستيطانية الكبيرة في الضفة إلي دولة إسرائيل. أما المستوطنات المعزولة التي لا تقع ضمن كتل الاستيطان الكبيرة فسيتم إخلاؤها". - "القدس بكل أطيافها اليهودية ستكون العاصمة الأبدية لإسرائيل والأماكن المقدسة لإسرائيل ستبقي تحت السيطرة الإسرائيلية". لا يوجد هناك اختلاف جوهري بين برنامجي "العمل" و"الليكود"، اللهم سوي اعتراف حزب "العمل" بوجود شريك فلسطيني يتم التفاوض معه، أما حزب "كاديما" (المنبثق عن حزب "الليكود") فلا يعترف بوجود شريك فلسطيني وبالتالي فإن خطواته ستكون منفردة وأحادية الجانب. وقد سبق لإسرائيل أن كررت أكذوبة عدم وجود شريك فلسطيني مع المرحوم "أبو عمار" الذي اعترف بإسرائيل ولم يأخذ في المقابل الحد الأدني المتفق عليه، والآن تمارس إسرائيل الدور نفسه مع "حماس". ويبدو أن حظوظ نجاحها أعلي بفضل الموقف الغربي العام المعادي لأطروحات "حماس". ولقد أيد حزب "العمل" خطة حزب "كاديما" وإن اختلف معه علي تفاصيل التنفيذ. ورأي أقطاب العمل وجوب السعي إلي ترسيم الحدود بالتنسيق مع الرئيس محمود عباس أو منحه فرصة علي الأقل ليكون شريكاً. وقال زعيم الحزب عمير بيريتس: "إن الانسحاب الأحادي من الضفة يجب أن يكون المخرج الأخير. إن جميع الأحزاب الإسرائيلية متفقة علي عدم العودة إلي حدود يونيو 1967 ولكن يجب أن نحقق ذلك عبر التفاوض". يؤكد برنامج "الليكود" رفض الحزب "إقامة دولة عربية إلي الغرب من نهر الأردن". ويتحدث من جديد عن منح الفلسطينيين "حكما ذاتيا لا دولة ذات سيادة". ويضيف البرنامج: "نهر الأردن سيشكل الحدود الدائمة لدولة إسرائيل ويمكن أن تكون المملكة الأردنية الهاشمية شريكا في التسوية الدائمة بين إسرائيل والفلسطينيين في مجالات محددة يتم الاتفاق حولها". وبالنسبة لحق العودة للاجئين الفلسطينيين، يقول البرنامج: "علي العرب الكف عن محاولة التآمر علي وجود دولة إسرائيل بحجة غطاء شعار حق العودة، وهذا شرط ضروري للتسوية ولسلام حقيقي". أما بالنسبة لهضبة الجولان، فيؤكد البرنامج أن الكنيست الإسرائيلي شرّع في عام 1982 "قانون تطبيق القانون الإسرائيلي علي هضبة الجولان وستواصل الحكومة الإسرائيلية النشاط الاستيطاني فيها"! ختاما، هذه هي الخطوط العريضة المعلنة للبرامج الإسرائيلية الثلاثة. أما أية تعديلات عليها فمرهونة بمواقف الدول الكبري التي لا يبدو أنها في وارد الضغط علي إسرائيل لتحقيق تسوية تكون مقبولة فلسطينياً أو تحقق الحد الأدني من الحقوق المشروعة بحكم القانون والقرارات الدولية.