إن كان هناك ثمة أحد في العالم العربي ظل يراهن على الاختلافات بين الأحزاب الصهيونية، فلا بد أنه قد خاب أمله عندما استمع وشاهد الحملات الانتخابية لهذه الأحزاب. فقد وجهت الأحزاب الإسرائيلية الرئيسية رسالة قوية وحازمة للشعب الفلسطيني وللأمة العربية خلال حملتها الانتخابية، مفادها أن هناك إجماعا صهيونيا واسعا وعريضا على وجوب مواصلة الشعب الفلسطيني تجرع الآثار المترتبة لحربي العام 1967 و1948. فأحزاب "كاديما"، "الليكود"، و"العمل"، إلى جانب الأحزاب اليمينية المتطرفة بشقيها العلماني والديني، تطالب على الأقل بضم جميع الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية ومنطقة "غور الأردن"، وسلاسل الجبال الإستراتيجية ومصادر المياه للدولة العبرية في أي تسوية سياسية مستقبلية، أي أن هذه الأحزاب التي تسيطر على أكثر من 90% من مقاعد البرلمان الإسرائيلي، ترى أن احتفاظ الدولة العبرية بأكثر من 50% من مساحة الضفة الغربية، هو أمر لا جدال فيه، وأن أي طرف فلسطيني معني بالتفاوض مع دولة الاحتلال، عليه أن يأتي للتفاوض وهو يسلم بذلك الأمر. وبالإضافة إلى ذلك، فإن جميع الأحزاب وبدون استثناء ترفض حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وتعتبره وصفة لتدمير الدولة العبرية والقضاء عليها، وإن كان حزب الليكود والأحزاب اليمينية والدينية، يرى أنه يتوجب عدم السماح بقيام دولة فلسطينية، فإن الدولة الفلسطينية التي يوافق حزبا "كاديما" و"العمل" على قيامها ستكون مجرد "كانتونات" تفتقد أي تواصل جغرافي، منزوعة السلاح غير مخولة لصياغة سياسة خارجية خاصة بها. لكن اللافت للنظر أن الحملة الانتخابية التي عاشتها إسرائيل، قد شهدت دعوات صريحة لطرد الفلسطينيين من أرضهم، وقد صدرت هذه الدعوات عن حزب جدي وذو تأثير غير قليل وهو حزب "إسرائيل بيتنا"، الذي يقوده افيغدور ليبرمان، فقد حظي هذا الحزب بتعاطف جماهيري صهيوني كبير لدعوته للتخلص من فلسطينيي العام 1948 عبر طردهم للضفة الغربية بعد مبادلة الأراضي التي يعيشون عليها بالتجمعات الاستيطانية في الضفة الغربية. وقد أحست الأحزاب الإسرائيلية بنبض الشارع الصهيوني الذي يتجه بشكل جارف نحو مزيد من التطرف والعنصرية. ودل استطلاع للرأي العام على أن معظم الشباب اليهودي يعرفون أنفسهم على أنهم ذوو توجهات يمينية. لكن الشيء الأكثر دلالة في الحملة الانتخابية للأحزاب الإسرائيلية، هو أنها تنافست فيما بينها للتأكيد على سجلها في مجال قتل وقمع الفلسطينيين، على اعتبار أن ذلك مصدر لتعاظم الشعبية لدى الشارع الصهيوني. فقد انتفخت أوداج عمير بيرتس زعيم حزب العمل الإسرائيلي، وهو يقف مزهواً إلى جانب زميله في قيادة الحزب عامي ايالون القائد السابق لكل من جهاز المخابرات الداخلية "الشاباك"، وسلاح البحرية في جيش الاحتلال، عندما تباهى في دعاية انتخابية للحزب التي بثها التلفزيون الإسرائيلي، بأنه قتل بيده من الفلسطينيين أكثر مما قتلت حركة حماس من اليهود منذ انطلاقتها وحتى الآن. تصريحات أيالون الاستعراضية هذه كررها عدة مرات خلال الحملة الانتخابية للحزب، وذلك ليذكر جمهور الناخبين الإسرائيليين أنه حتى في مجال قتل الفلسطينيين، فإن أياً من الأحزاب الصهيونية الأخرى ليس بإمكانها المزايدة على حزب العمل وقادته. ما أقدم عليه أيالون هو نموذج مصغر لما ورد في الدعاية الانتخابية لبقية الأحزاب الصهيونية، فكل هذه الأحزاب حرصت على عرض سجل قادتها في قتل الفلسطينيين. فحزب "كاديما" تحدث بإسهاب عن دور كبار قادته في قتل الفلسطينيين، حيث تم الاسترسال في الإشادة بدور آفي ديختر الرئيس السابق في جهاز "الشاباك"، الذي يحتل المكان الرابع في قائمة الحزب الانتخابية في تنفيذ عمليات التصفية ضد قادة وعناصر حركات المقاومة، إلى جانب النساء والأطفال والمدنيين. وإلى جانب ديختر، يتباهى "كاديما" باحتوائه على عدد من أكابر المجرمين، مثل شاؤول موفاز، وجدعون عيزرا، وغيرهما. فكل حزب من هذه الأحزاب له "نجم" في مجال قتل العرب والفلسطينيين. فحزب "إسرائيل بيتنا" بقيادة العنصري افيغدور ليبرمان يتباهى بانضمام يسرائيل حسون، وهو نائب سابق لرئيس جهاز "الشاباك"، وأشار الحزب إلى دور حسون هذا في تنفيذ مئات العمليات الخاصة ضد الفلسطينيين والعرب والتي قتل فيها الكثيرون. أما حزب "الاتحاد الوطني" اليميني المتطرف، فيتباهى بوجود الجنرال ايفي ايتام الذي كان قائداً للواء المشاة "جفعاتي" خلال الانتفاضة الأولى، وأدين في محكمة عسكرية بتحطيم أطراف شابين من مخيم "البريج" للاجئين وسط قطاع غزة بالحجارة. الساسة الصهاينة خاطبوا غرائز ناخبيهم المتعطشين لدم الفلسطينيين، وهنا من الأهمية بمكان التذكير بالعبارة الشهيرة التي أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ايهود براك خلال حملته الانتخابية في العام 1999، عندما تحدث عن سجله في قتل الفلسطينيين واصفاً التفاصيل الدقيقة لعملية القتل، وما يحدث لضحاياه، حيث قال: "لقد كان بياض عيونهم يتطاير في الفضاء بفعل الرصاص الذي كان يخترق رؤوسهم!". إن الأحزاب الصهيونية من خلال الإشارة إلى هذه الجوانب من حياة قادتها، إنما تريد أن توصل رسالة واضحة للشعب الفلسطيني، مفادها أنه لا ينتظر هذا الشعب من إسرائيل إلا هذا النمط من السلوك والمعاملة. ومن المؤسف أنه في الوقت الذي تشهر فيه الأحزاب الصهيونية مخططاتها "التصفوية" تجاه الشعب الفلسطيني وقضيته، والتي لا يمكن معها التوصل لأي تسوية حتى بالشروط التي يقبل بها أكثر الفلسطينيين تهاوناً، يخرج علينا أبو مازن وأعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ليضعوا العصي في دواليب الحكومة الفلسطينية الجديدة بقيادة حركة حماس، عبر طرح مطالب تعجيزية مثل الاعتراف بدولة الاحتلال وإعلان الالتزام باتفاقيات السلطة الفلسطينية معها. فهل بعد أن أبدت الطبقة السياسية في إسرائيل مواقفها الصريحة، يحق لابو مازن ومن معه محاولة إفشال حكومة حماس وتثبيطها بزعم عدم احترام التزامات السلطة. المصدر : العصر