العمل علي إظهار المشهد العربي عامة والمصري خاصة علي أنه مشهد فوضي وضعف واختلاط أوراق وأنه علي وشك السقوط تلك المحاولات هي محاولات كاذبة لأصحابها أغراض لا تريد الخير لمصر إن ما حدث في العراق أخيراً من قبل تنظيم القاعدة بالاعتداء علي كنيسة سيدة النجاة وما نتج عنها من قتل وجرح العشرات هو عمل بربري همجي لا علاقة له بالإسلام من قريب أو بعيد ولا يختلف في شيء عما يرتكبه لتنظيم نفسه في حق المسلمين الآخرين بالعراق ولكن الجديد في الأمر هو ربط الاعتداء علي الكنيسة في العراق برسالة إلي البابا شنودة بابا الأقباط في مصر ومطالبته بفك الأسيرات المسلمات علي حد تعبير بيان التنظيم المزعوم. هذا الربط هو الجديد في حركة القاعدة وهو الأمر اللافت للنظر ولابد من التفكير فيه من خلال نظرية من المستفيد من الفعل الذي تم دون أن نتغافل عن طبيعة الصراع في المنطقة وأن نحاول قراءة كل الأحداث لنري في النهاية أن خيوط الأحداث متشابكة وتصب في نتيجة واحدة تشير لمصلحة طرف واحد. لا يمكن الفصل بين تأسيس القاعدة ونشأتها كتنظيم وبين حركة وتوجهات القوي العظمي التي تحاول تحقيق أهدافها الاستراتيجية عبر سياسات وبرامج معلنة وأخري غير معلنة ويقوم علي تنفيذ تلك السياسات أجهزة كبري وقوية يلعب بعضها في النور أمام الجمهور وبواسطة لاعبيه المعروفين، والبعض الآخر لا تراه يلعب ولكننا نري نتائج أفعاله علي الأرض وهنا نذكر أن بدايات ما اصطلح علي تسميته بالجهاد في أفغانستان لم يكن بعيداً عن الولاياتالمتحدةالأمريكية التي كانت تجتهد للتخلص من الاتحاد السوفيتي وقد حققت ذلك في النهاية بنجاح كما لا يمكن الفصل أيضاً بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل عبر حركة الطرفين من خلال التعاون الكامل عبر العالم كله جهاراً أو سراً وعليه فإن إسرائيل لم تكن بعيدة عن جماعات الجهاد تلك علي اختلاف مسمياتها ومكوناتها خلال التنسيق مع الأجهزة الأمريكية أو عبر الاهتمام الذاتي الإسرائيلي بكل ما يمكن أن يكون ذا تأثير علي أمن إسرائيل من قريب أو بعيد. مع سقوط الاتحاد السوفيتي وتغير مراكز اللاعبين واختلاف الأهداف بات القطب الأمريكي يبحث عن هدف آخر للالتفاف حوله وحشد كل قدراته لتحقيق نجاحاًمن خلال إنجاز الهدف الجديد فوضع نفسه خاصة من خلال اليمين الأمريكي المحافظ في مواجهة مع الإسلام السياسي وبات المجاهدون بالأمس خصوم اليوم ولكنه يظل علي مسافة قريبة من تلك الجماعات يراقبها ويواجهها ويشن عليها حرباً عسكرية مباشرة لكنك تراه موجهاً لبعض تصرفاتها حينما تأتي بأفعال غريبة لاقيمة لها إلا أن تكون سبباً في مزيد من الخراب وجلب العداء للإسلام. إن استهداف القاعدة لمناطق مثل العراق إنما يشير أولاً لاستخدام المناطق الجاهزة لإثارة الفتن وتحقيق التواجد علي الأرض كما أن حركة القاعدة لا تشير إلي مواجهة حقيقية مع الممثل الأمريكي في العراق قدر ما تقوم به من عمليات الفرض منها تأجيج الصراع بين السنة والشيعة وإثارة الفتنة بين العرب والأكراد وهو توجه لا يحمل معني المقاومة بقدر ما يحمل معني الحرص علي العراق ممزقاً وضعيفاً وغير قادر علي أداء أي دور حقيقي علي ساحة العرب كما كان يوماً. تمارس القاعدة دوراً منظماً في تخريب اليمن وفتح أبواب كل الجبهات عليه وكأنها تسعي لاتاحة الرخصة لقوي أجنبية لدخول اليمن بحجة استئصال القاعدة وتستغل القاعدة الظروف الخاصة باليمن الناتجة عن بعض الأوضاع الخاصة بالوحدة بين شطري اليمن والظروف الاقتصادية والاجتماعية السائدة التي توفر حفاظاً صالحاً لعمل القاعدة في اليمن وهي أعمال تؤدي ضمن ما تؤدي إلي إثارة الفوضي في البحر الأحمر وفي عدن وما حولها بما يجعل الأمن العربي عرضة لضغوط هو في غني عنها كل ذلك دون أن تؤدي القاعدة عملاً يمكن أن يحقق قائدة واحدة لليمن. إن الأعمال التي تقوم بها القاعدة في المملكة العربية السعودية لا يمكن فصلها عن مصالح البعض التي لا تود أن تري المملكة دولة قوية خالية من المشاكل حيث تشكل بالتعاون مع مصر وبالتنسيق مع الآخرين المهتمين بنفس التوجهات محوراً لابد من مشاركته في أي حل سياسي في المنطقة ويزداد هذا المحدد قوة كلما كانت سوريا جزءاً منه ولذا نلحظ أنه كلما بعدت سوريا عن هذا المحدد كلما تعطل الحل وكلما انشغلت المملكة بتصرفات القاعدة كان ذلك خصماً من دور عربي بارز لها ولابد أن كل ذلك يصب في خانة مصلحة إسرائيل. ولأن المملكة استطاعت التصدي لهذا التحدي وحققت نجاحات كثيرة في مقاومته واستئصاله كان لابد من التوجه صوب مصر ومحاولة جذب رمانة الميزان التي تتوقف محاولات إثارة الفوضي بها فتم الربط بين نشاط القاعدة وأوضاع المسيحيين في مصر من خلال استغلال ما أثير حول وفاء قسطنطين وكاميليا شحاتة واعتبارهما أسيرتين لدي الكنيسة والمطالبة بالإفراج عنهما في محاولة مفضوحة لإثارة الفتنة واستغلال عاطفة البعض وعدم إدراك البعض لحقيقة الأمر، وأيا كان موقف وفاء وكاميليا وأيا كان أين الصواب وأين الخطأ في الموقف منهما إلا أن الحفاظ علي الوحدة الوطنية بين أبناء الأمة يظل الأهم للمسلمين قبل المسيحيين وللمسيحيين قبل المسلمين، لا مصلحة لأي منهما منفرداً إن أتاح الفرصة للقادم من خارج الديار يبحث عن مصالحه يدق أسافين التخريب الهادفة لحرق الوحدة الوطنية من الأساس. وهكذا يبدو يسيراً ربط كل ما سبق بما صرح به مدير المخابرات الإسرائيلي السابق من قيامهم بأنشطة أحدثت اختراقات سياسية وأمنية واقتصادية في أكثر من موقع وإشارته لتصعيد التوتر الطائفي في مصر وأيا كانت حقيقة التصريحات وإن بدت بها مبالغة قد تكون مقصودة إلا أنها تؤكد قصد إسرائيل التعامل مع العالم العربي كعدو ومع مصر منه علي وجه الخصوص كرأس الحربة المطلوب التخلص منه ومن قدراته علي مواجهة البطش الصهيوني ومحاولته الدائمة للتوسع والسيطرة. أن محاولات زرع الفوضي بمصر ونشر روح اليأس والإحباط والضرب علي وتر إثارة الفتن الطائفية والعمل علي إظهار المشهد العربي عامة والمصري خاصة علي أنه مشهد فوضي وضعف واختلاط أوراق وأنه علي وشك السقوط تلك المحاولات هي محاولات كاذبة لأصحابها أغراض لا تريد الخير لمصر وهي ليست بعيدة عن المحاولات المتكررة التي أشرنا إليها والتي تدفع كلها لتحقيق مكاسب للعدو الذي يسعي ليحقق ما لم يستطع تحقيقه بالحرب ليحققه بالمؤامرات وصنع الحيل التي يرفع لواءها فئة قصيرة النظر سيئة النية لا مانع لديها من أن تستقل القطار الأمريكي أو الإسرائيلي أو أي قطار يدفع بها لواجهة الأحداث. إن الانتباه لذلك يقتضي جهوداً عظيمة لكل الأطراف المشتركة في الحياة السياسية المصرية من حكومة ومعارضة وطنية تبحث عن مصالح بلدها وتعاون في إقامة حياة أفضل للمصريين وهي تدرك حدود أمنها القومي في الداخل والخارج لا يلهيها عن مصلحة الوطن شعارات براقة يرفعها مجموعة من الناس لا تري أبعد من مواضع أقدامها وهي علي استعداد لفعل أي شيء مقابل أن تحقق لنفسها مكاسب ذاتية محدودة حتي لو كان ذلك علي حساب الوطن.