اذا ثبت مسئولية القاعدةعن جريمة الاعتداء علي كنيسة القديسين في الاسكندرية, وفق التوقعات الراجحة الان, سيكون هذا دليلا قويا ليس فقط علي انها تحولت من منظمة الي فكرة وحالة, ولكن ايضا علي انها لم تعد في حاجة الي تنظيم. فمادام في الامكان تنفيذ عملية بهذا الحجم بدون تنظيم بالشكل التقليدي المعروف, لاتبقي ضررة لهذا التنظيم في الوقت الذي تؤدي تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات الي تغيير وجه الحياة علي الارض. وقد تغيرت استراتيجية القاعدة في ضوء هذا التطور ونتيجة الحصار الشامل المفروض عليها. ويطلق علي استراتيجيتها الجديدةاستراتيجية الف ضربة والف جرح ولايحتاج العمل بهذه الاستراتيجية, التي تهدف الي التوسع في العمليات الصغيرة والمتوسطة عوضا عن الكبيرة, الي تنظيمات تتبع القاعدة بشكل مباشر او فروع لها. ومع ذلك لاتتوافر معرفة كافية عن خطة القاعدة تجاه مصر, وماإذا كان هذا التطور يغنيها عن السعي الي اقامة تنظيم او فرع لها فيها. فليست هناك معلومات موثقة او موثوقة عن مدي اهتمام قيادةالقاعدة بأن يكون لها وجود تنظيمي في مصر. ولكن المنطق يفيد وجود مثل هذا الاهتمام. بالرجل الثاني في القاعدة مصري( ايمن الظواهري) ودوره في تأسيسها, هو وتنظيمه السابق( الجهاد) مشهود. ولذلك فالمفترض منطقيا ان يسعي الي ايجاد تنظيم يتبع القاعدة او فرع لها في بلده, الا اذا كانت تجربته الفاشلة في تنظيم الجهاد اقنعته بأن الامر ليس سهلا. والمعلومات الشحيحة المتوافرة لاتفيد في تكوين اجابة شافية عن السؤآل عما اذا كانت القاعدة سعت فعلا الي وجود تنظيمي لها في مصر. لدينا معلومات عن القاء القبض علي عناصر ذات صلة مع القاعدة في الاسكندرية والجيزة عام2006, وفي بني سويف والقليوبية عام2007, و في القاهرة عام2009 حين تبين ان اعضاء مجموعة التكفير والجهاد التي هاجمت محل مجوهرات في حي الزيتون تواصلوا الكترونيا مع القاعدة اما قصة محاولة تأسيس فرع يتبعالقاعدة في مصر بقيادة خليل الحكايمة القيادي السابق في الجماعة الاسلامية فقد انتهت برمتها ودفنت مع الحكايمة الذي قتل في باكستان وليس في مصر عام.2008 واذا كانت عملية كنيسة القديسين نفذت في غياب تنظيم القاعدة في مصر, فثمة احتمالان رئيسيان بشأن نوع علاقتها به. فأما ان تكون علاقة منفذي العملية مع القاعدة عن بعد, اي علاقة الكترونية عبر فضاء الانترنت. واما ان تكون علاقة مباشرة بشكل ما او علي نحو ما. ولم يعد جديدا ان يتأثر شبان متطرفون او غاضبون او يائسون بخطاب القاعدة ونهجها, وان يجدوا فيه الهاما يوجه مواقفهم. ويعرف كل من يتابع المواقع الالكترونية القريبة من القاعدة كيف جري تصميم هذه المواقع بطريقة تهدف الي التأثير في الشباب وسلب عقول بعضهم. ولم يعد غريبا, والحال هكذا, ان يقتدي شبان بما يظنونها بطولات كبري عبر القيام بهجمات في اتجاهات يستقونها من متابعتهم خطابالقاعدة ومواقعها الالكترونية. وليس مستبعدا ان يكون مخططو عملية كنيسة القديسين ومنفذوها من هذا النوع. ولذلك فالسيناريو الاول هو ان يكون منفذو العملية, والذين يرجح ان عددهم لايقل عن ثلاثة وفق مايدل عليه المشهد في ميدان الجريمة. تأثروا بفكر القاعدة عن بعد وصاروا جزءآ من الحالة التي تصنعها عبر التواصل الالكتروني. ويوفر الانتماء العقلي والروحي الي القاعدة سلاحين يعتبران الاكثر اهمية في هذا المجال, وهما الايمان بأن قتل بشر ابرياء علي الهوية هو جهاد يثاب عليه, والارادة اللازمة للاقدام علي جريمة بهذا الحجم بخطي ثابتة ودم بارد. وعندما يوجد هذان السلاحان, يسهل توفير مستلزمات العملية. فلم يعد صعبا بأي حال تركيب عبوات ناسفة شديدة التفجير اعتمادا علي مواد بسيطة موجودة في كل مكان. ولايحتاج منفذو العملية الي دعم خارجي مباشر للحصول عليها او تجهيزها, ولذلك فالافتراض الذي ينطوي عليه هذا السيناريو هو ان المعتدين علي الكنيسة يمكنهم تنفيذ جريمتهم محليا دون حاجة الي دعم تسليحي او لوجستي. ولاينقصهم. في ظل هذا السيناريو. الا التدريب. فأذا استطاعوا تدريب انفسهم للقيام بعملية علي هذا المستوي من الاحتراف, يمكن ان يكون هذا السيناريو قويا وراجحا. غير ان حلقة التدريب التي تبدو ناقصة في هذا السيناريو هي التي تدفع الي تصور سيناريو ثان يقوم علي احتمال وجود مساندة خارجية في صورة ما, وخصوصا التدريب, عبر تواصل منفذي العملية مع بعض كوادر القاعدة تواصلا مباشرا وليس فقط الكترونيا. ويدفع مستوي الاحتراف في تنفيذ عملية الاعتداء علي كنيسة القديسين الي عدم استبعاد احتمال حصول منفذيها علي تدريب مباشر في مكان ماخارج مصر. ومازالتالقاعدة قادرة علي تقديم هذا التدريب, الذي كان يحدث في افغانستان قبل هجمات سبتمبر2001, في اماكن اخري وخصوصا في العراق. وقد كشف النقاب اخيرا عن ذهاب تيمور العبدلي, الذي حاول تنفيذ عملية ارهابية في السويد العام الماضي, الي العراق وتلقيه تدريبا في الموصل لمدة ثلاثة اشهر. ويثير هذا السيناريو السؤال عن المكان الذي يحتمل انهم توجهوا اليه للحصول علي هذا التدريب والاجابة الاولي, وربما التلقائية, هي انهم تلقوا التدريب في العراق مثلهم في ذلك مثل العبدلي. وتجد هذه الاجابة سندا يعتد به في خلفية الاعتداء علي الكنيسة, حيث كانت قاعدة العراق( قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين او دولة العراق الاسلامية) هي التي هددت اقباط مصر بالويل والثبور عندما اعتدت علي كنيسة سيدة النجاة في بغداد في نوفمبر الماضي ومازالت الحدود التركية, التي يرجح ان العبدلي دخل العراق عبرها وفق الرواية الاكثر رجحانا حتي الان, وكذلك الحدود السورية مدخلا ممكنا الي حيث تقيمالقاعدة مواقع تدريب امنة في هذا البلد. ولذلك مازال هذا الاحتمال هو الارجح في اطار السيناريو الثاني بالرغم من ان بعض المجموعات السلفية المتطرفة في قطاع غزة خلقت اساسا لوجود القاعدة في هذا القطاع تحت اسم قاعدة الجهاد في ارض الرباط فما زال وجودها هناك علي الحدود مع مصر هشا للغاية. غير ان التساؤل عن المكان الذي يحتمل ان يكون المعتدون علي كنيسة القديسين تلقوا تدريبا فيه يظل مرهونا بوزن السيناريو الخاص بحدوث اتصال مباشر مع القاعدة مقارنة بالسيناريو الاخر الذي يقتصر هذا الاتصال فيه علي الوسائط الالكترونية.