خيرالله خيرالله يكتب خصيصاً ل«روزاليوسف»: حرب حقيقية علي مصر لا شك أن الاحداث ذات الطابع الطائفي التي شهدتها مصر تثير الكثير من القلق، خصوصا انها تشكل محاولة واضحة لتعطيل الدور المصري علي الصعيد الإقليمي من جهة واستكمال عملية تفتيت العالم العربي من جهة اخري، مصر مستهدفة لا اكثر ولا اقلّ، مصر مستهدفة ليس بصفة كونها الدولة العربية الاكبر فحسب، بل لأن المطلوب الغاء مصر وإخراجها من المعادلة الشرق اوسطية والافريقية ايضا، تماما مثلما اخرج العراق من المعادلة العربية والخليجية وتحوّل الي مجرد تابع لا اكثر ولا اقلّ، لا تشكل حكومة فيه من دون موافقة ايرانية، او علي الأصح ّ من دون تفاهم ايراني- أمريكي. لا يمكن عزل ما تتعرض له مصر عما تعرّض له العراق، ولا يمكن عزل مصر عن لبنان وفلسطين، أيا يكن مصدر الإرهاب الذي يستهدف اقباط مصر، وهم جزء لا يتجزأ من الشعب المصري ومن نسيج مصر، لا يمكن في اي لحظة تجاهل أن الهدف واحد وحيد.. مطلوب ان تستسلم مصر.. كل حرب غزة الاخيرة كانت حربا علي مصر، كان مطلوبا ظهور مصر في مظهر المتواطئ مع العدو الاسرائيلي في الحرب التي شنتها الدولة العبرية علي "حماس" في غزة، كانت تلك الحرب المفتعلة تستهدف أمرا واحدا يتمثل في اظهار مصر في مظهر المشارك في الحرب الاسرائيلية علي القطاع، لم يكن مطلوبا اكثر من ذلك، من افتعل تلك الحرب عن طريق اطلاق الصواريخ في اتجاه اسرائيل مع علمه المسبق بقدرتها علي ممارسة ارهاب الدولة، انما اراد القول إن مصر تغلق معبر رفح في وجه الفلسطينيين في غزة وانها شريكة في الحصار، لم يكن ذلك صحيحا لسبب في غاية البساطة يتمثل في أن لا علاقة لمصر بفتح معبر رفح واغلاقه نظرا الي ان الاتفاق في شأن المعبر كان اتفاقا بين أربعة اطراف هي: الاتحاد الاوروبي، الذي جاء بمراقبين الي معبر رفح، والرئاسة الفلسطينية، ممثلة بحرس الرئاسة تحديدا، والولايات المتحدة واسرائيل. مصر كانت خارج الاتفاق، لماذا الزج بها، علما بانها دولة تحترم القوانين الدولية ولم تعد في حال حرب مع اسرائيل منذ توقيع معاهدة السلام في العام 1979؟ اخذ العرب علما بمعاهدة السلام.. قاطعوا مصر طويلا، ثم عادوا اليها زرافات ووحدانا بعد اكتشافهم ان لا غني لهم عنها. يفترض بهم الآن الدفاع عن مصر واتخاذ موقف موحد مما تتعرض له.. ما تتعرض له مصر يندرج في سياق ما يتعرض له العراق وما تعرض ولا يزال يتعرض له لبنان من ظلم. هل "القاعدة" وحدها وراء الهجمة علي مسيحيي العراق؟ هل "القاعدة" وراء محاولة تهميش المسيحيين في لبنان؟ الاكيد ان "القاعدة" ليست بعيدة عن كل ما يحصل.. ولكن من يستخدم "القاعدة" ويوظفها في مشاريع سياسية معينة لا هدف لها سوي تدمير كل ما هو عربي في الشرق الاوسط؟ هل "القاعدة" وراء حرب غزة الاخيرة التي استهدفت إحراج مصر؟ هل "القاعدة" وراء تهريب السلاح الي غزة عن طريق مصر؟ هل "القاعدة" وراء كل ما يجري في العراق؟ أين مسئولية اجهزة الامن العراقية في حماية كنيسة سيدة النجاة في بغداد.. ولماذا هوجمت الكنيسة بالطريقة التي هوجمت بها والتي سمحت للارهابيين بقتل كل هذا العدد الكبير من المصلين الذين كانوا في الكنيسة؟ هناك محاولة واضحة للربط بين الهجمات علي مسيحيي العراق ومصر، انها محاولة لا هدف لها سوي تبرير العملية البربرية التي استهدفت كنيسة القديسين في الاسكندرية مع بداية السنة الجديدة. تبدو الرسالة جلية.. الرسالة موجهة الي مصر قبل تسعة ايام من الاستفتاء السوداني، علي مصر ان تلتزم حدودها وألا يكون لها رأي في تقاسم مياه النيل.. عليها التخلي عن عروبتها وعن كل ما هو عربي في المنطقة وألا يكون لها اي دخل في ما يجري في السودان حتّي.. عليها المغامرة بمصير شعبه، عليها ان تكون اسيرة ردود الفعل وألا تتخذ اي مبادرة من اي نوع كان علي الصعيد الاقليمي، بما في ذلك إرسال وزير خارجيتها الي بغداد كما حصل قبل ايام، ارادت مصر عبر إرسال الوزير احمد ابو الغيط الي بغداد واربيل تأكيد الحضور المصري والعربي في العراق، في البصرة والمنطقة الكردية تحديدا، اضافة الي العاصمة في طبيعة الحال.. تبين ان ذلك ممنوع.. من يريد ان يتذكّر ان مصر ارسلت في الماضي سفيرا الي بغداد وان هذا السفير خطف وقتل في ظروف غامضة؟! كيف سترد مصر علي الاحداث الاخيرة؟ الأكيد ان علي الدولة أخذ المبادرة في محاربة التزمت، كان هناك تقصير في السنوات الاخيرة في مجال نشر ثقافة الانفتاح، وهذا جعل الاقباط يشعرون بنوع من الاضطهاد في احيان كثيرة.. لجأ بعض الاقباط الي المزيد من الانغلاق علي الذات بعدما شهد المجتمع المصري تحولات في غاية الخطورة نحو مزيد من التطرف في كل شيء بدءا باللباس وانتهاء بالخطاب الديني. تتحمل مؤسسات الدولة المصرية مسئولية التهاون مع الخطاب الديني المتزمت.. لا يمكن ترك الامور تفلت.. لا يمكن ترك بعض الجهلة من رجال الدين يؤثرون بفتاواهم المضحكة- المبكية علي فئات معينة من المجتمع، إن حال الانفلات تسهل تسلل الافكار المتطرفة الي المجتمع وتساعد في مدّ التنظيمات الإرهابية بالرجال المستعدين للانتحار من إجل دخول الجنة! هناك خارج مصر من يراقب ما يدور فيها عن كثب ويراقب خصوصا التحولات التي يشهدها المجتمع المصري الذي كان في الماضي القريب اكثر المجتمعات العربية انفتاحا علي كل ما هو حضاري في هذا العالم، كانت مصر الجهة الرائدة في التصدي للجهل والتزمت والافكار السوداء وثقافة الموت وفي نشر العلم والمعرفة والفنون، ها هي الآن تتأثر بالجهل والجهالة والجاهلية الآتية من داخل المنطقة العربية ومن خارجها. يفترض في القيادة المصرية استيعاب ان هناك، خارج مصر من هو علي استعداد لاستغلال اي ثغرة من اجل متابعة الحرب علي مصر، انها حرب حقيقية تصب في جعل العالم العربي ينهار نهائيا.. انها حرب تستخدم فيها كل انواع الاسلحة بما في ذلك سلاح المال وسلاح الدين وسلاح التخوين، ربما كان المجتمع المصري لا يزال قادرا علي المقاومة، لكن الاكيد ان ذلك لن يكون ممكنا من دون موقف حازم من السلطة يقطع الطريق علي المتاجرين بالدين ويسمي الاشياء بأسمائها من دون خوف أو وجل! كاتب لبناني
علي الرز يكتب ل"روزاليوسف" : كي لا نستكمل التفجير من نافل القول أن يردد المرء عبارات التنديد بمجزرة الإسكندرية. نعم، مجزرة بكل المقاييس لأنها لم تستهدف ضحايا بريئة فحسب بل قصفت بشكل مباشر ركائز أساسية للنظام العام في مصر، هي الوحدة الوطنية والحريات والديمقراطية والتعايش الحضاري بين مختلف مكونات المجتمع، إضافة إلي دمغها بصمة سوداء علي صفحة القيم الإنسانية النازفة منذ عقود وعقود. "نشجب"، "نستنكر"، "نندد"، "نحذر"... ردود طبيعية فورية فطرية، لكن ما بعد التفجير حمل مفارقات مؤلمة لا بد من التوقف عندها قليلا. لسنا هنا في وارد الكلام عن ردود الفعل العنيفة التي حصلت من غاضبين، فهذا أمر يحصل أكثر منه في قضايا أقل أهمية. عدد القتلي والجرحي بين مشجعي فريقين متنافسين عقب مباراة لكرة القدم في بريطانيا مثلا يتجاوز الاشتباكات بالأيادي والمناوشات بالسلاح الأبيض، كما أن مواجهات أهالي الضواحي الفرنسية مع قوات الأمن لا تقارن أبدا بالمواجهات التي جرت بين شبان غاضبين وبين قوات الأمن المصرية.. ولسنا في وارد الكلام عن البيانات الأمنية المتباينة، فحجم "الصاعقة" كان أكبر من القدرة علي السيطرة الفورية. ثم إن الاعتبارات الخاصة في هذا الإطار تحتم البحث في كل الفرضيات بل واستدراج معطيات جديدة من خلال رمي بالونات اختبار هنا أو هناك. ما نريد أن نتوقف عنده هو التبريرات والمواقف التي تلت المجزرة ولم ترق علي الإطلاق إلي حجمها. هناك من رأي فيها فرصة لتصفية حساب مع النظام بخروجه ليل نهار إلي الفضائيات والقول إن ما حصل نتيجة لسلوكيات النظام خصوصا إقدامه علي تزوير الانتخابات الأخيرة! وهناك من خانه "سر التوقيت" عن جهل أو عمد فأطلق للسانه العنان في الحديث عن التفرقة الطائفية التي يمارسها النظام وعن الظلم اللاحق بمجموعات طائفية أو جهوية بعينها. وهناك من "خان التوقيت وسره" ورأي في ما حصل مناسبة ليتقدم الصفوف مدافعا عن دينه، وليرد علي ما يعتبره حملة منظمة تشنها مجموعات دينية في الخارج ضد مصر والمسلمين. وهناك من حول دمعة الألم علي الضحايا إلي معركة تصريحات بين "خارج" يدعي حماية المسيحيين ويعتبر الداخل مميزا مفرقا، وبين "داخل" يعتبر الخارج متآمرا متدخِلا مؤججا. وحدهم المخططون للمجزرة يتابعون بفرح كل ما يجري، ويعتقدون أن هذه الآراء والتوجهات والسلوكيات تمهد لاستكمال التفجير مادامت أن البوصلة ضائعة وردود الفعل طائشة. لم يكن من فجر مسلما.. كان مجرما. وما جري إرهاب موجه ضد النظام العام للدولة والمجتمع في مصر. من هنا نبتدئ. لم تكن المجزرة ترجمة لسياسات الدولة بل ترجمة لمخطط يريد نسف الدولة بعدما نجحت (هذه الدولة تحديدا) في الانتصار علي الإرهاب في أكثر من موقعة. ولم تكن المجزرة نتيجة نتائج انتخابية معينة بل هي تصويت بالدم ضد الديمقراطية (علي مثالبها والأخطاء التي تشوبها) وضد الحريات العامة. ولم تكن المجزرة نتيجة شعور فئة أو فريق أو طائفة بالغبن بل هي قنبلة عنقودية تريد لشظاياها أن تمهد ملعب الانقسامات وتواكب بالدم فحيح الفتن المستمر سرا وعلانية. بعض الرؤية مطلوب. كان المواطن المصري العادي الذي شبك يده بيد شريكه في الوطن وسارا في تظاهرات عفوية لتأكيد الوحدة ونبذ الانقسام أكثر وعيا للأسف الشديد من سياسيين وكتاب ومثقفين لم يخرجهم حجم المجزرة من غرفهم الضيقة إلي المدار الأرحب. هذا المواطن كان "الأشطر" في فك شيفرة "التوقيت وسره"، وهو الأقدر بالتأكيد علي تثبيت "الدخول الآمن" إلي أم الدنيا.. وإقفال الأبواب والنوافذ أمام الرياح السوداء والصفراء. كاتب لبناني نائب رئيس تحرير الراي الكويتية
الكاتبة الجزائرية د. أمينة بواشري تكتب ل "روزاليوسف" : ليس هناك ما هو أسوأ من الإرهاب وترويع الناس... والأفضل هو التعايش بين البشر من فرط ما آلمني نتيجة ما حصل في الإسكندرية مع بداية السنة الميلادية الجديدة 2011 من قتل لأبرياء مسيحيين، أبيت إلا أن أقول هذه الكلمة وأنا التي عشت في هذه المدينة الجميلة لفترة كافية جعلتني أعرفها جسدا وروحا.. الإسكندرية هذه المدينة التي يعشقها كل إنسان ذهب إليها وتمتع بجوها وجمال الطبيعة بها، فهي جوهرة تطل علي البحر الأبيض المتوسط.. وجمالها أستحضره كل يوم لأنه يشبه جمال بلدي "الجزائر"، فإذا ذهبت إلي العاصمة "الجزائر" وجدت الإسكندرية، وإذا ذهبت إلي عاصمة الغرب الجزائري "وهران" وجدت الإسكندرية، وإذا ذهبت إلي عاصمة الشرق الجزائري "عنابة" وجدت الإسكندرية.. فأنا لا أبالغ ولكنها الحقيقة وهذا رأي كل جزائري وغير جزائري ذهب اليها أو عاش بها لفترة من الزمن... أشياء جميلة في هذه الحياة تتكرر معنا في الزمان والمكان ولكن لا نشعر بها في غالب الأحيان. والذي لا آمله ولا نأمله كلنا ولا نرجوه وندعو الخالق سبحانه وتعالي ألا يكرره علي أي بلد هو ذاك البطش الإنساني (الحيواني) الأعمي الذي يحول الحياة إلي خوف واضطراب؛ إنه: "الإرهاب". ويكفي ما تحمله هذه الكلمة في طياتها من ألم ومن أشياء كثيرة لا يحبها الله تعالي لعباده. فكيف بالبشر يجسدونها علي أرض الواقع؟ ويقابل هذا "النفور بين الناس" الذي يسببه الإرهاب معني أسمي وأرقي نلخصه في قول الله تعالي: (يا أَيهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَي وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) لنلاحظ أن الله عز وجل لم يحدد إذا كان هؤلاء الشعوب والقبائل من ديانة معينة أو واحدة وإنما هناك إشارة إلي كل البشر فوق الأرض ممن يبغون الإصلاح والخير والتعايش. كما أن لنا في محمد رسول الله - صلي الله عليه وسلم - الأسوة الحسنة عندما كان يزور جاره اليهودي وهو مريض فما بالك بالمسيحي. إن التعايش الحضاري ليس مجرد شعار وليست مجرد عبارة جميلة نعطيها اهتماما في ندواتنا وملتقياتنا ومؤتمراتنا ومحاضراتنا وننسي أن المهم في كل هذا وذاك هو أن يصل معني هذه العبارة إلي قلوب كل البشر بمختلف أجناسهم وألوانهم ومللهم فتستوعبها وإلي النفوس فتتأملها وإلي العقول فتفهمها وتدركها وتحللها ليعيش بها الناس مع بعضهم البعض في أمن وسلام .. لقد علمتنا الرسالات السماوية كيف نتعايش وكيف نتجاور وكيف نحيا مع بعضنا البعض، فماذا نُسمي إذا ما حدث وما يحدث من شرخ ومن همجية ومن بطش ومن تفكير أعمي في حق أناس أبرياء. نعم، قد يتخذ له الأمر أكثر من احتمال فيما حدث، ولكن الأهم هو أن نستوعب الدروس الناتجة عما يحدث ومهما كانت الأسباب في ذلك؛ حيث علينا أن نعي أن الإنسان هو أغلي موجود علي هذه الأرض.. فكل الموجودات الأخري تُعوض ويأتي مثلها الكثير، ولكن الإنسان لا يعوض.. ولا بد من احترام النفس والعقل والروح التي أودعها الله في البشر.. أفلا نعلم بأن الروح البشرية هي من روح الله؟ ألا نعلم أننا نحن البشر كلنا نحمل نفس الروح الطاهرة التي نفخها الله تعالي في جسم ادم عليه السلام فأصبح له معني وهدف وتحرك بفضل ذلك، ثم انتشرت هذه الروح في كل البشر؟ إن الأديان السماوية كلها نزلت تهدف إلي الإصلاح والخير والسلام والتعايش ومن يقوم بغير هذا فلا ملة له ولا دين... نعم يكفي أن نحلل هذه المسألة بالعقل ونشعر بها ونعيها جيدا وندرك معناها... سنجد أننا بشر خلقنا المولي تعالي لغاية وهدف أسمي وبين لنا طريق الخير وطريق الشر وأعطانا الآليات المناسبة كي نتحدي بها مصاعب الحياة ومشاقها وأهم هذه الأليات تلك التي تلازمنا دائما: العقل والقلب.. ولنتأمل كم من آية قرآنية جاء بها القرآن الكريم تحث علي استعمال العقل وتذكر دائما بأنه لا يستوي الذي يعقل والذي لا يعقل. إن الحديث ذي شجون ولا يسعني في هذا المقال والمقام إلا أن أسأل الله أن يهدينا وينجينا ويبعد عنا الاختلاف المذموم ويجعلنا أمة واحدة تحيا بالسلام والحب والمودة... كما لا يسعني إلا أن أتقدم ونيابة عن كل جزائري محب لمصر بأصدق التعازي وأخلص المواساة لمن راح ذويهم ضحية بطش وإرهاب أعمي قد يكون له غرض لقيام فتنة بين أبناء البلد الواحد كما يحصل في كثير من البلدان - للأسف. وندعو الله أن يحفظنا جميعا ويحفظ بلداننا من الذين يكيدون ويدبرون المكائد، فاللهم إنا نجعلك في نحورهم وندعوك أن تنجينا من شرورهم آمين آمين.
تركي الدخيل لا تفجروا الكنائس أخطر ما يجري في منطقتنا اليوم ظاهرة "تفجير الكنائس"! المسيحيون شكلوا جزءاً أساسياً من تاريخ المنطقة، ولهم إسهامات كبيرة في الحفاظ علي اللغة العربية وفي المشاركة في التنمية. وإن اختلفنا معهم في الدين فإن الاختلاف في الدين ليس مبرراً للقتل. كان النبي صلي الله عليه وسلم يتعايش ويتعامل مع المختلفين ديناً، وفي الصحيح أنه مات ودرعه مرهونة عند يهودي. فاختلاف الدين لا يبرر الاعتداء علي كرامة الإنسان أو انتهاك حقوقه وخاصة حقه في الحياة. رأيتُ التسامح والتعايش بين المسيحيين والمسلمين وقرأتُ عنه في مصر والعراق ولبنان والسودان، واليوم تعود الثنائيات الخطيرة: "سنة، شيعة" و"مسلمين، مسيحيين"، لتطل برأسها الكريه، وكأنما خلق الله الناس علي ملة واحدة أو صنف واحد! تفجير كنيسة في العراق ثم كنيسة في الإسكندرية، ضحايا تطايرت أشلاؤهم بكل وحشية ودموية. لم يتمالك المذيع محمود سعد علي القناة المصرية نفسه من البكاء، ومعه الحق، من رأي الصور التي عرضت علي القنوات سيصاب بخيبة أمل كبيرة لا يمكن أن تتدارك إلا بإطالة الصبر والعمل. عشر سنوات من مكافحة الإرهاب العالمي ومحاصرة تنظيم القاعدة لكن ينفذ الشر بقوة ويضرب ضربات موجعة بين الفينة والأخري. ومن أصعب الأشياء علي الأمن أن تحاول حصار "الانتحاري" فهو أصلاً ميت، ولا يريد أن ينجو بنفسه حتي تلحق به وتقطع دابره. محبتي لمصر والشعب المصري لا يحدها حد، لهذا حاولت أن أطلع علي ردود الفعل بعد ذلك الحدث الأليم، وجدت تعابير شعرية من المواطنين المصريين العاديين، منهم من يقترح أن يصلي المسلمون مع المسيحيين في الكنائس لفترة حتي يزول الخطر أو يخف، ويا ليت المصريون يعودون إلي مشاهد التعايش التي ضمها فيلم: "حسن ومرقص"، والذي يحكي عن أزمة العلاقة بين المسلمين والأقباط في مصر. أحد المواطنين المصريين قال: "كلنا أقباط، لكن هناك أقباطاً مسلمين وأقباطا مسيحيين". الداعية المصري: خالد الجندي طالب بخطاب متسامح، وربط بين الإرهاب والخطاب الديني المتطرف، وأتفق معه في هذا الطرح، لكن أحب أن أذكره بأن المشاركين في التأزم كل المتطرفين في الديانتين، وأتمني منه هو ومن كل الدعاة رسم لغة جديدة للتعايش بين المسلمين أنفسهم أولاً ثم بين المسلمين مع المسيحيين ثانياً. ليست صدفة أن تشتكي الحكومات في لبنان والعراق من تزايد "هجرة المسيحيين"، فلنطرح التعايش عملاً كما طرحناه كلاماً وقولاً! كاتب سعودي نقلاً عن جريدة الوطن السعودية
غسان شربل محاولة لاغتيال مصر تلقي العربي بالخوف والذعر أنباء العملية الإرهابية التي استهدفت الكنيسة القبطية في الإسكندرية. رأي فيها ما هو أخطر من مجزرة عابرة. أدرجها في باب مقدمات الظلام الدامس الذي يحدق بمجتمعاتنا ودولنا. كان من الصعب عليه أن يفصل الجريمة الجديدة عن جرائم سبقتها وتصب في السياق نفسه. برنامج اغتيالات واسع يستهدف فكرة التعايش نفسها. يستهدف العروبة القادرة علي احتضان كل مكونات المجتمعات العربية علي رغم اختلافاتها الدينية أو المذهبية. يستهدف أيضاً سماحة الإسلام الذي حض علي توفير الأمان لمن يعيشون في كنفه. ومن حق العربي أن يصاب بالذعر. تكفي متابعة الأخبار وما تنقله عن فرار المسيحيين العراقيين من بلدهم علي الرغم من أن جذورهم تمتد في عمق تاريخه. وللأسف فإن برنامج إفراغ العراق من مسيحييه سجل نجاحاً لا يمكن إنكاره. وهذا النجاح بالغ الخطورة علي العراق والعرب لأنه يقدم دليلاً ملموساً علي تعذر التعايش. وهذا ينذر بجولات جديدة علي ارض العراق خصوصاً مع استمرار دعاة الفتنة في التحرك لإيقاظ جمرها كلما خبتت نارها. والأكيد أن العدو الإسرائيلي هو المستفيد الأول من إعلان فشل تجربة التعايش بين العرب أنفسهم. ومن حق العربي أن يصاب بالذعر. فقبل انتقال برنامج الاغتيالات إلي الإسكندرية شهدنا تصدع الوحدة الوطنية في اليمن. وشهدنا يقظة خطوط تماس مذهبية في أكثر من دولة في المنطقة. وشهدنا انتكاسة غير مسبوقة في العلاقات السنية -الشيعية في لبنان الذي كان يقدم نفسه سابقاً نموذجاً عربياً للتعايش بين الأديان والمذاهب. في ظل هذه اللوحة القاتمة جاءت مجزرة الإسكندرية. وهي مختلفة بوسائلها ورسائلها عن المتاعب شبه العادية للتعايش والتي تسجل بين وقت وآخر احتكاكات بين مسلمين وأقباط علي ارض مصر. يضاعف من خطورة الحادث الالتفات إلي التهديدات التي وفدت من القاعدة في العراق وتناولت أقباط مصر ودور عبادتهم. يضاعف أيضاً من الخطورة أن المجزرة جاءت قبل أيام من الاستفتاء الذي سيشهده جنوب السودان ويرجح أن يسفر عن قرار بالطلاق مع الشمال. وسيكون إشهار الطلاق في السودان اعترافاً صارخاً بفشل تجربة التعايش هناك. ولا حاجة للتذكير بخصوصية العلاقة المصرية -السودانية ومعني قيام دولة مستقلة في جنوب السودان سواء بالنسبة إلي التعايش أو مياه النيل. يضاعف أيضاً من الخطورة بيان جاء من القاعدة في غزة أمس وفيه: «نوجه رسالتنا في هذا البيان إلي الصليبيين بعامة وإلي من هم في غزة بخاصة بأنهم خرجوا من عقد الذمة مع المسلمين». وندد البيان بإصدار محكمة في غزة حكماً بالإعدام علي مواطن مسلم قتل مواطناً مسيحياً. إن منطق التعامل مع جزء من المواطنين كأنهم رهائن أو امتداد للخارج بسبب انتمائهم الديني خطر إذا مورس علي ارض فلسطين أو علي أي ارض عربية. لا مبالغة في القول إن المجزرة التي استهدفت المصلين الأقباط في الإسكندرية استهدفت أيضاً كل مسلم في مصر. فالجريمة ليست اقل من محاولة لاغتيال مصر باغتيال وحدتها الوطنية والتعددية الدينية فيها. ولا مبالغة في القول إن أي نجاح لمحاولة الاغتيال هذه يقصم ظهر الأمة ويدفعها سريعاً إلي أنفاق الظلام الدامس. فمصر هي مصر لا يستقيم حال الأمة إن كانت مريضة أو غرقت في بحر التنابذ والكراهية والطلاق بين مكوناتها. إن محاولة إشعال خطوط تماس بين مكونات الشعب المصري هي استمرار لمحاولة إشعال خطوط التماس في كل الجسد العربي بين الأديان والمذاهب. تحتاج مواجهة هذا البرنامج إلي ما هو اكثر من المواجهة الأمنية. تحتاج إلي جرأة في المواجهة الفكرية والثقافية وإلي بحث جدي في شروط حماية الاستقرار وما يستلزمه في التنمية والسياسة. تحتاج إلي تعاون حقيقي شامل بين الدول العربية لأن الخطر يحدق بالجميع ولأن العاصفة السوداء لن ترحم أحداً إذا نجحت في اغتيال مصر. كاتب لبناني نقلاً عن جريدة الحياة
طارق الحميد النصاري لا أحبذ الدخول في نقاش مع القراء، ليس انتقاصا، وإنما من باب إفساح المجال لوجهات النظر، وحفظ حق القارئ في أن يعبر عن رأيه، إلا أن رسالة وردت من قارئ استوقفتني كثيرًا، حيث أرسل معلقا علي مقال الأمس إلي المصريين: قفوا وقفة صدق قائلا: لي أيضا وقفات مع هذا المقال وكاتبه صاحب النظرة من الاتجاه الواحد. يقول القارئ، بملخص رسالته، لماذا تتحدث عن العملية الإرهابية ولا تتحدث عن مسبباتها، لا أريد أن أبرر هذا العمل الإرهابي، ولكن ألا تري أن محاولة تقوية النصاري في مصر ومغازلتهم من قبل النظام ليس حبا فيهم ولكن فقط من أجل إضعاف الإسلاميين مضيفا إن من شأن ذلك أن يحرق الجميع! وهذا تحديدا ما أفزعني بالرسالة، فأيا كان الاختلاف، والانتقاد، للحكومة المصرية، أو غيرها من الحكومات، فهل هذا كلام مقنع؟ بالطبع لا، خصوصا أن القارئ يختم: «المسلم الحق هو من يجعل الإسلام منهجا شاملا لحياته فنحن جميعا نفتخر مع الشيخ القرضاوي بما تحقق وليس وحده». وهنا لن أخوض في جدال ديني، أو سياسي، ولكن لماذا لا نستحضر قصة درسناها في مدارسنا، وسمعناها من مشايخنا مرارا لنري كيف أننا نهدم بيوتنا بأيدينا، فالقارئ يقول إن النظام يتقرب إلي «النصاري» في مصر لإضعاف الإسلاميين، ومن سماهم القارئ بالنصاري ما هم إلا جزء من مصر، وليس اليوم، بل منذ فجر الإسلام النقي. وهنا مربط الفرس. فالقصة التاريخية العظيمة تقول إن قبطيا سافر من مصر إلي المدينةالمنورة ليشكو للخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ابن فاتح مصر وأميرها عمرو بن العاص لأنه ضرب ابنه. وعلي الفور أحضر الخليفة عمر ابن الخطاب أمير مصر وابنه محمد إلي طيبة الطيبة، واقتص للقبطي، وقال وقتها الخليفة الفاروق مقولته العظيمة: «متي استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا». فلمن كان يتقرب الخليفة الفاروق وقتها، هل للنصاري، كما يقول القارئ، أم لقوي علمانية؟ حاشا، بل كان الخليفة عمر بن الخطاب أقرب إلي العدل، وهو أقوم، كان الخليفة الراشد يحفظ الذمم، ويحافظ علي السلم، ويعصم الدماء. فهل هذا هو الإسلام الذي يقصده من يقولون بأن الإسلام هو الحل؟ أشك، ما دمنا نري هذا مصريا نصرانيا، وهذا مصريا مسلما، أو ذاك سنيا، وهذا شيعيا، وهكذا، فلو نهجنا هذا النهج لما بقي لنا أمن في أوطاننا، ولما بقيت لنا أوطان أصلا. ولذا نقول إننا في معركة أفكار مرعبة، خطرها يتهدد أمننا ومستقبلنا، وما لم يتم التصدي لهذه الأفكار وتصحيحها من قبل مؤسسات الدولة، بجميع مرافقها في العالم العربي، وتنمية حس المواطنة، فإن القادم أشد خطرا. واجبنا أن نحافظ علي حق العيش المشترك، وعصمة الدماء، وواجبنا أن نصحح المفاهيم كل صباح ومساء. حذرنا مما حدث في العراق، وها هو اليوم يصل إلي مصر، ولا نعلم إلي أي مدي يذهب هذا الشر، ولذا فهذه دعوة للعقلاء بأن يجعلوا صوتهم أعلي من صوت التطرف والمتطرفين. كاتب لبناني نقلاً عن جريدة الشرق الأوسط