الموضوع ليس موضوع تسليح إيران للجيش اللبناني أو امتناعها عن ذلك. الموضوع مرتبط قبل أي شيء آخر بأن تكف إيران عن التدخل في شئون لبنان والعرب عموما وأن تتوقف عن إثارة الغرائز المذهبية، هذه الغرائز التي يتبين كل يوم انها تمثل أخطر ما تتعرض له منطقة الشرق الأوسط. ما قد يكون أهمّ من ذلك كله اقتناع إيران، وغير إيران، بحصر التعاطي بمؤسسات الدولة اللبنانية نظرا إلي أن كل ما عدا ذلك يسيء إلي لبنان واللبنانيين ويصب في مصلحة ضرب الاستقرار في البلد الصغير وخدمة كل من يهمه تفتيت العالم العربي وشرذمته. تبدو هذه المقدمة القصيرة ضرورية أكثر من أي وقت في ضوء الأحداث الأخيرة التي شهدتها بيروت وما تخللها من وجهات بين سلاح "حزب الله"، وهو لواء في "الحرس الثوري الإيراني" وتنظيم، يقال إنه "سنّي" لبناني، معروف من يسلحه والجهة التي تستخدمه. قبل الخوض في الكلام الكبير عن اهمية تسليح الجيش الوطني، من الأفضل المباشرة في تحصين الجبهة الداخلية التي هي أهمّ بكثير من السلاح، أي سلاح والتي من دونها لا صمود للمجتمع اللبناني في مواجهة المحاولات الهادفة إلي اخضاعه وتدجينه ومنعه من الانتماء إلي ثقافة الحياة وكل ما هو حضاري في هذا العالم. في كل الأحوال، ليس لدي النظام في إيران أي دروس يعطيها للبنان في أي مجال من المجالات أو ميدان من الميادين، أقله في الوقت الراهن. إيران في أزمة عميقة وعليها أن تتصالح مع نفسها أولا ومع محيطها العربي قبل أن يوجد من يتحدث باسمها عن إرسال السلاح إلي هذا الطرف أو ذاك. إيران أمة كبيرة ذات حضارة عظيمة وقديمة. لا يجوز لها أن تكون علي عداء مع معظم جيرانها خصوصا العرب منهم. علي العكس من ذلك، يفترض في إيران أن تعمل علي طمأنة العرب، خصوصا في منطقة الخليج وأن تشعرهم بأنها تتطلع إلي التعاون معهم من أجل مستقبل أفضل لكل دول المنطقة وشعوبها بدل التصرف بطريقة لا تنم سوي عن عجرفة لا حدود لها وكأن العرب ينتمون إلي حضارة أقلّ شأنا من الحضارة الفارسية ولا يصلح التعامل معهم إلا بطريقة فوقية. تكمن مشكلة العرب مع إيران في أنهم يعرفون تماما ما الذي تريده وما هي همومها الحقيقية. يعرفون مثلا أنها خطفت القضية الفلسطينية بغية المزايدة علي العرب وإحراجهم وان آخر ما يهمها هو حصول الفسطينيين علي حقوقهم الوطنية المشروعة. علي العكس من ذلك، ليس مهما، من وجهة النظر الإيرانية، أن تتقدم القضية الفلسطينية بمقدار ما أن المطلوب المتاجرة بالشعب الفلسطيني والمأساة الغارق فيها. الدليل علي ذلك، أن إسرائيل تستخدم الشعارات التي يطلقها المسئولون الإيرانيون أفضل استخدام للتنكيل بالشعب الفلسطيني وتكريس الاحتلال لجزء من الضفة الغربية، بما في ذلك القدسالشرقية. لا حاجة إلي الحديث عن الدور السلبي لإيران في البحرين أو اليمن أو مصر أو السودان أو المغرب... أو عن استمرار احتلالها للجزر الإماراتية الثلاث التي استولي عليها الشاه في العام 1971. ولا حاجة إلي الحديث عن الدور الإيراني في العراق ومساهمته في تمزيق البلد عن طريق دعم ميليشيات مذهبية فيه. يمكن وضع كل هذه الامور جانبا والتركيز علي البرنامج النووي الإيراني الذي يشكل في المرحلة الراهنة موضوع مواجهة بين "الجمهورية الإسلامية" والمجتمع الدولي. تبين بعد تزويد روسياإيران بما يلزم من وقود لتشغيل مفاعل بوشهر أن المجتمع الدولي ليس ضد حصول إيران علي التكنولوجيا التي تسمح لها باستخدام الطاقة النووية لاغراض سلمية. لم يحصل اعتراض أمريكي أو أوروبي علي الخطوة الروسية. بدا أن هناك تنسيقا بين موسكو وواشنطن والعواصم الأوروبية المعنية في هذا الشأن. ولأنّ الخطوة الروسية احرجت طهران، رافق الاحتفال ببدء تزويد المفاعل بالوقود مع خطوات تصعيدية تركز علي تطوير اسلحة جديدة بدل تقديم الضمانات اللازمة التي تؤدي إلي مصالحة بين إيران من جهة والمجتمع الدولي من جهة أخري. بدا واضحا أن إيران غير قادرة علي وقف عملية الهروب المستمرة إلي الامام والاقتناع بأن عليها قبل كل شيء الاهتمام بشعبها الذي يعاني قسم كبير منه من الفقر والجوع. فليس سرا أن هناك نسبة كبيرة من الإيرانيين تعيش تحت خط الفقر. وليس سرا أن إيران التي تصدر النفط مضطرة إلي استيراد كميات كبيرة من البنزين نظرا إلي انها لا تمتلك ما يكفي من المصافي بما يلبي حاجة السوق الداخلية. باختصار شديد، إن إيران ليست في وضع من يعطي دروسا لأحد في أي مجال من المجالات، خصوصا للبنان واللبنانيين. الأهم من ذلك، أن الاحتفال ببدء تزويد مفاعل بوشهر بالوقود لا يعني أن العالم سيتغاضي عن البرنامج النووي الإيراني وعن الاصرار علي تخصيب اليورانيوم بنسبة عشرين في المائة. إن كل من دخل الجامعة لدرس الفيزياء النووية يعرف أن من يصل إلي نسبة ال20 في المائة يصبح قادرا علي إنتاج السلاح النووي. هل العالم علي استعداد لقبول إيران نووية أم لا ؟ هذا هو السؤال الكبير الذي لا علاقة لمفاعل بوشهر به. كلّ ما تبقي يمكن إدراجه في خانة البحث عن دور إقليمي يرتكز علي حال الفراغ التي تعاني منها المنطقة في ضوء الضعف العربي وانهيار العراق الذي كان ركيزة من ركائز النظام الإقليمي والمنظومة الأمنية في الخليج والمنطقة عموما... قبل إيران، حاول العراق في عهد صدّام حسين أن يلعب دورا أكبر من حجمه معتقدا أن نظاما قائما علي الأجهزة الأمنية والقمع قادر علي أن يشكل قوة اقليمية. معروف كيف انتهي صدّام وكيف انتهي العراق. لماذا لا تستفيد إيران من تجارب الماضي القريب وتنصرف إلي معالجة مشاكلها الداخلية بدل أن تفكر في تغطية هذه المشاكل عن طريق المزايدة علي العرب والتدخل في شئونهم وإعطائهم دروسا في الوطنية وفي كيفية مواجهة إسرائيل.