يصعب التكهن بالمدي الذي يمكن أن تصل إليه المواجهة بين المملكة العربية السعودية والعناصر الحوثية التي اخترقت الحدود السعودية. الأكيد أن الرد السعودي علي الهجوم الحوثي يطرح علامات استفهام كثيرة. في مقدم ةما يطرحه هل حصل استدراج للمملكة أم أن الحوثيين في حالة هروب إلي الأمام بعدما زادت الضغوط العسكرية عليهم؟ في كل الأحوال، يتبين في ضوء الأحداث الأخيرة ودخول السعودية طرفا مباشرًا في الحرب، أن ما يشهده اليمن ليس مجرد نزاع داخلي بمقدار ما إنه مشكلة عميقة ذات طابع إقليمي. هناك محاولة إيرانية مكشوفة لاستغلال الدين وتوظيفه في السياسة والبناء علي ذلك من أجل تفتيت العالم العربي عن طريق إقامة دويلات داخل الدولة، دويلات مرتبطة مباشرة بطهران. المؤسف أن العرب لم يدركوا ذلك إلاّ متأخرين. لا تتحرك أي دولة عربية إلاّ بعد وصول النار إليها... لم يستفيدوا يوما من درس لبنان وما حصل ويحصل فيه منذ ما يزيد علي ربع قرن. لو فهموا حقيقة ما يتعرض له لبنان، لما كان عليهم مواجهة الوضع الذي هم فيه حاليا. في لبنان، استثمر النظام الإيراني طويلا في "حزب الله" ومكنه من أن تكون له دولته التي باتت أقوي من الدولة اللبنانية بفضل السلاح غير الشرعي الذي يتلطي بشعار المقاومة. أخذ "حزب الله" الطائفة الشيعية في لبنان رهينة. مكنه ذلك من أن يكون رأس حربة لإيران علي المتوسط وأن يكون صاحب قرار الحرب والسلم في لبنان وأن يسمح بتشكيل حكومة لبنانية... أو أن يحول دون ذلك، كما هو حاصل الآن، وفقا لما يناسب النظام الإيراني. كان لبنان البداية. ما ينطبق علي الوطن الصغير، ينطبق إلي حد كبير علي العراق، حيث مناطق واسعة تحت سيطرة ميليشيات تابعة مباشرة ل"الحرس الثوري" أو للأجهزة الأمنية الإيرانية. لم يعد في استطاعة الحكومة العراقية الاعتراض علي أي انتهاك إيراني للسيادة أو علي ما يصفه سياسيون عراقيون ب"استيلاء مكشوف علي قسم من المياه العراقية وعلي آبار نفطية في المناطق الحدودية بين البلدين، خصوصا في الجنوب". أكثر من ذلك، استطاعت إيران، بفضل أحزاب تابعة لها، تغيير التركيبة السكانية لبغداد بطريقة تناسبها. هناك شراء مبرمج لأراض تتولاه جهات معينة، علي غرار ما يحصل في لبنان، حيث يتوسع "حزب الله" في كل الاتجاهات، علي حساب القري المسيحية والدرزية في الجبل والجنوب والبقاع، علي وجه التحديد. هناك بكل بساطة، مشروع إيراني للمنطقة. المسألة لا تتعلق بالمذهب الشيعي علي الإطلاق. المسألة مرتبطة بتوظيف الدين في السياسة وفي خدمة أهداف معينة. لم يكن الموضوع المذهبي مطروحا في أي يوم من الأيام في لبنان أو في اليمن. كذلك، لم يكن هناك تفريق بين السني والشيعي في العراق. المسألة مسألة مشروع واضح المعالم يلبس اللبوس التي تناسبه في كل إقليم من الإقاليم العربية. علي سبيل المثال وليس الحصر، استطاعت إيران، إلي حد كبير، وضع يدها علي حركة "حماس" التي هي جزء من الإخوان المسلمين. انها تدعم حاليا بكل ما اتيح لها من امكانات هذه الحركة والإمارة الطالبانية التي أقامتها في غزة، علما أن "حماس"، كجزء من حركة الإخوان، يفترض أن تكون في مواجهة نظام يقوم علي نظرية ولاية الفقيه التي لا تحظي حتي بإجماع شيعي داخل إيران أو خارجها. ولكن ما العمل عندما ترضي "حماس" أن تكون مجرد أداة إيرانية في الحرب السرية احيانا والعلنية في احيان اخري، التي تشنها إيران علي مصر وما يفترض أن تمثله من وزن علي الصعيد العربي؟ ما يحصل داخل اليمن وفي منطقة الحدود اليمنية- السعودية، يمكن وضعه في سياق المشروع الإيراني للمنطقة الذي يهدد ايضا دولا مسالمة مثل البحرين والإمارات، حيث الجزر المحتلة منذ العام 1971. انه المشروع الذي كشف جانبا من وجهه في الكويت في مناسبة تأبين القيادي في "حزب الله" عماد مغنية الذي اغتيل في دمشق في ظروف غامضة فبراير من العام 2008 . في أواخر العام 2004 امتلك العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني ما يكفي من الشجاعة لقول الحقيقة للعرب ومحاولة افهامهم ما الذي يدور في المنطقة وجعلهم يستوعبون ما يعد لهم وما هو في انتظارهم. كان ذلك قبل اسابيع قليلة من اغتيال رفيق الحريري في الرابع عشر من فبراير 2005، اغتيل رفيق الحريري بعدما تحول إلي زعيم وطني لبناني يمتلك وهجا عربيا. تحدث العاهل الأردني إلي صحيفة "واشنطن بوست" في ديسمبر 2004 عن "الهلال الشيعي" الممتد من طهران إلي غزة مرورا بالعراق وسوريا ولبنان. لم يعن عبدالله الثاني الطائفة الشيعية، فهو هاشمي من أهل البيت. الشيعة اهله. كان يعني المشروع الإيراني بمفهومه السياسي. لم يفهم معظم العرب الرسالة. لم يتجرأ أي منهم علي تسمية الأشياء بأسمائها والذهاب إلي ابعد في عملية التصدي للمشروع الإيراني الذي تلقي دعما قويا بعد الغزو الأمريكي للعراق. قدمت الأدارة الأمريكية السابقة برئاسة بوش الابن العراق إلي النظام الإيراني علي طبق من فضة. توفرت فرصة تاريخية لإيران كي تقلب التوازنات الإقليمية رأسا علي عقب في ضوء انهيار الدولة المركزية في العراق والأصرار الأمريكية علي حل الجيش العراقي. كان القضاء علي نظام صدّام حسين مشروعا ومبررا، ولكن لماذا الإصرار علي حل الجيش والأجهزة الأمنية بعد التخلص من النظام؟ يستحيل عزل الحدث اليمني عن التطورات الإقليمية. الحدث نفسه يشهد يوميا تطورات تؤكد أنه جزء لا يتجزأ من مشروع إيراني كبير. هذا لا يعني في أي شكل أنه ليست للحدث خصوصياته النابعة من الوضع الداخلي لليمن والتركيبة القبلية لمحافظتي صعدة وعمران حيث يتحرك الحوثيون مستفيدين من تلك التركيبة، خصوصا من وضع قبائل بكيل وطبيعة علاقتها بالسلطة تحديدا، ومن الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها البلد ومن الإهمال الذي طال المحافظتين منذ فترة طويلة ومن التململ الذي تشهده محافظات في الجنوب. ولكن ما لا بد من ملاحظته، علي الرغم من هذا كله، أن ليس في استطاعة أي جهة يمنية شن حرب علي السلطة تستمر ما يزيد علي ست سنوات من دون دعم خارجي. إضافة إلي ذلك، لابد من التوقف أيضا عند نقطة في غاية الأهمية. ترتكز هذه النقطة علي السعي إلي مقاربة مختلفة للوضع في صعدة وعمران وعند الحدود مع السعودية. تقوم هذه المقاربة علي السعي إلي استيعاب الظاهرة الحوثية عن طريق تطويقها بدل تركها تستفيد من التركيبة القبلية للمنطقة التي تتحرك فيها. هل الاستيعاب ممكن؟ ليس اليمن وحده الذي يتوجب عليه التفكير في ذلك، بل علي دول المحيط أيضا، علي رأسها السعودية البحث فيما يمكن عمله في هذا المجال... هل تأخرت المقاربة الأخري للمسألة الحوثية أم لا؟ من المهم تفادي السقوط في أفخاخ إيرانية في منطقة أقل ما يمكن إن توصف به أنها معدة أصلا لحرب العصابات.