أطلت السنة 2010 أنها سنة مفتوحة علي كل أنواع الأزمات. من يدري كيف ستتطور الأزمة اليمنية بعدما تأكد أن لا شيء يحمي اليمن ووحدته من الأخطار المحدقة بهما غير المحافظة علي السلطة المركزية ولكن في ظل لا مركزية موسعة؟ من يحمي العراق من الغرائز المذهبية التي لاتزال تطل برأسها بين الحين والآخر ومن التدخلات والأطماع الخارجية، خصوصا تلك التي مصدرها إيران التي تبين أن عينها علي النفط العراقي؟ من يحمي فلسطين وقضيتها من حكومة إسرائيلية لا هدف لها سوي تكريس الاحتلال لجزء من الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية؟ من يحمي القضية الفلسطينية من الفلسطينيين أنفسهم، خصوصا أولئك الذين يرفعون شعار المقاومة بواسطة السلاح، وهم في الحقيقة يساهمون في تحويل الشعب الفلسطيني مجدداً وقودا يستخدم في معارك، ذات طابع إقليمي، لا علاقة له بها من قريب أو بعيد؟ بين هذه المعارك الحملة التي تستهدف مصر انطلاقا من قطاع غزة علي سبيل المثال وليس الحصر. في الإمكان الحديث عن حال انسداد كامل في الشرق الأوسط، من المحيط إلي الخليج لولا بعض النقاط المضيئة التي توفر بصيص أمل في تمكين هذا البلد العربي أو ذاك من حماية نفسه عن طريق تحصين الوضع الداخلي فيه.. يحصل ذلك في الأردن ودولة الإمارات وقطر والبحرين وتونس والمغرب وبلدان أخري تشهد محاولات لتغيير أوضاعها نحو الأفضل تفاديا للبقاء في اسر الماضي.. بين هذه البلدان تأتي أيضا الكويت التي لم يتردد أميرها الشيخ صُباح الأحمد في التحذير قبل أيام من النزول الي الشارع مشددا علي ضرورة التمسك بدولة القانون والمؤسسات بغية المحافظة علي الديمقراطية. هناك بين العرب من يبذل بالفعل جهداً بهدف تطوير المجتمع وحمايته من التطرف عن طريق إصلاحات داخلية في العمق وفهم لأهمية البرامج التعليمية المتطورة وتأثيرها في مجال أبعاد الجيل الجديد عن التطرف.. أكثر من ذلك، أن الخيار الوحيد أمام العرب الذين يتطلعون إلي مستقبل أفضل يتمثل في البرامج التعليمية المتطورة التي لا تكتفي بتلقين الشبان والفتيات اللغات الحديثة والعلوم المتطورة التي تجعلهم جزءا لا يتجزأ من الثورة التكنولوجية.. أن البرامج التعليمية المتطورة هي التي تبني طبقة متوسطة وتنشر أيضا ثقافة الحياة والتسامح وقبول الآخر والابتعاد عن التزمت والتمسك بقشور الدين والمذهب، أي بكل المظاهر السطحية لأي دين من الأديان.. هذه البرامج التعليمية المتطورة هي السلاح الأفضل الذي يواجه به العرب تحديات القرن الواحد والعشرين، هذا إذا كانت لديهم رغبة حقيقية في دخول هذا القرن من أبوابه الواسعة بدل البقاء علي هامش التاريخ والتطور كما هو حاصل الآن. ما يخيف أكثر من أي شيء آخر مع دخول العالم السنة 2010، السياسة الأمريكية التي لا تزال عاجزة عن معالجة أي قضية في العمق بدءاً من فلسطين وانتهاء بأفغانستان.. تبدو حرب افغانستان حرب باراك أوباما الذي وجد نفسه مضطرا إلي الاعتراف بأنه لا يستطيع الخروج من أفغانستان كما خرج من العراق، فاتخذ ما يمكن وصفه بأصعب قرار له منذ دخول البيت الأبيض.. أنه القرار القاضي بإرسال ثلاثين ألف جندي إضافي إلي أفغانستان.. هل يكفي ارسال ثلاثين الف جندي اضافي إلي أفغانستان لتغيير الوضع وربح الحرب، فيما لا علاج حقيقيا للمشكلة الأساسية التي اسمها باكستان التي تعتبر عمليا المصنع الذي ينتج عناصر طالبانية لا تؤمن سوي بالتطرف؟ لا همّ لهذه العناصر سوي التوجه إلي أفغانستان لقتال الأمريكيين. هل تكون افغانستان فيتنام أخري؟ هل يغرق أوباما في وحولها فتتحول أحلامه إلي مجرد أوهام؟ إضافة إلي المأزق الأمريكي، هناك مأزق آخر هو المأزق الإيراني.. منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة في يونيو الماضي، تبين أن الوضع في إيران غير طبيعي.. من لديه أدني شك في ذلك يستطيع العودة إلي أحداث يوم عاشوراء. بعد ستة أشهر من إعلان نتائج الأنتخابات وفوز محمود أحمدي نجاد، لاتزال "الثورة المخملية" مستمرة.. هناك مجتمع حي في إيران يرفض نتائج الانتخابات ويتطلع إلي الانفتاح علي العالم الحضاري والانتماء إليه.. المؤسف أن ليس أمام النظام الإيراني سوي متابعة سياسته المرتكزة علي الهروب المستمر إلي أمام وكأن ممارسة دور القوة الإقليمية المهيمنة التي تتحكم بالعراق وفلسطين ولبنان وحتي اليمن تغني عن وجود شرعية داخلية للنظام. أين لبنان في مطلع السنة 2010، أنه بلد اختار المحافظة علي السلم الأهلي أولا والعمل في الوقت ذاته علي استكمال بناء مؤسساته ثانيا مستفيدا إلي أبعد حدود من الانفراجات في العلاقات العربية العربية.. هناك وعي تام لدي الحريصين علي لبنان لأهمية العلاقة مع سوريا والدور الذي يمكن أن تلعبه في مجال المساعدة في وقف تدفق السلاح علي الوطن الصغير والاتجاه إلي التعاطي بطريقة مختلفة معه، أي من دولة إلي دولة.. كانت زيارة رئيس مجلس الوزراء سعد الدين رفيق الحريري لدمشق خطوة أولي في هذا الاتجاه الذي يصب في مصلحة سوريا ولبنان وفي مصلحة السوريين واللبنانيين قبل أي شيء آخر.. هناك مجال واسع لتطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين متي اقتنع النظام السوري بأن لبنان دولة حرة سيدة مستقلة وأن لا خيار أمامه سوي التعاطي معها من هذا المنطلق. إن نجاح الرئيس سعد الحريري في مأسسة العلاقات اللبنانية- السورية يحمي البلدين من عواصف السنة 2010، أنها سنة حبلي بالأحداث. هناك ضياع أمريكي وتطرف إسرائيلي وأزمة في العمق في إيران وأزمات علي امتداد العالم العربي.. لا خيار آخر أمام لبنان سوي حفظ رأسه.. هل تحميه مظلة الانفراجات العربية- العربية؟