كاتب لبناني ما أعلنه الرئيس علي عبدالله صالح قبل أيام عن الاستعداد لمحاربة الحوثيين لسنوات طويلة يشكل دليلا علي وجود وعي عميق لدي الدولة اليمنية لأبعاد الحرب الدائرة في محافظة صعدة ومناطق محيطة بها منذ ما يزيد علي خمس سنوات. إنها ابعاد تتناول مستقبل المنطقة المحيطة باليمن وحتي مستقبل القرن الأفريقي. الموضوع في آخر المطاف ليس موضوع صعدة أو عمران والتمدد الحوثي في اتجاه هذه المنطقة أو تلك داخل الأراضي اليمنية أو خارجها. الموضوع بكل بساطة هل تبقي دولة موحدة في اليمن أم لا؟ مستقبل اليمن علي المحك. ولأن مستقبل اليمن علي المحك اختار علي عبدالله صالح مناسبة السادس والعشرين من سبتمبر، ذكري الثورة وإعلان الجمهورية والتخلص من النظام الامامي في العام 1962 ليؤكد ألا سبيل آخر أمام الدولة اليمنية. لا خيار آخر سوي المواجهة، علي الرغم من كل ما تعنيه من خسائر بشرية ومادية، وذلك بغض النظر عمن يقف علي رأس المؤسسات الدستورية. لا خيار سوي الانتصار في الحرب مهما بلغت التضحيات ومهما كان الثمن غاليا نظرا إلي أنه لم يعد هناك سبيل آخر... إلا إذا كان المطلوب الرضوخ لنظرية الدويلات المتحاربة فيما بينها علي الأرض اليمنية. من يحاول تصوير الظاهرة الحوثية بأنها مجرد ظاهرة مرتبطة بالظلم الذي لحق بمنطقة معينة أو بنزاع ذي طابع مذهبي إنما يخرج بالموضوع عن سياقه الحقيقي. قبل كل شيء، لحق اهمال واضح بتلك المنطقة بالذات. هذا أكثر من صحيح، فضلا عن أن الدولة في اليمن تتحمل نتائج هذا الإهمال. ولكن هل يقتصر الاهمال علي صعدة وحدها؟ هناك اهمال وحتي ظلم لمناطق كثيرة. لكن السبب في ذلك، لا يعود إلي التقصير والفساد وحدهما. هناك بكل بساطة موارد محدودة لدي الدولة اليمنية التي عانت من خضات كثيرة في السنوات العشرين الأخيرة جعلت امكاناتها شبه معدومة. علي سبيل المثال وليس الحصر، هناك المشكلة التي نجمت عن عودة نحو مليون عامل يمني إلي البلاد بعد الاحتلال العراقي للكويت صيف العام 1990 وما يسمي حرب الخليج الثانية. وهناك نتائج حرب العام 1994 التي تسبب بها الانفصاليون وقد كلفت الدولة مليارات الدولارات. وهناك التوتر في القرن الأفريقي الذي يدفع اليمن ثمنه احيانا بسبب وصول عشرات الآلاف اللاجئين إلي أراضيه. وهناك الانفجار السكاني في كل المناطق اليمنية، في الشمال والجنوب والوسط. هذا الانفجار السكاني عائد إلي غياب الوعي لدي المواطن العادي الذي ينجب ما لا يقل عن عشرة أولاد من دون أن يسأل كيف سيعيلهم. وهناك هجوم "القاعدة" علي اليمن، خصوصا في ضوء ما تعرضت له في بلدان ومناطق عدة في الخليج نفسه أو في العراق أو باكستان وأفغانستان. وهناك بالطبع حالة انفلات وتفلت في بعض الأوساط التابعة للسلطة. وما يزيد الوضع سوءا في اليمن، حدوده البرية والبحرية الطويلة التي يحتاج ضبطها إلي امكانات كبيرة غير متوافرة لدولة فقيرة عليها دعم المواد الغذائية الأساسية لشعبها أوّلا. منذ الوحدة التي تحققت في الثاني والعشرين من مايو - من العام 1990 واليمن يتعرض لتحديات في ظل ظروف أقل ما يمكن أن توصف به أنها صعبة ومعقدة. من يستطيع اليوم أن يحل مثلا لغز سعي إريتريا إلي احتلال جزر يمنية معينة في البحر الأحمر، بينها حنيش، مباشرة بعد انتهاء حرب صيف العام 1994؟ استعاد اليمن جزره بالوسائل الدبلوماسية في حين كان المطلوب منه الدخول في حرب استنزاف في البحر وأن تأكل أسماك القرش جنوده... خاض اليمن حروبا كثيرة في السنوات العشرين الماضية. استطاع التصدي لتحديات تعجز دول أكبر منه عن التصدي لها. ولكن تبقي حرب الحوثيين من أخطر الحروب والتحديات. لماذا؟ الجواب أن تلك الحرب تستهدف تفكيك الجمهورية اليمنية من منطلق طائفي ومذهبي. هناك سعي لإثارة الغرائز المذهبية في بلد لم يعرف ولن يعرف مثل هذا النوع من الأمراض. لا تمييز بين زيدي وشافعي في اليمن والأهم من ذلك ألا تمييز بين زيدي وزيدي في بلد الأولوية فيه للولاء الوطني أو لنقل صراحة القبلي. كل ما في الأمر أن هناك محاولة تقف وراءها قوة خارجية غير عربية معروفة لتسييس الزيدية واستغلالها ضد مؤسسات الدولة، علما بأن الرئيس اليمني نفسه زيدي. هل يجوز الحديث عن قمع زيدي لزيدي آخر في اليمن؟ أم أن الهدف إثارة النعرات داخل مذهب معين بغية إضعاف الحس بالانتماء الوطني علي صعيد البلد ككل؟ من منطلق وطني ومن منطلق الدفاع عن الدولة ومؤسساتها والجمهورية اليمنية، يبدو كلام علي عبدالله صالح مفهوما جدا. ويبدو إصراره علي الذهاب، مرغما، إلي النهاية في المعركة المكلفة عسكريا وإنسانيا وماديا أكثر من منطقي. السؤال هل يكون اليمن أو لا يكون؟ ان نجاح الحوثيين في الحرب التي يشنونها علي النظام اعتراف بوجود دولة داخل الدولة في اليمن. وهذا يعني في طبيعة الحال تحلل الدولة اليمنية. من يستطيع عندئذ ضمان بقاء ما كان يسمي الشمال موحدا؟ ومن يضمن عدم انفصال حضر موت عما كان يسمي اليمن الجنوبي قبل الوحدة. ما لا يستوعبه كثيرون أن ما يجمع بين محافظتي تعز، في الوسط، ومحافظة عدن في الجنوب، تاريخياً واجتماعيا واقتصاديا، أكبر من الروابط بين عدن وحضر موت اللتين كانتا محافظتين من محافظات اليمن الجنوبي (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) قبل العام 1990، في النهاية، إن اليمن هو الذي يجمع بين الجميع وهو الذي يربط بين المناطق ويحول دون تناحرها. نعم مستقبل البلد علي المحك وليس مستقبل النظام. ولذلك لا مجال لأن يكون اليمني رماديا ومحتارا في هذه المواجهة. هل هو مع بقاء اليمن أم مع صوملته؟ إنه السؤال المفترض أن يطرحه كل يمني علي نفسه بعيدا عن مسألة هل هو مع علي عبدالله صالح أو ضده؟..