جاء معرض الرسوم المسيئة للنبي صلي الله عليه وسلم، الذي نظمته حركة تعرف باسم "أوقفوا أسلمه الدانمارك" في العاصمة الدنماركية كوبنهاجن بمثابة الحجر الذي ألقي في مياه لم يمض وقت طويل على ركودها.. لتجدد غضب العالم الإسلامي تجاه تلك الأفعال التي وصفها الأزهر في بيانات رسمية بأنها "تأجيج مشاعر الكراهية بما تمثله من استفزاز للمسلمين حول العالم". بدأت حدة الرسوم المسيئة في وقت مبكر، وليس كما يرجعها بعض المؤرخين إلي أحداث 11 سبتمبر حيث بدأت موجة جديدة وصفها البعض بموجة منظمة للإساءة إلى شخصية الرسول محمد، حتى وصل الأمر إلى سكرتير الأممالمتحدة العام كوفي عنان في 7 ديسمبر 2004 بالإشارة إلى تفشي هذه الظاهرة بحدة. ففي عام 1699 طبع المؤلف M. Prideaux، في هولندا كتابه "حياة محمد" وفيه أظهر المؤلف صورة زعم أنها للرسول الكريم، وهو يظهر شخص يحمل سيفا بيده اليمنى ورجله اليسرى مستندة على الكرة الأرضية وفي يده اليسرى هلال وعلى ساعده الوصايا العشر. فيما تضمن الكتاب أيضا صورة يرجع تاريخها إلى القرون الوسطى في إسبانيا، وفيها يظهر شخص على كتفه الأيسر حمامة بيضاء ومنقار الحمامة قريب من أذن الشخص وهذا الشخص يتحدث إلى 3 رجال وامرأتين وهذه الصورة مقتبسة من تصوير بعض المسيحيين المتطرفين في الكنيسة الإسبانية لشخصية الرسول حيث ذكر أولجيوس Eulogius الذي كان من الذين أبدوا مخاوفهم من تأثير المد الإسلامي على إسبانيا الرسول محمد صلوات الله عليه، كشخص كان يخدع الناس بوضع حبوب القمح خلف أذنه لكي يحط الطير على كتفه ويوجه منقاره إلى أذنه كي يتخيل الناس أن الطير ينقل رسالة سماوية إليه. وفي السنوات الأخيرة تم رسم عدد من الصور بعضها على شكل كاريكاتير للرسول محمد صلوات الله عليه، لكنها لم تثر ضجة حولها، ربما لظهورها في وقت لم تنتشر فيها استخدام وسائل الاتصال وبخاصة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" و "تويتر"، ففي عام 1988 صدر كتيب بعنوان "النبي" للمؤلف Jack Chick متضمنا بعضا من تلك الرسومات، مثلما تكرر عام 2001 في المسلسل الكارتوني الأمريكي South Park، كما تضمنت لعبة من ألعاب الفيديو التي تسمى لعبة "الحرب المقدسة" Holy War تمثيلا مسيئا وفيه يتصارع جميع الرموز الدينية للأديان المختلفة. ذلك الركود الذي سرعان ما تأجج إلي ثورة غضب حين ظهرت صور كاريكاتيرية مختلفة في التسعينيات في صحف في هولندا وفرنسا، ووصلت ثورة الغضب تلك حدتها عام 1997، حين ظهرت صورة رسمت من قبل سيدة إسرائيلية تدعى "تاتيانا سوسكن" والتي لم تقبل الصحف نشره ولكنها قامت بتوزيعه بنفسها في مدينة الخليل وكانت عبارة عن خنزير على رأسه عقال ومكتوب على ظهره كلمة "محمد" وكان الخنزير ماسكا بقلم ويكتب كلمة القرآن على كتاب. وفي 30 سبتمبر عام 2005، نشرت صحيفة يولاندس بوستن الدانماركية 12 صورة كاريكاتيرية للرسول محمد صلوات الله عليه، في بعضها استهزاء وسخرية من النبي محمد فإحداها تظهر عمامته على أنها قنبلة بفتيل، وقد حاولت الجالية الإسلامية وقف الصور لكن الصحيفة رفضت وكذلك الحكومة أيدت الصحيفة بحجة حرية الرأي والتعبير، وبعد أقل من أسبوعين وفي 10 يناير 2006 قامت الصحيفة النرويجية Magazinet والصحيفة الألمانية "دي فيلت" والصحيفة الفرنسية France Soir وصحف أخرى في أوروبا بإعادة نشر تلك الصور الكاريكاتيرية، مما مثل جرحا واستفزازا لمشاعر الغالبية العظمى من المسلمين وقوبل نشر هذه الصور الكاريكاتيرية بموجة عارمة على الصعيدين الشعبي والسياسي في العالم الإسلامي. وفي استجابة لموجات الغضب والاحتجاج تلك والتي وصلت حد إضرام النيران في المبني الذي يضم سفارتي الدانمارك والنرويج بسوريا وحرق القنصيلة الدانماركية في بيروت، قام مالك جريدة France Soir الفرنسية وهو رجل الأعمال الفرنسي من أصل مصري، بإقالة كبير محرري الجريدة . وفي فبراير عام 2008، أعادت سبع عشرة جريدة دنماركية نشر أحد الرسوم الكاركاتيرية التي تسئ إلي الرسول محمد صلوات الله عليه، وتظهره مرتديا عمامة علي شكل قنبلة مشتعلة الفتيل. ذلك التاريخ الطويل من الإساءة للدين الإسلامي في رمزه الرسول محمد صلوات الله عليه، كانت الدانمارك فيه دائما هي صاحبة النصيب الأكبر، والتي دافعت عن تلك الرسومات بأنها حرية رأي وتعبير ولم يكن من قبيل السب أو التجريح، فما أبدت تعجبها من احتجاجات المسلمين المتصاعدة، مصرة في كثير من الأحيان علي عدم حذف تلك الصور معربة في الوقت نفسه عن رؤيتها بأن اعتذار الصحيفة كاف. فيما ساندته بعض المجموعات الليبرالية والمحافظة حيث صرح روبرت مينارد رئيس جمعية مراسلون بلا حدود بأن جريدة يولاندس بوستن قد "علمت العالم درسا في حرية التعبير عن الرأي". وقام سياسي هولندي محافظ اسمه جيرت فيلدرز بنشر الصور في موقع حزبه مع تعليق يقول "لدعم حرية التعبير عن الرأي". وقامت جهات مساندة لصحيفة يولاندس بوستن بتخصيص بعض الصفحات على الإنترنت بلغات متعددة لدعم موقف الصحيفة. هذا في الوقت الذي قامت فيه الجالية الإسلامية في الدنمارك برفع قضية إلي المحكمة لتحديد كون الرسوم المنشورة تخرق قوانين الدولة أم لا، وهي القضية التي أسقطها المدعي العام في وصولها إلي المحكمة معتبرا أنه لا أساس للقضية. من جانبها، لجأت الكثير من بلدان العالم الإسلامي إلي محاولة الضغط الاقتصادي، للتأثير علي تلك الدول بعد فشل المساعي القانونية، فبدأت الدعوة لمقاطعة المنتجات الدانماركية، وبخاصة منتجات الألبان وغيرها، وهي الدعوة التي بدأت بشكل شعبي عبر الصحف والقنوات غير الرسمية وعبر رسائل الهواتف المحمولة، وبالفعل استجابت عدد من المراكز التجارية بعدم بيع تلك البضائع تضامنا مع الدعوة للمقاطعة. في بداية يناير 2006 هددت الحكومة المصرية بمقاطعة المنتجات الدانماركية ولكن المقاطعة كانت مقتصرة على بعض الأسواق المصرية الكبرى وقرارات فردية من قبل مصريين بمقاطعة المنتجات الدانماركية. وفي 20 يناير صدرت مطالب جماهيرية في السعودية بالمقاطعة التي بدأت بصورة عملية في 26 يناير واستهدفت بصورة رئيسية منتجات الألبان لشركة Arla وانتشرت المقاطعة إلى الكويت وقامت سلسلة أسواق Coop في الكويت بازالة المنتجات الدانماركية من على رفوفها . علي الجانب الرسمي، اكتفت المؤسسات الدينية في البلدان الإسلامية وفي مقدمتها الأزهر الشريف، بإدانة نشر الرسومات التي تسئ ليس فقط إلي الدين الإسلامي بل إلي الأديان جميعا، وأعتبرها الأزهر في بيانات رسمية تصدر في شكل شبه ثابت مع نشر ايا من تلك الرسوم المسيئة بأنها "تأجيج لمشاعر الكراهية بما تمثله من استفزاز للمسلمين حول العالم ، فضلا عن كونها تتنافى مع قيم الاحترام المتبادل والتعايش السلمي المشترك" . وشدد الأزهر الشريف على رفضه لهذه الرسوم العنصرية البغيضة التي تحول دون اندماج المسلمين في المجتمعات الغربية، مطالبا المجتمع الدولي بضرورة إدانة هذه الأعمال الاستفزازية والتي لا تقل في خطورتها عما تقوم به بعض الجماعات الإرهابية من تهديد للسلم العالمي . علي الجانب الأوروبي ظهرت عدد من الحركات التي تطالب بتعديلات في القوانين القديمة المتعلقة بالإساءة إلى الرموز الدينية التي وإن وجدت في القوانين الأوروبية ولكنها نادرا ما تطبق في الوقت الحالي، ولكن مع انتشار الهجرة إلى أوروبا من الدول غير الأوروبية وجدت الكثير من الدول في أوروبا نفسها في مواقف قانونية حرجة لوجود بنود في قوانينها الجنائية تجرم المسيئين إلى الرموز الدينية ووجود بنود أخرى تسمح بحرية التعبير عن الرأي وهذه القوانين التي تعتبر الإساءة للدين عملا مخالفا للقانون لا تزال موجودة على سبيل المثال في البندين 188 و189 من القانون الجنائي في النمسا والبند 10 من القانون الجنائي في فنلندا والبند 166 من القانون الجنائي في ألمانيا والبند 147 في القانون الجنائي في هولندا والبند 525 في القانون الجنائي في إسبانيا وبنود مشابهة في قوانين إيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. في الدول ذات الأغلبية الإسلامية، بحسب موقع ويكيبيديا" هناك عقوبات أشد على الإساءة للرموز الدينية فالبند 295 من قانون العقوبات في باكستان تعاقب بالسجن المؤبد كل شخص قام "بتدنيس القرآن" والإعدام لكل من يشتم رسول الإسلام محمد.