مازال أحمد أبو الغيط، وزير الخارجية الأسبق، متوهج الفكر والنشاط السياسي- اذا جاز التعبير، متصالح مع نفسه، يتابع ويقرأ.. يدقق ويحقق ويعلق، تزيده بساطته، قيمة فوق قيمته ووطنيته، كان ولايزال متيم بحب الوطن ، واثق في قدراته، قال لي: تعرف معدن الشعب المصري ده .. زي الجرانيت الذي نحتت منه المسلات الفرعونية التي تزين ميادين عواصم العالم، فهو صلب وأصيل. كان الخميس الماضي يوما مشهودا، حيث كنت في ضيافة السيد أحمد أبو الغيط، وزير خارجية مصر الأسبق، بمنزله الكائن بإحدي قري الدلتا، تلبية لدعوة كريمة منه، شرفني وطوق عنقي في نهايتها، بإهدائي كتابيه" شهادتي" و" شاهد علي الحب والسلام". كان اللقاء الذي امتد لساعتين تقريبا، منتصف نهار الخميس، ودودا للغاية، من جانبه، حيث استقبلني بترحاب أولاد البلد، وبأصالة أهل الريف المصري، وعفوية تجلت في بساطته . تجاذبنا أطراف الحديث، في أمور وشواغل مصرية عديدة، وساخنة، حاولت خلالها تجنب أسئلة الصحفيين، غير أني عجزت، سألته مثلا عن رأيه في آداء الرئيس بشكل عام، قال إن حال مصر سينصلح خلال عامين علي إيده، وقال كذلك، أنه التقي السيسي مرة واحدة، " كانت في نادي الجلاء بمصر الجديدة، بعد أن ألقيت محاضرة حول الأمن القومي المصري من منظورالسياسة الخارجية، ووجدت الرئيس مستمع جيد جدا"، و قال أنه يشفق عليه من حجم ضغوط المرحلة التي تمر بها البلاد، مثمنا خطواته فيما يتعلق بالتوقيع علي وثيقة سد النهضة، قبل أن يشيد بقراره في المشاركة العسكرية فيما اصطلح عليه ب" عاصفة الحزم". كان أبو الغيط قد وضع أمامي، كوبا من " النيس كافيه" بلاك – قدمه بنفسه- حين سألته عن القمة العربية المنتهية فعاليتها أمس، ورأيه في ما نادي به البعض بتاسيس قوةعربية مشتركة، فاسوقفني قائلا، الأفضل أن يكون هناك، قرار ب "ائتلاف عسكري عربي لمن يرغب"، قبل أن يضيف: أظنك تابعت موقف بعض الدول العربية من " عاصفة الحزم"، وتباين موقفها ، بين رفض المشاركة، أو التأييد السياسي، وبين التحفظ علي الفكرة من الأصل!! . أتذكر أنه حين كان أبو الغيط وزيرا للخارجية، أن طلبت منه - كمحرر دبلوماسي- التدخل لدي المتحدث الرسمي باسم الوزارة انذاك، لعلاج أزمة مهنية بين الأخير، وبين رئيس تحرير الجريدة في حينه، فوعدني، غير أنه وحين هممت بالإنصراف شاكرا، فاجأني بالخروج معي، ثم توقف أمام ممر أمام مكتبه، يزدان ب بورتيرهات- لوحات زيتية- لوزراء خارجية مصر السابقين.. من محمود فوزي، حتي حمد ماهر، ثم سألني: عارف دول؟ قلت طبعا يافندم، فعاد وهو يشير الي مسمار بالحائط: ما هذا؟ فقلت مندهشا: مسمار ياافندم، فقال : بتاع ايه المسمار ده؟ قلت مبتسما: مش عارف، فقال : هذا المسمار كان قد علقت عليه صورتي ، فرفعتها منه، حتي لا يدخل في روعي، في الراحة والجيئة، إحساس بأني آخر وزراء خارجية مصر، فقلت : عظيم يافندم والله، ثم انصرفت منبهرا بتواضعه، وترفعه عن المناصب، وأن شاغله الوحيد هو خدمة مصر. This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.