عرضت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية كتاب " برقية الدم : نيكسون وكيسينجر والإبادة الجماعية المنسية " للمؤلف جاري جي باس . يعرض الكتاب بصحيفة الواشنطن بوست نيل شيهان مراسل الحرب بفيتنام ، وهو مؤلف حاصل على جائزة بوليتزر عن كتابه امريكا في فيتنام . يبدأ باقرار حقيقة وهي يبدو أننا نعيش في عصر من المجازر ، ففي رواندا تم قتل ما يقرب من نصف مليون من التوتس على يد منافسيهم من عرقية مختلفة وهي الهوتو عام 1994 ، كما تم قتل أكثر من ثمان آلاف من مسلمي البوسنة على يد جيش الصرب ، وفي العصر ذاته تم قتل أكثر من مئة آلف في سوريا بمذابح كبرى للموت . يقوم نيل بعرض كتاب جاري – صحفي وأستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية بجامعة برينستون - الذي يراه خطيرا للغاية ، فالكتاب مثير للقلق خاصة عندما يعرض مؤلفه دور خفي لكل من ريتشارد نيكسون وهنري كيسنجر في ذبح مئات الآلاف من سكان إ]ست بنغال في بنجلاديش ، مخلفا ورائهم لأجئين بالملايين . فكان عام 1947 عام تقسيم الهند البريطانية على أساس ديني ، وذلك لعوامل عدم الاستقرار السياسي والعسكري حينذاك . بدأت مشكلة خطيرة عام 1970 عندما سمح الرئيس الباكستاني الجنرال آغا محمد يحيى خان بانتخابات وطنية كانت نتيجتها فوز الشيخ مجيب عبدالرحمن عضو حزب رابطة عوامي . قام الشيخ مجيب بإغضاب قادة الجيش الذين قاموا بسحب قواتهم بالكامل من ولاية البنجاب والمحافظات الغربية معلنين الحكم الذاتي والاستقلال لشرق البنغال . وفي ليلة 25 مارس 1971 أطلق يحيى خان حملة شرسة قام فيها العربدة بالقتل والاغتصاب والفوضى لأشهر مركزين على الإبادة الجماعية للأقلية المكونة من الهندوس البنغاليين العدو الأكبر لباكستان . وقد سعى كل من نيسكون وكيسنجر لسدل الستار على دورهم الصامت تجاه هذه المذابح من خلال الحذف أو التغاضي عنها في مذكراتهم . ويقوم جاري باس بإزاحة هذا الستار بكتابه من خلال عرض عدد من الأشرطة التسجيلية من البيت الأبيض ووثائق من وزارة الخارجية الأمريكية عن مقابلات بينهم وبين مسؤولين أمريكيين مع عدد من المسؤولين المتورطين في هذه المذابح . ومنها برقية القنصل الأمريكي العام في مدينة دكا بولاية البنغال الشرقية " آرتشر بلود " عام 1971 ، والتي وصف فيها مشاهد القتل بتفاصيلها البشعة المروعة إلى وزارة الخارجية الأمريكية ، طالبا منها التدخل لوصف ما أسماه بالمذابح . ولكن ماذا وجد في المقابل من جانب دولة الدفاع عن الحريات ؟ صمتا مطبقا في وقت الدم فيه يصم الآذان ، بل واستخدام البنغاليين أسلحة أمريكية ورعاية أمريكية في مجازرهم . ولذا كان الاتهام لإدارة نيكسون بما أسماه " الإفلاس الأخلاقي " بعد مطالبات كثيرة بالتحرك لوقف القتل ، جاء هذا الاتهام من قبل عدد من موظفي قنصلية كابل موقعين على برقية أسموها " برقية الدم " آملا في موقف أكثر إيجابية . فلم يكن لهم أو لغيرهم أن يعرفوا أن نيكسون وكسينجر يحتاجون مساعدة يحيى خان لللوصول إل ماو تسي بالصين . فقد كان دور يحيى خان هو ترتيب زيارة سرية لكسينجر للصين في يوليو 1971 ، فقد كان كل من كسينجر ونيكسون مستعدان لترك أي شيء سواء كان أخلاقيا أو لا خلفهم لكش ملك الأتحاد السوفيتي في الحرب الباردة من خلال تحويل الصين إلى صديق للولايات المتحدة . وما يزيد من قباحة دور كيسنجر ونيكسون اتجاههم نحو الهند التي كانت تلعب دورا محايدا في الحرب الباردة ، ثم تحولت للإتحاد السوفياتي للحصول على الأسلحة ، فنجد أن أحد أشرطة البيت الأبيض تحمل تصريحات لنيكسون يقول " الهنود بحاجة إلى تدخل كيسنجر ، ولكنهم أوباش " ويأتي نهاية التفكير بمصيرهم بقول نيكسون بأن القرار هو " مجاعة جماعية " . فقد نيكسون يحمل عداء لأنديرا غاندي رئيس الوزراء الهندية وأحد مؤسسي الهند ، وهو ما جعله يسعى لتعزيز المؤسسة العسكرية الباكستانية لمزيد من الاشتباكات مع الهند في إيست بنغال . وبعد عرض موجز لما يقره جاري في كتابه من حقائق مخزية على المرء أن يسأل نفسه ما إذا كان الحفاظ على قناة سرية إلى الصين عبر باكستان كان يستحق حياة أكثر من مليوني بنغالي ؟ كما عليه أن يتسأل ما الذي حدث حينها لأمريكا داعية العالم للحرية والعدالة والقانون ؟؟!!