قال منجي سرحان رئيس الإدارة المركزية للنشر بهيئة الكتاب أن ثورة يناير لم نر بعدها مشروعا ثقافيا قوميا كما حدث في سالفتها ثورة يوليو، وأن المؤسسات الحكومية لا تزال خاضعة للأهواء والشللية في النشر . وقد انهار الإنتاج الثقافي لهيئة الكتاب – أكبر ناشر حكومي – بعد عشر سنوات من تولي الدكتور سمير سرحان مسئوليتها، ولم تتحسن الأمور نسبيا إلا حاليا بالإعتماد على مثقفين كبار لإدارة سلاسل الهيئة واجتذاب القراء . جاء ذلك في مؤتمر "النشر الرسمي والخاص في مرحلة التحول الثوري" والذي حضره رئيس اتحاد كتاب مصر محمد سلماوي ورأسه الدكتور صابر عبدالدايم رئيس شعبة الدراسات الأدبية بالإتحاد .
وقال الكاتب سلماوي أنه بعد ثمانية أشهر لم نر في الأفق بوادر لبناء النظام الجديد الذي من أجله قامت الثورة، وبدلا من الدولة المدنية أصبحنا نشاهد صراع الدولة العسكرية والدينية . مضيفا أن مصر تمتلك أقدم حركات النشر في المنطقة منذ المطبعة التي جاء بها نابليون ثم مطبعة الأميرية التي أنشأها محمد علي . والنشر مسألة خطيرة لأنه يرتبط بالثقافة التي هي بداية أي تغيير لمجتمع .
وعن معوقات النشر ، قال دكتور صابر عبد الدايم أن أبرزها فقدان الإبداع، وتخلف واقع النشر عن ركب التكنولوجيا فضلاً عن الابتعاد عن الموضوعات الجادة، بالإضافة إلى فقدان التواصل بين النشر الحكومي والنشر الخاص، وافتقاد المنهج المتبع في النشر فدور النشر الخاصة والحكومية تسير بلا خطة وهو عبء تنظيمي يقع على عاتق اتحاد الناشرين المصريين.
وانتقد عبد الدايم المؤسسات الحكومية المعنية بالنشر وبدأ بالمجلس الأعلى للثقافة الذي تخاطب مطبوعاته النخبة الخاصة من المثقفين وليس عموم الشعب، أما النشر في الهيئة العامة لقصور الثقافة فيمتاز باتساع القاعدة ورغم ذلك فتأثيره محدود على حد قوله، بالإضافة إلى عدم وضوح السياسة الثقافية فهي دائماً تخضع لتوجهات القائمين على الهيئة. وعن اتحاد الكتاب فهو يفتقد إلى تسويق جيد مما يؤدي إلى تراكم الكتب في المخازن وتوزيعها بالمجان.
وعن تاريخ الطباعة، قال الكاتب محمد السيد عيد أنها تعود في مصر لعهد محمد علي، الذي بدأ حكومياً ثم ظهر النشر الخاص في عهد الخديوي إسماعيل، ثم ظهر نوع ثالث من النشر على يد كبار المثقفين على رأسهم أحمد أمين عبر تأسيس جمعية ثقافية قامت بالترجمة وذلك في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني، واستمر ذلك حتى ثورة يوليو.
وأشار عيد الذي عمل كمستشار لقصور الثقافة إلى أن فاروق حسني وزير الثقافة الأسبق أجج الصراع بين هيئة الكتاب وقصور الثقافة من أجل نشر الكتب، الأمر الذي تسبب في تعمق هيئة قصور الثقافة في النشر ووصل عدد إصدار السلاسل بها إلى 17 سلسلة، بعضه كان يصدر إسبوعياً واتجهت للفنون المختلفة كالسينما والمسرح. وأصبح هناك كتباً كثيرة عديمة القيمة، وتراكمت بالمخازن وأهديناها مجاناً إلى الجامعات، وهي مشكلة يعاني منها اتحاد الكتاب أيضاً.
من جانبه أشار ثروت محمد بمؤسسة "أخبار اليوم" إلى منافسة النشر الإلكتروني لنظيره التقليدي، متمنيا أن يخرج من الهيئات الحكومية عن الثورة ما يرقى لمستواها. وأهاب الناشر محمد ثابت باتحاد الكتاب أن يكون هو الجهة التي تنظم التعاقد بين المؤلف والناشر .
وبخصوص الحرية، أكد الشاعر حزين عمر في كلمته أن الثورة أثّرت على النشر حيث رفعت سقف الحرية، دون رقابة أو مصادرة، مشيراً إلى أن هناك كتباً كثيرة رفضت في النشر الحكومي بسبب المخاوف الرقابية وحققت نجاحاً كبيراً في النشر الخاص مثل "عمارة يعقوبيان". ولكن من جانب آخر أصبحت هناك مليارات تتدفق على دور النشر من أجل انتشار كتب التيارات التي يسميها الشاعر بالمتطرفة.
مشيراً إلى أن الأحزاب تتجاهل المثقفين لعدم تأثيرهم في المجتمع، رغم أن مثقفين كبار من أمثال طه حسين وأحمد لطفي السيد صنعوا أحزاباً، واليوم نرى المواطن العادي وعيه أسبق من المثقف.
وضمن الإنتقادات، قال الشاعر أحمد سويلم أن مؤسسات النشر الحكومي بلا رؤية، رغم أن النشر يعد من الصناعات الكبرى في الدول المتقدمة، وعلى العكس الدول النامية التي تعاني الأمية وتراجع مستوى المعيشة، يكون فيها النشر مهنة من لا مهنة له . وطالب الشاعر المركز القومي للترجمة بالعناية بالثقافات الغائبة عنا، كما طالب الهيئات الحكومية بزيادة منافذ توزيع الكتاب ، والإهتمام بالمعارض الدائمة ، وإحياء البحوث الميدانية عن ميول القراء واحتياجاتهم .
وأثار سويلم كذلك موضوع المعونة الأمريكية التي يتهافت عليها كبار الناشرين، متغافلين عن خطورتها وترويجها لكتب تنافي القيم الدينية والمجتمعية مستهدفة الأطفال.