«أشهد أنه لم تثر قط معركة من معارك الحرية بسبب منع كتاب أو إقامة ندوة إلا وكان رأى الناشر إبراهيم المعلم باستمرار مع الحرية، ومع النشر الكامل، وضد كل القيود حتى لو أزعج رأيه السلطات المعنية، وكنت أعلم أنه عندما يعطى إبراهيم صوته لحرية النشر فإنها بذلك تكسب عمودا أساسيا فى البنية الثقافية المصرية»... كلمة قالها الشاعر الكبير فاروق شوشة أثناء حفل تكريم إبراهيم المعلم نائب رئيس اتحاد الناشرين الدولى، والرئيس السابق لاتحادى الناشرين المصريين والعرب نظرا لما قدمه المعلم للناشرين خلال فترة رئاسته للاتحادين. جاء التكريم عقب حفل الإفطار السنوى للناشرين المصريين الاثنين الماضى، وحضره كل من رئيس اتحاد الكتاب الكاتب محمد سلماوى وأمين عام مجمع اللغة العربية الشاعر الكبير فاروق شوشة والدكتور محمد عبداللطيف رئيس اتحاد الناشرين العرب والدكتور عماد أبوغازى الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة والدكتور أحمد مجاهد رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، وأمين عام اتحاد الكتاب الشاعر أحمد سويلم، والناشر عادل المعلم، وأحمد عاطف رئيس غرفة الطباعة وهانى طلبة مدير المركز القومى للترجمة، والناقد الكبير على أبوشادى، محمد رشاد رئيس اتحاد الناشرين المصريين الذى قدم درع الاتحاد إلى المعلم وأحمد منصور الإعلامى بقناة الجزيرة. وبعد الإفطار، توالت شهادة الحضور حول دور إبراهيم المعلم خلال رئاسته لاتحادى الناشرين المصريين والعرب. الدكتور محمد عبداللطيف أشار إلى دور المعلم فى إعادة تأسيس اتحاد الناشرين المصريين واتحاد الناشرين العرب، كما أكد الدور الذى لعبه المعلم فى وضع النشر العربى على الخريطة الدولية بحيث أصبح للناشرين العرب والمصريين حيثية بسبب تولى المعلم منصب نائب رئيس اتحاد الناشرين الدولى. أما الكاتب الكبير محمد سلماوى فبدأ شهادته بتحية اتحاد الناشرين المصريين على التقليد السنوى الذى يجمع أعضاءه فى إفطار جماعى خلال شهر رمضان، والذى زاد عليه هذا العام تكريم المهندس إبراهيم المعلم، الذى شهد له الناشرون بأنه «كبيرهم الذى علمهم النشر». وقال سلماوى إن الاتحاد بذلك لا يكرم ناشرا ينتمى إليه، وإنما علم من أعلام مصر نعتز به جميعا ونكرمه كنموذج نادر للناشر المثقف، وأضاف أن أهم ما يستطيع إنسان أن يقدمه أن يكون نموذجا يحتذى، وإبراهيم المعلم فى هذا السياق نموذج فريد وعظيم. ما يميز دار الشروق أنها متقدمة على عصرها، ملتزمة بحقوق النشر وآدابه» يوضح سلماوى، ويضيف أن المهندس إبراهيم المعلم عندما أعقب والده المرحوم الناشر الكبير محمد المعلم فى إدارة الدار، أجرى عملية تحديث وتطوير من الداخل. وتابع سلماوى قائلا: «من أجل هذا لم أجد عناء كبيرا كى أقنع كاتب مصر الراحل الكبير «نجيب محفوظ» فى أن يعطى حقوق نشر أعماله لدار الشروق، وكذلك ورثة الراحل الكبير توفيق الحكيم». وزاد: كنت بذلك لا أخدم دار الشروق، فهى لا تحتاج إلى ذلك، فالشروق علامة وبصمة كبيرة فى عالم النشر». أما الشاعر الكبير فاروق شوشة أمين عام مجمع اللغة العربية فقال «أعرف فى شخص إبراهيم المعلم، كما فى أخيه الناشر عادل، الضمان الذى نتحسسه فى بداية الأمر لكى نقول إن جذر الشجرة وأقصد الراحل محمد المعلم يقول لنا إنها سوف تكون شجرة مباركة. «كنا فى مدرسة النقراشى الإعدادية النموذجية، أنا معلم وإبراهيم تلميذ». وضحك شوشة: «لا تظنوا أن إبراهيم المعلم كبير السن، فأنا فى الأربعين، وهو فى الثلاثين من عمره». وأضاف شوشة: عن قرب وعن بعد أتابع إبراهيم وأتابع عادل فى مرحلة الحياة الطويلة، عادل آثر أن يكون عمله فى الظل، وتصدى إبراهيم بعد أن أقيمت «الشروق»، وأصبحت لها فروع فى الخارج مثل فرع لندن، وكانت من قبل تحمل اسما عظيما هو دار القلم فى القاهرة، تصدى طيلة الوقت لمسئولية النشر، سواء كان مشاركا فيها بصفة أساسية أو مباشرة، أو كان يخصه ما يخص بقية الناشرين». وزاد: أنا الآن أتحدث عنه وكأنى أهنئه بالعودة إلينا نحن القراء والمهتمين بالكتاب، بعد أن تنحسر عنه هموم النشر وما يثقل كاهل أى متصد للعمل العام فى مصر الآن، ونحن نعلم ما يحدث فى مصر الآن، وماذا حدث للمصريين الآن، وهذا عنوان كتاب نشرته «الشروق»، فدعونى باسمكم أحيى إبراهيم المعلم، وأهنئه باسترداد حريته، وأن المسئوليات التى تلقى الآن على الإنسان الجميل والمخلص محمد رشاد هى مسئولية ثقيلة، لكنى أقول: يجمع بين الرجلين خلق كريم، ووطنية أصيلة، وحب طاغ للمعرفة وإيمان بالنشر باعتباره رسالة توازى رسالة الأنبياء». أعقب ذلك كلمة د.عماد أبوغازى، الذى بدأها بتحية المعلم واصفا إياه بأنه علم من أعلام صناعة النشر والكتاب فى مصر، لافتا إلى الدور المهم الذى لعبه المعلم فى صناعة النشر التى تعد من أهم الصناعات الثقافية فى مصر والنهوض وإحياء اتحاد الناشرين المصريين وتحويله من مؤسسة راكدة لا يسمع عنها أو يشعر بها أحد، إلى واحدة من مؤسساتنا الثقافية المهمة، معيدا لها تأثيرها فى حياتنا الثقافية. وأكد أبوغازى أن إبراهيم المعلم أعطى مثلا يحتذى عندما قرر وهو رئيس اتحاد الناشرين العرب أن يرسخ لفكرة تداول السلطة فى المؤسسات الخاصة ثم كررها مع اتحاد الناشرين المصريين. وداعب أبوغازى سلماوى وضحك قائلا: «وأنت كذلك فعلت يا أستاذ سلماوى». وأما محمد رشاد رئيس اتحاد الناشرين المصريين فأكد فى كلمته أن قرار تكريم إبراهيم المعلم هو أول قرار اتخذه مجلس إدارة اتحاد الناشرين المصريين عقب تشكيل هيئته الجديدة، قائلا: يعود إلى المعلم الفضل فى تغيير وتطوير شكل الكتاب المصرى وذلك استكمالا لدور والده الراحل. وكما كان له الفضل فى إعطاء الأهمية للناشرين فى تعامل الأجهزة المعنية معهم. وختم رشاد كلمته قائلا: أستاذ إبراهيم المعلم نعتبرك رمزا من رموز النشر فى مصر والعالم العربى. بعد تكريمه، قال إبراهيم المعلم «بداية أشكركم على مشقة الحضور للقائنا السنوى. والتكريم الحقيقى لىّ هو ما تم من إنجازات فى اتحاد الناشرين». لكنه استدرك قائلا: «نظرا لوجود أستاذى فاروق شوشة واحتراما له فلن أتحدث باللغة العربية الفصحى». وحكى أن كل مدرسة النقراشى سُحرت ببلاغته، لدرجة أن ناظر المدرسة اقترح عمل مسابقة لإلقاء قصة بالإنجليزية بين الأستاذ فاروق شوشة ومدرس اللغة الإنجليزية، وكان الحكم هو تصفيق التلاميذ. وبعد إلقاء شوشة للقصة بالإنجليزية كان هناك تصفيق حاد لبلاغته وجماله. وذكر المعلم أن أكبر تكريم له وللاتحاد هو ازدياد النجاح وارتفاع البنيان، وأن المهم الاستمرار والبناء على ما أنجزناه والارتقاء بالاتحاد. وقال: لا بد فى هذه الاحتفالية أن نتذكر رفاقا وأساتذة لنا منهم المرحوم حسن عاشور ومجدى إبراهيم ومحمد حسن. وأضاف المعلم: إن قانون تأسيس اتحاد الناشرين المصريين فى عهد الرئيس جمال عبدالناصر كان مكونا من 19 عضوا، عشرة منتخبين، و9 معينين ممثلين عن الوزارات المعنية كوزارة الثقافة والتعليم والمالية والهيئة العامة للكتاب. ولقد كان لهؤلاء سابقة رائعة فى مساعدتنا للنهوض بصناعة النشر والارتقاء بالثقافة، ويحضر منهم معنا اليوم اللواء عادل شعبان وأحمد صلاح وفاروق عبدالسلام. وزاد أن تأسيس الاتحاد الدولى للناشرين جاء نتيجة المطالبة بحرية النشر وتداول الكتب، والحفاظ على حقوق الملكية الفكرية أى إبداع الإنسان. وحرية النشر تأتى بعد تأمين سلامة حياة المؤلف والناشر. وفى كلمته كان باديا أن إبراهيم المعلم أراد أن يخرج حفل تكريمه عن مساره المحدد، وهو تكريمه لجهده فى تطوير صناعة النشر وحماية حقوق الناشرين أثناء رئاسته لاتحاد الناشرين المصريين إلى طرح هموم الناشرين وصناعة الكتب إذ قال: «حركة النشر والكتاب بالغة التأثير فى العالم، إذ بلغ حجم صناعة النشر فى العالم وفقا لإحصائية عمرها 3 سنوات 225 بليونا دولار، كان نصيب المطبوعات الورقية منها أى الكتاب والصحف 90 بليون، وهو رقم يفوق حجم إصدارات السينما فيما بلغ حجم ما نشر من إصدارات الموسيقى 19 بليون دولار». وأشار إلى أن «حركة النشر فى مصر تنمو، ولكنها ما زالت فى حدود 4 فى الألف من حركة النشر فى العالم». ولفت المعلم إلى أن هناك تقدما فى حركة النشر، إذ إن مجموع الكتب التى صدرت فى مصر فى بداية القرن العشرين نحو 600 كتاب فى السنة أما العام الماضى فتقدمت دار الكتب نحو 20 ألف كتاب فى السنة، وهذا يدل على التقدم. ولا شك أن التقدم يتجسد جليا فى كتب الأطفال. وذكر أنه أيضا من العلامات المضيئة فى تاريخ النشر أن هناك عشرة أدباء مصريين تترجم كتبهم إلى عشرات اللغات الأجنبية. وبنوع من التحسر ذكر المعلم أننا نعانى من ضعف الاعتماد على الأرقام والحديث عن التقريب فقط دون الإدلاء بإحصاءات وأرقام، وقال «حتى الآن نؤكد أن إنتاج الكتب الورقية أكثر من السينما أو الموسيقى». وأشار إلى أن الطرف المهم فى صناعة الكتب هو الكتاب المدرسى الذى يؤثر فى المجتمعات. وضرب المعلم أمثالا كثيرة بالأرقام توضح مدى أهمية الكتابين المدرسى والجامعى، إذ أشار إلى أننا لدينا نحو 18 مليون طالب فضلا عن 700 كلية، فتخيلوا كم عدد الكتب سواء المدرسية أو الجامعية ولدينا 700 كلية تضم كل كلية عادة 4 سنوات دراسية فإذا كان كل طالب جامعى يشترى عشرة كتب فى السنة يكون لدينا تقريبا 28 ألف عنوان سنويا، لافتا إلى أن إسبانيا لا يوجد لديها مثل هذا العدد من القراء. وقال إننا ننسى هذه الأرقام فى حديثنا عن الواقع الثقافى. وتطرق المعلم إلى نظام التعليم فى مصر، قائلا إننا نعانى انقساما فى التعليم، تتمثل فى تعليم أجنبى وتعليم حكومى، وبالتالى فلدينا طالبان أحدهما يدرس منهجا حكوميا ولا يصلح نهائيا للتعليم، وآخر يدرس منهجا أجنبيا متطورا من حيث تقدم المناهج وروعة الكتاب الدراسى من حيث المحتوى والشكل، وفى النهاية يتوفر لخريجى المدارس والجامعات الأجنبية مستويات تعليمية أرقى وأكثر تقدما، وبالتالى يحصلون على فرص وظيفية أكثر وأعلى ويبقى خريج الجامعات الحكومية بلا عمل أو برواتب زهيدة جدا.. والنتيجة المباشرة لهذا الانقسام فى التعليم هى الانقسام فى الوطن. وخاطب المعلم الناشرين المصريين قائلا «عليكم أخذ عظة من اتحاد الناشرين الدولى فأهم ما يدفع النشر للتقدم ومن ثم إيجاد مناخ مشجع على القراءة والثقافة أن تتوفر ركيزتان: الأولى حرية النشر وحرية انتقال الكتب عبر الحدود وقبل ذلك حرية المؤلف والناشر. والركيزة الثانية بالغة الأهمية هى حماية حقوق الملكية الفكرية بحيث يأخد المبدع حقوقه بما يساعده على مزيد من الإنجاز والإبداع فى شتى المجالات، موضحا أن حقوق الملكية الفكرية هى ما يدعم تقدم الاختراعات الطبية ونهضة العلوم. وشدد المعلم على أن قضية مصر الكبرى والأولى والأخطر هى التعليم وإذا لم يتطور ويتقدم سيكون مستقبل الوطن فى خطر حيث لا كوادر مهنية مدربة فى كل المجالات، بحيث سيكون لدينا مهندسون وأطباء وحرفيون ليسوا على المستوى المطلوب. وأكد أن بناء الوطن لن يتحقق إلا بالتعليم الجيد وحرية النشر وحماية حقوق الملكية الفكرية ودون ذلك لا عدالة ولا مساواة ولا ديمقراطية، بل شللية وبيروقراطية وفساد تمارسه مجموعات تسيطر وفى سبيل مصالحها الضيقة تضر بالوطن، لافتا إلى أننا نستطيع تحديث المناهج التعليمية لو أردنا فالعالم كله مفتوح على بعضه ويمكننا الحصول على مناهج تعليمية متطورة وتمصيرها. وشدد المعلم على أن «الحرية تبنى الأوطان والديكتاتورية تهدمها: وتابع المعلم قائلا: «لا شك أننا نعانى من مشكلة التعليم فالتعليم المصرى غير قادر على المنافسة سواء فى الداخل أو الخارج، فإن حركة النشر فى العالم تشهد تقدما فى صناعة الكتاب التعليمى، وهذا ما أرجوه وألُحُ عليه أن يكون اتحاد الناشرين المصرى هو الحامى الأول للتعليم، فلا يعقل أن يسعى اتحاد الناشرين للنهوض بالكتاب التعليمى وحقوق الملكية الفكرية مهدرة، كأننا نساعد على نشر الفساد، مثل الشركات التى تحتكر صناعة ما، فيصبح التعليم بذلك عاملا سريا وإظلاميا يهدم الحياة، وكذلك فبدون حرية النشر وتداول الكتب بين البلاد فليس لنا أى أمل فى ازدهار ثقافى، وبدون الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية فلا أمل لنا فى الحياة، وهذا هو الفرق الشاسع البين بين دولة تتقدم وتنمو ودولة تقف وتعود للخلف.