الموقف الأخلاقي، بشأن "حقوق الإنسان".. من المفترض أنه لا يتجزأ، بغض النظر عن الهوية السياسية أو الدينية أو العرقية، لمن يتعرض للانتهاكات. في مصر، يظل الدفاع عن"حقوق الإنسان" مرهونا ب"الهوية".. وقد تتسع لتعتمد على الفرز على أسس عائلية أو طبقية أو منهية..بالشكل الذي يجعل هذا "الحق" ملكية لكل صاحب وجاهة اجتماعية أو سياسية.. أو للرفيق أو الزميل أو العضو في الحزب السياسي أو الأخ في التنظيم الديني وحسب. قبل ثورة يناير وبعدها على سبيل المثال لا يتطوع المحامون للدفاع عن "حرية الرأي" إلا إذا تعرض رئيس التحرير، إلى الملاحقات الأمنية والقضائية.. هو الاهتمام الذي لا يمكن أن تجده،حال كان الملاحق، صحفيا صغيرا، لا ينتمي إلى فصيلة "رؤساء التحرير".. فالمسألة هنا لا يحكمها الإيمان المحض، بحق إبداء الرأي في المطلق.. وإنما تخضع للفرز "الطبقي" إذ يتوقف الدفاع على منزلة الشخص "المهنية الطبقية" داخل المؤسسة. في شهر سبتمبر من عام 2011، قتل نحو 22 قبطيا دهسا بالمدرعات، أمام ماسبيرو.. وتعاطف معهم بعض النخبة، ليس بوصفهم مواطنين تعرضوا للانتهاكات.. وإنما بنية التوظيف السياسي، ضد النخبة العسكرية التي كانت حاكمة آنذاك.. بوصفهم من "الأقلية" القبطية التي يهتم الغرب بحقوقهم الدينية.. حيث استثمرت دماء الأقباط، ل"معاقبة" العسكر، الذين كانوا على خصومة سياسية مع قطاع كبير من النخبة المدنية.. فيما تواطأ الإسلاميون على المجزرة.. بوصفهم أداة في يد الكنيسة المعارضة لتحالف جنرالات الجيش مع الإسلاميين في ذلك الوقت. وفي نوفمبر من العام ذاته 2011.. قتل نحو 55 شابا في أحداث محمد محمود،وتحولت دماء الضحايا، إلى أدوات للصراع على السلطة بين العسكر والمعارضة المدنية.. فيما برر الإسلاميون المتحالفون آنذاك مع المجلس العسكري تصفيتهم جسديا بوصفهم "بلطجية" خارجين على القانون. يوم 8 يوليو الجاري، وقعت مذبحة الحرس الجمهوري، واستخدمها الإخوان للتشهير بالجيش لاستدرار تعاطف الرأي العام المحلي والدولي، مع قضيتهم.. فيما سكتت عنها القوى المدنية، لأن الضحايا كانوا من خصومهم السياسيين. وفي فجر يوم 27 يوليو.. تعرض مؤيدو الرئيس السابق، لمذبحة مروعة أمام المنصة بضاحية مدينة نصر.. استثمرتها الجماعة كالعادة.. فيما لم تخف التيارات السياسية المدنية، غبطتها وسعادتها، بل ووفرت الغطاء الإعلامي المبرر للمذبحة، والمحرض على تكرارها.. رغم بشاعتها وخروجها على كل ما هو أخلاقي وإنساني أو ديني. وخلاصة القول هنا إن الطبقة السياسية في مصر، لا تؤمن ب"حقوق الإنسان" في المطلق .. ولكنها تستخدمها كأداة من أدوات الصراع.. ولا تعتبره حقا إلا إذا خدم على أجندتها السياسية.. بلغت حد تحويل دماء الضحايا وآلام المعذبين في السجون والمعتقلات، إلى نجومية، ومناصب وشيكات وحسابات بنكية.. وهي الظاهرة التي تنشط بين تلابيبها، الأجهزة الأمنية الفاشية، ويصبح من الصعوبة السيطرة على توحشها، أو كف أذاها عن الناس.