لؤى حمزة عبّاس تمنحنا مراجعة ما أنجزته الثقافة العراقية خلال عام منظوراً مهمّا لقدراتها على بناء مشهد ثقافى تعزّزه فى العادة قوة المشاريع الفردية ويُسهم العمل المؤسسى ببلورته وتنظيم مجرياته فى نتائج تتخذ صيغة عمومية فاعلة، إذ يُلاحظ على العام المنصرم فاعلية المشاريع الفردية، وفى مقدمتها: مشاريع شبابية فى مختلف ضروب الإبداع السينمائى والمسرحى والإنتاج الأدبي، الشعرى والنثري، لتكون تجارب الشباب، ومنهم من ينشر لأول مرّة مثل: زين حسين، وحسن عائد، وكرّار رحيم، وتجارب شعرية أخرى تواصل خطواتها المؤثرة مثل: فارس حرام، وعلى محمود خضيّر، وإيهاب شغيدل، وزاهر موسى، وصالح رحيم، وأحمد ساجت شريف، ومهند الخيكاني، وإحسان المدني، مؤشراً على حضور الأثر الشاب الذى يتشكّل بدأب، فضلاً عما تحقّق من خلال أنشطة الاتحاد العام للأدباء والكتاب وقد شكّلت (جائزة الإبداع الشبابي) فيه مؤشراً مضافاً، إذ واصل الاتحاد عنايته بالأدباء الشباب عن طريق مسابقته الأدبية التى أُعلن عنها مطلع العام 2025، لتُستقبل النتاجات وتتم خبرتها من المعنيين فى حقول (الشعر، القصة، الرواية، المسرح) وبعد إعلان نتائج المسابقة، أقيم حفل رسمى وُزعت فيه الجوائز، تزامناً مع مسابقة للقصيدة، شهدت فوز مبدعين من الدول العربية ومن العراق، ضيّفهم الاتحاد فى ربوع بغداد خلال شهر تشرين الأول. وعلى مستوى المنشورات، فقد أصدر الاتحاد لهذا العام (85) كتاباً متنوعا فى مجالات الأدب المختلفة، ضمت عناوين لكتب مترجمة فى السيرة والنقد والمذكرات، فضلاً عن نشر نتاجات المبدعين العراقيين وقد اعتمد الاتحاد رؤية ثقافية فى منشوراته تنطلق من رصانة المحتوى وجدّته، مع ابتكار التصميم وجماله، ليظلَّ الكتاب أيقونة تحتوى الفكر والمعرفة إلى جوار الجمال. مثلما واصلت دار الشئون الثقافية العامة طموحها فى الارتقاء بصناعة الكتاب والانتقال به من طبيعة الإنتاج الجزئى إلى المشروع الثقافي، وذلك ما تحقق عبر ما أُنتج ضمن خطة العام 2025 من إصدارات كانت الذروة فيها اصدار الأعمال الكاملة لمبدعين عراقيين تتولاها للمرة الأولى مؤسسة عراقية، مثل: عبد الوهاب البياتى وبلند الحيدرى وأحمد الصافى النجفى وسواهم، إلى جانب اصدار الأعمال الشعرية لمحمود البريكان، بما حملته من دلالة عبر حضور أعمال مبدع شكّل حالة خاصة فى الإبداع العراقى بما عُرف عنه من ندرة النشر والظهور، مثلما عُدَّ (ملتقى البريكان) المقام فى البصرة، مدينة الشاعر، بالتعاون بين دار الشئون الثقافية وكلية آداب جامعة البصرة، واتحاد أدباء المدينة، حدثاً ثقافيا تعدّى حقل إبداع البريكان ليصبَّ فى حقول النقدية العراقية وهى تواجه إبداع الشاعر (مكتملاً) للمرّة الأولى. ومن بين أهم الأحداث السينمائية التى شهدتها الساحة الفنية العراقية خلال العام إطلاق منحة مبادرة السينما بدعم من رئاسة الوزراء واشراف ومتابعة وزارة الثقافة التى أسفرت قائمتها النهائية للأفلام المقبولة بالمنحة عن تمويل نحو 53 فيلما سينمائيا بين الإنتاج والتطوير وما بعد الإنتاج، وتضمنت أفلاما روائية ووثائقية بين طويل وقصير. كما شهد العام الحالى إقامة عدد من المهرجانات المهمة كمهرجان بغداد السينمائى بدورته الثانية، ومهرجان العراق السينمائى الدولى لأفلام الشباب بدورته الأولى، ومهرجان السليمانية السينمائى الدولى بدورته الخامسة، ومهرجان دهوك السينمائى الدولى بدورته الثانية عشرة، فضلا عن ورش التدريب المختلفة التى أقامتها مؤسسة بغداد للأفلام لتطوير ودعم مواهب السينمائيين الشباب. كما نالت بعض الأفلام السينمائية العراقية حضورا مميزا فى كبرى المهرجانات السينمائية فى العالم، حيث حصل فيلم «كعكة الرئيس» للمخرج حسن هادى على جائزتين من مهرجان كان السينمائى الدولى بدورته الثامنة والسبعين، فيما وصل الفيلم ذاته مؤخراً الى القائمة القصيرة لأفضل فيلم أجنبى فى قائمة جوائز الأوسكار للعام الحالي. ومن شأن كل تلك الأنشطة إشاعة حراك فنى جديد وتطوير وتفعيل الصناعة السينمائية فى العراق وتعزيز وإثراء الثقافة السينمائية التى تسعى على الدوام لاستقطاب الجمهور وتشجيعه على الحضور والتفاعل، بشكل يعيد للسينما العراقية روحها وألقها المنشود. وفى الجانب المسرحي، حافظ المسرح العراقى على تميزه وحضوره العربى من خلال أنشطة دائرة السينما والمسرح التى حرصت على الحضور من خلال المشاركات الخارجية، حيث تنافست مسرحية (سيرك) تأليف وإخراج جواد الأسدى وتمثيل شذى سالم وأحمد شرجى وعلاء قحطان على جائزة الشيخ القاسمى حاكم الشارقة، المشاركة فى مهرجان الهيئة العربية للمسرح الذى أقيم فى سلطنة عمان، وكذلك حصل العرض فى مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى (الدورة 32) على جائزة التمثيل النسائى والرجالى للفنانيين شذا سالم وعلاء قحطان. كما حصل على جائزة النص، وترشح لأغلب جوائز المهرجان وهذه سابقة فى المسرح العراقى بأن يحصل عرض على ثلاث جوائز. واستمر تميّز المسرح العراقى عربياً من خلال مهرجان قرطاج الدولى (الدورة 26) بحصول مسرحية (الجدار) نص حيدر جمعة وإخراج سنان العزاوى على جائزة التانيت الفضى لأفضل عمل متكامل وكذلك جائزة السينغرافيا لعلى السوداني، ولعل النشاط الأبرز فى عام 2025 للمسرح العراقى هو استمرار مهرجان بغداد الدولى للمسرح فى دورته السادسة التى شاركت فيها العديد من الدول الأوروبية والاسيوية والعربية وفازت الهند بجائزة المهرجان كأفضل عمل متكامل، وحصل فيه العراق على ثلاث جوائز توزعت على مسرحية (مأتم السيد الوالد) لمهند هادى الذى حصل على جائزة أفضل مخرج وكذلك أفضل سينغرافيا لمحمد رحيم ومحمد النقاش، وحصل علاء قحطان على جائزة أفضل نص عن مسرحية ( طلاق مقدس)، فيما حصل الفنان مازن محمد مصطفى على جائزة أفضل ممثل عن مسرحية (عزرائيل) فى مهرجان بجاية، بالجزائر. فيما واصل الجيل المسرحى الجديد حضوره فى المهرجانات العربية والدولية وحصول نجومه الشباب على الجوائز الشخصية وأفضل عرض مسرحى مثل: مرتضى نومى والممثلة كاترين والممثل الشاب حسين مالتوس. ومن الضرورى الإشارة إلى ما أنجزته المحافظاتالعراقية من نشاط مسرحى من خلال مهرجانات تُعيد المدنية وترسخ الفعل الثقافي، من خلال مهرجان (الحسينى الصغير) فى مدينة النجف، ومهرجان (ينابيع الشهادة) فى مدينة الحلة وغيرها من الأنشطة المسرحية التى تسعى للاختلاف والتميز. ويسعى المسرح العراقي، من خلال تلك الأنشطة، إلى تناول موضوعات تثير الأسئلة وتدعو المتفرج إلى إعمال الفكر، من خلال عروض مسرحية تتناول المسكوت عنه مثل: عرض (سيرك) و(طلاق مقدس) ومسرحية (الجدار) التى أثارت الكثير من الأسئلة، ولا ننسى الحضور الشخصى للفنانين العراقيين فى المهرجانات العربية والدولية ومشاركاتهم فى المؤتمرات الفكرية ولجان التحكيم، ليبقى المسرح العراقى صاحب بصمة مهمة فى المسرح العربي. ومن المبادرات الثقافية التى أقيمت فى العام 2025 (جائزة الرواية العربية) بدورتها الثانية، التى تقيمها مؤسسة الخلق العظيم التابعة للعتبة الحسينية المقدسة، وهى مسابقة سنوية تستقطب الروايات المكتوبة باللغة العربية، لتفوز فيها عشرون رواية، عشر روايات فى فئة كبار الكتاب، وعشر فى فئة الكتاب الشباب. وقد فاز فى الدورة الثانية روائيون من العراق ومصر والجزائر وسوريا وفلسطين والسودان وبلجيكا وأمريكا، بعد أن وصل عدد الروايات المشاركة إلى أكثر من 600 رواية. وكان حفل توزيع الجوائز بمثابة مهرجان أدبى جمع بين الأدباء العرب والعراقيين للاحتفاء بالأدب والرواية. وقد عبر بعض الأدباء العرب المشاركين والضيوف، عن إعجابهم بفكرة تبّنى مؤسسة دينية مسابقة أدبية، وانفتاحها على مجالات الإبداع، مشيرين إلى أهمية المبادرة فى التقريب بين الفضائين العراقى والعربي، ودعم الأدب عمومًا والرواية بالخصوص؛ من خلال الترويج لها وطباعتها ونشرها. مثلما عُدّت الجائزة حراكًا إيجابيًا لم يشهده العراق من قبل، صحيح أن المؤسسة الراعية للجائزة تحدّد بعض الشروط لفوز النصوص، لكن هذا التحديد لا تخلو منه أية جائزة، ولعل ما يميز الكاتب المبدع أنه يصنع أدبًا خاصا متميزًا حتى لو كان محاطًا بالمحددات والأطر. ولعل ما يستحق الإشارة بين ما تحقّق خلال العام هو وصول رواية ضياء الجبيلى (الرائي) للقائمة القصيرة لجائزة البوكر، والتواصل الفاعل تجارب إبداعية مؤثرة مثل: لطفية الدليمي، فى مجالى التأليف والترجمة، وزهير الجزائرى عبر إنجاز يومياته بثلاثة أجزاء بعنوان (موجات مرتدة)، وميسلون هادي، وعلى بدر، وشاكر الأنباري، وعبد الستار البيضاني، وكريم شغيدل، وعلى حسين، وطالب عبد العزيز، ولؤى حمزة عبّاس الذى واصل مشروعه فى قراءة الذات العراقية عبر إصدار كتابه الثالث منه الذى حمل عنوان (بيت دافئ مضيء، البيت فى الثقافة العراقية).