ليس من المبالغة في شئ ما ذهب إليه بعض الكتاب والمحللين من أن زيارة الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي للسودان كانت الزيارة الأهم والأخطر فيما يخص مستقبل مصر السياسي والاقتصادي فالعلاقات المصرية – السودانية يمكن وصفها بأنها علاقات فوق عادية تتجاوز حدود ما تم التعارف عليه فيما يخص العلاقات الدولية وهو الأمر الذي تدركه كل من قيادتي الدولتين على مر العقود والأحقاب لهذا وعلى الرغم من أن الزيارة لم تكن الأولى للدكتور مرسي على المستويين الدولي والعربي لكنها عكست إلى أي مدى تحرص الإدارة المصرية الجديدة على توطيد العلاقات الثنائية مع السودان كونها جاءت في ظل ظروف سياسية وأمنية غاية الصعوبة تمر بها البلاد وفي هذا إشارة إلى أن أغلب الأطراف السياسية المصرية إسلامية وغير إسلامية وعلى الرغم من اختلافها الأيدلوجي لا تنظر إلى السودان باعتباره عمقا إستراتيجيا على المستوى الأمني فحسب أو حتى لكونه حاضنا لنهر النيل بل لأنه وبحسبان الكثير من هذه الأطراف يمثل الحل الأمثل الذي يمكن أن يلجأ إليه المصريون للانعتاق من المشكلات الغذائية والأزمات الاقتصادية التي تواجه مصر فالسودان بلد غني بثرواته الطبيعية وبما يملكه من أراضى ومساحات شاسعة صالحة للزراعة. كذلك فإن حديث البعض عن حتمية التقارب المصري السوداني وأهميته بعيد تمام البعد عن الاستنتاج والتخمين فهو نتيجة لاستقراء تاريخي البلدين المشترك إذ تؤكد الأحداث أنهما استطاعا بتوحدهما في حقب التاريخ المختلفة أن يبنيا دولة عظمى تحولت لإمبراطورية مترامية الأطراف نجحت وعبر قرون طويلة من الزمان في أن تكون صاحبة الكلمة المسموعة واليد الطولى ومن ثم فإن استعادة هذا المجد أو حتى السعي لبناء دولة قادرة على مواجهة التحديات الصعبة التي تمر بها كلا الدولتان في الوقت الراهن لا يمكن مطلقا أن يتم بعيدا عن تفعيل التعاون بين البلدين خاصة وأنهما يمتلكان المقدرات التي تمكنهما من أن يحققا حالة من التكامل الاقتصادي الغير مسبوق. ولقد كان كل ما سبق أمام ناظري الحركة الوطنية المصرية التي اهتمت أيما اهتمام بالعلاقة مع السودان منذ أن استشعرت هذه الحركة الوطنية ما يحاك بهذه العلاقة من مؤامرات وهي الحالة التي تعود إلى زمن الاحتلال البريطاني لكل من مصر والسودان حيث سعى هذا الاحتلال إلى دق الأسافين فيما بين الشعبين الشقيقين فضلا عن إقامة عدد من العقبات والعراقيل التي قصد بها أن تكون حائلا في الحاضر والمستقبل أيضا أمام توحد البلدين وتوثيق علاقاتهما فالاحتلال البريطاني وعندما أنشأ مثلا السكك الحديدية في مصر أنشأها على يمين نهر النيل عند الاتجاه للجنوب المصري فيما أنشأها على يسار النهر عند الاتجاه من شمال إلى جنوب السودان فضلا عن اختلاف المسافة بين قضبي القطار في كل البلدين إذ كان يستهدف إعاقة اتصال خطي القطار بين مصر والسودان وهي المشكلة التي تعانيها البلدان حتى الآن. وفي هذا السياق فقد تضمنت برامج الكثير من الأحزاب السياسية المصرية قبل ثورة يوليو 1952م العديد من النقاط الخاصة بالسودان والتي كشفت عن قدر الاهتمام لدى هذه الأحزاب بالمسألة السودانية فها هو زعيم حزب الوفد المصري القديم مصطفى باشا النحاس يقول وفي عبارة صريحة "تفصل يدي ولا تفصل السودان عن مصر" فيما كان البند الأول من برنامج الحزب الوطني بزعامة مصطفى كامل "استقلال مصر مع سودانها وملحقاتها استقلالاً تاما غير مشوب بأية حماية أو وصاية أو سيادة أجنبية أو أي قيد يقيد هذا الاستقلال في حين كان من أهم المبادئ العشر لحركة مصر الفتاة بقيادة أحمد حسين "بلدك مصر والسودان لا ينفصلا ولا يتجزأن". بين الاقتصادي والسياسي ليس من شك في أن الدافع الرئيس وراء زيارة الدكتور مرسي للسودان في هذا التوقيت هو دافع اقتصادي بحت إذ يدرك كلا النظامان في القاهرةوالخرطوم أن مسألة التأكيد على الوشائج والصلات بين البلدين هو أمر مفروغ منه على المستوى السياسي الرسمي أو الشعبي خاصة وأن النظامين السياسيين في كلا البلدين ينطلقان في تصوراتهما من رؤية سياسية واحدة تقريبا بغض النظر عن بعض الخلافات الفرعية. كما يدرك النظامان أنه ليس من الحكمة إثارة بعض القضايا الخلافية السياسية في الوقت الحالي والذي يشهد حالة من تربص بعض الأطراف السياسية المعارضة للسلطتين في كل من البلدين وإن زادت حدة هذا التربص فيما يخص الطرف المصري فالنظر لهذه القضايا فضلا عن التوصل لحلول لها كفيل بأن يفتح الباب أمام معارضة أيهما إلى الإسراع لاتهام سلطة أي من الدولتين بالتواطئ مع الطرف الآخر لصالحه ضد مصالح الوطن. وعلى الرغم من تأكيد كل من البلدين على أن المسائل الخلافية لم تكن مدرجة على جدول أعمال لقاء الرئيسين مرسي والبشير إلا أن هذه الأطراف المعارضة أصرت على أن تنهج نهج الاصطياد في الماء العكر وحاولت عبر الإعلام أن تروج زورا وبهتانا أن الرئيس مرسي أفصح عن تبنيه لموقف سياسي خاص بقضية حلايب وشلاتين يختلف عن الموقف الذي أعلنت الإدارة المصرية عن تبنيه منذ زمن تفجر القضية بعد ثورة يوليو 1952م الأمر الذي كشف عن رغبة أكيده لدى هؤلاء لتشويه صورة الرئيس مرسي والطعن في قدرته على التمسك أو حتى الدفاع عن الحقوق المصرية أمام السلطات السودانية الأمر الذي دفع الرئاسة المصرية أن تكرر نفي تلك الادعاءات وتؤكد أن هذه القضية لم تكن من أساسه على جدول المباحثات بين الرئيسين. كذلك وانطلاقا من العمل على إفشال الرئيس مرسي بغض النظر عن المصالح المصرية فإن الأطراف الرافضة لبقائه تسعى إلى قطع التواصل مع السودان ذلك أن التواصل مع الخرطوم يمكن أن يساهم في إنجاح مرسي وهو ما يجب أن لا يكون. ومسألة التواصل ليست مستهدفة مصريا فحسب بل أيضا على مستوى بعض الأطراف المعارضة بالسودان وهو ما دفع مثلا السيد نافع علي نافع مساعد الرئيس السوداني إلى القطع في تصريحات له بأن السودان يرى أن علاقاته مع مصر مستهدفة "من قصيري النظر من أبناء البلدين الذين تعميهم المعارضة السياسية للحزبين ويستهدفون العلاقات المصرية السودانية" مضيفا "لن نجعل من تلك القضايا الخلافية أمرا يشغل مصر الآن لأنها تتصدى لقضايا كبيرة جداً وأن هذه الخلافات ستدرس لاحقاً في إطارها وحجمها ونسبتها إلى المصالح الكبرى بين الشعبين". انطلاقة المستقبل مظاهر الترحيب التي استبقت بها الأحزاب السودانية وعلى رأسها حزب المؤتمر الوطني الحاكم زيارة الرئيس مرسي للخرطوم كانت خير دليل على أن النظرة المصرية للسودان ليست نظرة أحادية الجانب فالخرطوم ومع التوتر الذي شهدته العلاقات المصرية – السودانية خلال عهد المخلوع حسني مبارك تتعاطى مع ملف العلاقات المصرية – السودانية باعتباره أحد أهم الملفات الخارجية انطلاقا من كون مصر أيضا تمثل للسودان العمق الإستراتيجي ليس في الشمال فحسب ولكن أيضا في علاقات السودان بجنوبه وبالبلدان الإفريقية ذلك للدور المصري المؤثر في القارة الإفريقية بأكملها والذي يفسر حرص المعارضة السودانية بكافة أطيافها على التواصل مع الإدارة المصرية والأحزاب المصرية بل وحرص الإنفصاليين الجنوبيين أنفسهم على التواصل مع الإدارة المصرية زمن مبارك على الرغم من إدارك الجنوبيين أن مصر كانت تقف معارضة ضد الانفصال لكنه لم يكن متصورا لديهم أبدا أن يكونوا على علاقة عدائية أو حتى فاترة مع مصر. لكن بدا جيدا سواء من خلال زيارة البشير لمصر والتي كانت أول زيارة عربية للقاهرة بعد تولي مرسي للحكم أو زيارة مرسي للخرطوم والتي جاءت بعد نحو تسعة أشهر من توليه للسلطة أن كلا الرئيسيين حريصان على أن يتجنبا قدر إمكانهما ما يمكن أن نسميه بالملفات الشائكة إذ كل منهما يريد أن ينطلق مما يعود بالفائدة على البلدين ويرسخ لعلاقات دائمة وثابتة وهو كثير وفق تصور الخبراء في مختلف المجالات وهو الأمر الذي حدا بالزعيمين إلى أن يركزا جل مباحثاتهما على ما هو متعلق بالجوانب الاقتصادية والتنموية ما مكنهما من الاتفاق على إقامة العديد من المشروعات بلغت وفق بعض الإحصائيات 162 مشروعا تعد فتحا اقتصاديا لكلا البلدين والتي كان من بينها: 1- إقامة طريق بري يربط بين البلدين من أجل تسهيل مرور البضائع والأفراد والذي سيتم افتتاحه قريبا بعدما يتم الانتهاء من إنشاء ميناء قسطل البري الذي كلف نحو 47 مليون جنيه حيث سيساهم كل من الطريق البري والميناء بشكل مباشر في إحداث نقلة نوعية مهمة في حركة لتبادل التجاري والاستثمار بإضافة سوق حرة جديدة تعمل على تنمية حركة الصادرات والواردات من البضائع والثروة الحيوانية علاوة على حركة المسافرين. كما سيوفران نحو 1000 دولار لكل طن من البضائع يتم نقله من بلد لآخر حيث يكلف النقل الجوي للطن 1200 دولار فيما ستكون تكلفة النقل عبر الميناء والطريق نحو 200 دولار فقط. 2- تدشين منظمة للسياحة الأفريقية على غرار المنظمة العالمية حيث أكد وزير السياحة المصري أنه تم توقيع برنامج تنفيذى للتعاون السياحى بين مصر والسودان يشمل عددا من البنود التى تغطى العديد من المجالات السياحية ومنها: التنشيط والترويج السياحى. 3- الاتفاق بين الجانبين على التعاون في مجال تطوير الصناعات وخاصة الصغيرة والمتوسطة وإنشاء المدن الصناعية وتوسيع نطاق نقل الخبرة بين البلدين وتوسيع النشاط التدريبي بإقامة مراكز متخصصة والإسراع في زيادة معدلات حركة التجارة بين البلدين وتشجيع المستثمرين من الجانبين عبر إنشاء آلية مشتركة لتسهيل المعاملات ومعالجة مشاكل تراكم متحصلات الشركات عبر البلدين. كما تم الاتفاق على الاستفادة من الخبرات المصرية في مجال الصناعات التعدينية والتنقيب على المعادن وخاصة في مجال الذهب". 4- الاتفاق على افتتاح فرع للبنك الأهلي المصري في السودان والذي سيؤدي إلى تسهيل العديد من المعاملات التجارية بين البلدين حيث سيقوم البنك بضخ استثمارات في السودان تقدر بنحو 500 مليون دولار على مدار السنوات الثلاث القادمة من شأنه أن يؤدي إلى دخول العلاقات الاقتصادية بين البلدين لمرحلة جديدة يمكن أن تساعد في تنشيط الاقتصاد السوداني وفي الوقت نفسه تؤدي إلى خلق مصلحة مشتركة. 5- اتفق الجانبان أيضا على بعض المشروعات المتعلقة بالأمن الغذائي وفي مقدمتها المزرعة المصرية بالولاية الشمالية بالسودان ومزرعة الإنتاج الحيواني. وستساهم المزرعة الشمالية في التقليل من استيراد مصر للقمح من دول أخرى فيما سيتم زراعة عشرات الآلاف من الأفدنة بنبات دوار الشمس لتحقيق الاكتفاء الذاتي من زيت دوار الشمس والذي سيبدأ إنتاجه في غضون أشهر قليلة وسيمكن مصر من تقليص الواردات التي تلتهم احتياطياتها من العملة الصعبة. كذلك تم الاتفاق على إنشاء مزرعة مشتركة بين البلدين على مساحة عشرة آلاف فدان لاستخدامها في صناعة الذرة الصفراء وتصديرها إلى مصر. وفي محاولة للتخفيف من حدة أزمة اللحوم في مصر تم الاتفاق أيضا على استيراد اللحوم الحمراء وذلك بسبب ارتفاع الأسعارحيث سيتم استيراد ما يقرب من 5000 رأس ماشية بشكل شهري وذلك لخدمة أكثر القرى فقرا وخاصة في صعيد مصر وذلك في المرحلة الأولى. 6- كذلك تم الاتفاق على إقامة مجمع صناعي لإنتاج الوقود الحيوي والأدوية ومنتجات أخرى حيث تم التعاقد على أكثر من 200 ألف فدان ما بين شركة مصرية والحكومة السودانية لإنتاج هذا النوع من الوقود الذي يمكن إضافته بنسبة محددة إلى البنزين وبالتالي التوفير من البنزين المستخدم". 7- اتفق الجانبان أيضا على تخصيص 2 مليون متر مربع بالخرطوم لإقامة منطقة صناعية مصرية والتي ستتضمن العديد من الصناعات المهمة التي يمكن أن يكون فيها تعاون بين البلدين كالصناعات الغذائية القائمة على الحاصلات الزراعية وصناعات دباغة الجلود والصناعات التعدينية.