بعد ثورة 25 يناير 2011، وصعود جماعة الإخوان المسلمين لحكم مصر، رجَّح مراقبون في القاهرةوالخرطوم "تحولاً كبيرًا في المنطقة ستكون محوره دولتي وادي النيل (مصر والسودان) بحكومتيهما الإسلاميتين"، حيث صعد إخوان السودان إلى السلطة بانقلاب عسكري عام 1989. إلا أنه وبعد أقل من عام على أداء محمد مرسي، المنتمي للإخوان، اليمين الدستورية رئيسًا لمصر، فإن "حصيلة العلاقة بين القاهرةوالخرطوم دون العادية، ما يمكن التدليل عليه بتأخر زيارة مرسي للخرطوم، وهو الذي زار 11 عاصمة، بينها عواصم إسكندنافية وآسيوية، قبل أن يعلن عن زيارته اليوم الخميس للسودان، وهي محدد أساسي للأمن القومي المصري"، وفقًا لخبراء سياسيين تحدثت إليهم مراسل وكالة "الأناضول" للأنباء. أحد هؤلاء الخبراء هو محمد الفكي سليمان، وله دراسة عن "الإصلاح السياسي في مصر وأثره على المنطقة"، قال لمراسل "الأناضول" إن "زيارة مرسي ستكون مجاملة، وليست زيارة عمل؛ فقد تعمد الرئيس المصري تأخير زيارته كي يبعث برسالة إلى الغرب، مفادها أن تجربة الإسلاميين في مصر مختلفة عن تجربة إسلاميي السودان، الذين يفرض عليهم الغرب عزلة قاسية بسبب سياساتهم". وبحسب الفكي، فإن "إسلاميي السودان يتوقون لزيارة مرسي، وكانوا يريدونها باكرا؛ لأنهم يحتاجون لسند القاهرة مقابل الحصار المفروض عليهم من دول المنطقة؛ لارتباطهم بمحور إيران"، الذي تناهضه قوى عربية وغربية. ورأى أن "مرسي عندما يصل إلى الخرطوم سيجد حزمة من الملفات الاقتصادية وملف مياه النيل وتفعيل اتفاقية الحريات الأربع (الموقعة بين البلدين عام 2004 بشأن حرية التملك والتنقل والإقامة والعمل لمواطني البلدين)". غير أنه، وبحسب "الفكي"، فإن "الاحتقان السياسي في البلدين؛ بسبب أداء حكومتيهما، لن يسمح بإحراز أي تقدم؛ لأنه لا يمكن لأي طرف تبني استراتيجية طويلة الأمد في علاقاته الدولية، بينما بيته الداخلي غير مرتب وبحاجة لتسوية سياسية". أما أستاذ العلوم السياسية بجامعة أفريقيا العالمية، د. مهدي دهب، فقال لمراسل "الأناضول" إن "زيارة مرسي للخرطوم لا يمكن قراءتها بعيدا عن المشهد السياسي الدولي والإقليمي". ومضى قائلا: "هناك تقارب بين مصر وإيران، ويمكن أن يصبح السودان، ذو العلاقة المميزة مع طهران، قاعدة مشتركة بين مصر وإيران، كما أن جماعة الإخوان التي ينتمي إليها مرسي لهم علاقة مرنة مع الغرب؛ ما يسهل مهمة الرئيس المصري كوسيط بين الغرب والخرطوم". واتفق "دهب" مع "الفكي" في أن "مرسي لن يناقش قضايا، مثل ملف المياه والحريات الأربع والنزاع حول مثلث حلايب وشلاتين (أقصى جنوب شرق مصر- وهي أرض تحت سيطرة مصرية ومتنازع عليها مع السودان) والتعاون الاقتصادي، إذ ستقتصر الزيارة على القضايا الحزبية التي تخص الرئيسين لكونهما منتميان للتيار الإسلامي في وادي النيل.. وطبيعة الملفات المبعدة هي طبيعة صراعية غير مرحب بها في هذا التوقيت". وعن قضية قادة الحركات المسلحة السودانية الذين تستضيفهم القاهرة، استبعد "دهب" مناقشتها خلال لقاء مرسي ونظيره السوداني عمر البشير، "رغم إنزعاج الخرطوم"، حيث إن "الساحة السياسية السودانية باتت مفتوحة على مفاجآت ربما تصعد ببعض أفراد الحركات المسلحة إلى طاقم الحكومة السودانية". وقد استبق رئيس حزب الأمة القومي المعارض في السودان، الصادق المهدي، وهو آخر رئيس وزراء منتخب انقلب عليه البشير عام 1989، زيارة مرسي بإصدار بيان دعا فيه الرئيس المصري إلى "زيارة جوبا (عاصمة دولة جنوب السودان) لتعزيز التعاون بين الدول الثلاث"، أي مصر والسودان وجنوب السودان، بحسب بيان وصل مراسل "الأناضول" نسخة منه. وكان المهدي قد حذر مرسي، بعد أسابيع من تنصيبه رئيسا لمصر مما أسماه "استنصار إخوان السودان بإخوان مصر؛ لأنه يشكك في توجههم الديمقراطي". ووقع الحزبان الحاكمان في البلدين في مارس/ آذار الماضي مذكرة تعاون خلال زيارة رئيس حزب "الحرية والعدالة" المصري، سعد الكتاتني، للخرطوم. وخلال هذه الزيارة، أعلن الكتاتني عن زيارة مرسي، مبررا تأخيرها ب"الجدول المشغول للرئيس"، مشددا على أن "هذا لا يعني أن السودان ليس في سلم الأولويات". فيما قال نافع علي نافع، مساعد الرئيس السوداني، الذي وقع على مذكرة التعاون مع الكتاتني، أن "استهداف المعارضة في البلدين للتقارب بين الحزبين الحاكمين هو من باب المكايدة سياسية، وليس في مصلحة الشعبين". ووفقا لما ذكرته الرئاسة السودانية، في بيان، فإن الرئيس المصري سيصل إلى الخرطوم مساء غد الخميس، وسيجتمع بنظيره السوداني في اليوم نفسه، ويخاطبان معا اجتماعا لرجال الأعمال من البلدين. ثم يلتقي مرسي صباح الجمعة بممثلين عن الجالية المصرية في السودان، وبعدها يلتقي علي عثمان، النائب الأول للبشير، والأمين العام للحركة الإسلامية، التي ينبثق منها الحزب الحاكم (المؤتمر العام)، الزبير أحمد الحسن، إضافة إلى عدد آخر من قادة القوى السياسية. وسيؤدي الرئيس المصري صلاة الجمعة في مسجد النور بالعاصمة السودانية، قبل أن يحضر مأدبة غداء يقيمها البشير على شرفه، ويختتم زيارته بمؤتمر صحفي في مطار الخرطوم.