الاحتفال بأعياد تحرير سيناء.. نهضة في قطاع التعليم بجنوب سيناء    هذه الأنشطة لا تخضع لمواعيد الغلق في التوقيت الصيفي 2024    المرصد الأورومتوسطي يطالب بتحرك دولي عاجل بعد كشفه تفاصيل مروعة عن المقابر الجماعية في غزة    موعد مباراة ليفربول المقبلة في الدوري الإنجليزي بعد الخسارة أمام إيفرتون    أبو رجيلة: فوجئت بتكريم الأهلي.. ومتفائل بقدرة الزمالك على تخطي عقبة دريمز    الأرصاد تعلن موعد انكسار الموجة الحارة وتكشف عن سقوط أمطار اليوم على عدة مناطق (فيديو)    إصابة 9 أشخاص في حريق منزل بأسيوط    أشرف زكى وريهام عبد الغفور ومحمد رياض وخالد جلال في حفل تكريم أشرف عبد الغفور| صور    سيارة تتراجع 210 آلاف جنيه مرة واحدة.. تعرف عليها    توقعات ميتا المخيبة للآمال تضغط على سعر أسهمها    تعديل موعد مباراة الزمالك وشبيبة سكيكدة الجزائري في بطولة أفريقيا لكرة اليد    مستشار الأمن القومي الأمريكي: روسيا تطور قمرا صناعيا يحمل جهازا نوويا    طلاب مدرسة أمريكية يتهمون الإدارة بفرض رقابة على الأنشطة المؤيدة للفلسطينيين    لتفانيه في العمل.. تكريم مأمور مركز سمالوط بالمنيا    الحماية المدنية تسيطر على حريق بمخزن أجهزة كهربائية بالمنيا.. صور    روسيا: تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة مستحيل في ظل استمرار القتال    بعد ارتفاعها الأخير.. أسعار الدواجن والبيض اليوم الخميس 25 إبريل 2024 بالبورصة والأسواق    بعثة الزمالك تسافر إلى غانا اليوم على متن طائرة خاصة استعدادًا لمباراة دريمز    بعد الصعود للمحترفين.. شمس المنصورة تشرق من جديد    واشنطن تعلن التصدي لصاروخ حوثي يستهدف على الأرجح سفينة ترفع العلم الأمريكي    السيناريست مدحت العدل يشيد بمسلسل "الحشاشين"    أحمد موسى: مطار العريش أصبح قبلة للعالم وجاهز لاستقبال جميع الوفود    صندوق التنمية الحضرية يعلن بيع 27 محلا تجاريا في مزاد علني    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير.. أسعار الذهب اليوم الخميس 25 إبريل 2024 بالصاغة    الليلة.. أدهم سليمان يُحيي حفل جديد بساقية الصاوي    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    حصول 5 وحدات طب أسرة جديدة على اعتماد «GAHAR» (تفاصيل)    رئيس قسم الطب النفسي بجامعة الأزهر: تخصصنا يحافظ على الشخص في وضعه الطبيعي    رئيس «الطب النفسي» بجامعة الإسكندرية: المريض يضع شروطا قبل بدء العلاج    بعد نوى البلح.. توجهات أمريكية لإنتاج القهوة من بذور الجوافة    تيك توك تتعهد بالطعن في قانون أمريكي يُهدد بحظرها    بعد اختناق أطفال بحمام السباحة.. التحفظ على 4 مسؤولين بنادي الترسانة    "مربوط بحبل في جنش المروحة".. عامل ينهي حياته في منطقة أوسيم    محافظ شمال سيناء: الانتهاء من صرف التعويضات لأهالي الشيخ زويد بنسبة 85%    الهلال الأحمر: تم الحفاظ على الميزانية الخاصة للطائرات التى تقل المساعدات لغزة    اسكواش - ثلاثي مصري جديد إلى نصف نهائي الجونة الدولية    بيع "لوحة الآنسة ليسر" المثيرة للجدل برقم خيالي في مزاد    مش بيصرف عليه ورفض يعالجه.. محامي طليقة مطرب مهرجانات شهير يكشف مفاجأة    يسرا اللوزي تكشف كواليس تصوير مسلسل "صلة رحم"|فيديو    كرة السلة، ترتيب مجموعة الأهلي في تصفيات ال bal 4    كيف أعرف من يحسدني؟.. الحاسد له 3 علامات وعليه 5 عقوبات دنيوية    دعاء في جوف الليل: اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور واهدنا سواء السبيل    اجتياح رفح.. كيف ردت مصر على مزاعم إسرائيل بخرق اتفاقية السلام؟    محافظ شمال سيناء: منظومة الطرق في الشيخ زويد تشهد طفرة حقيقية    منسق مبادرة مقاطعة الأسماك في بورسعيد: الحملة امتدت لمحافظات أخرى بعد نجاحها..فيديو    توجيهات الرئيس.. محافظ شمال سيناء: أولوية الإقامة في رفح الجديدة لأهالي المدينة    حظك اليوم برج الميزان الخميس 25-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    «زى النهارده».. عيد تحرير سيناء 25 إبريل 1982    غادة البدوي: تحرير سيناء يمثل نموذجًا حقيقيًا للشجاعة والتضحية والتفاني في سبيل الوطن    ميدو: لاعبو الزمالك تسببوا في أزمة لمجلس الإدارة.. والجماهير لن ترحمهم    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    تأجيل بيع محطتي سيمنز .. البنوك الألمانية" أو أزمة الغاز الطبيعي وراء وقف الصفقة ؟    من أرض الفيروز.. رسالة وزير العمل بمناسبة ذكرى تحرير سيناء    إصابة أم وأطفالها الثلاثة في انفجار أسطوانة غاز ب الدقهلية    فريد زهران: نسعى لوضع الكتاب المصري في مكانة أفضل بكثير |فيديو    الصحة تفحص مليون و413 ألف طالب ضمن المبادرة الرئاسية للكشف المبكر عن فيروس سى    صور.. الطرق الصوفية تحتفل برجبية السيد البدوي بطنطا    بالفيديو.. أمين الفتوى: موجات الحر من تنفيس نار جهنم على الدنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البرنامج النووي الإيراني ..بين صعود الدور وتهديد الأمن الخليجي: سيناريوهات مفتوحة(22)
نشر في محيط يوم 16 - 03 - 2013


: مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية
إعداد : عزت عبد الواحد سيد*

رابعاً: الرؤية الإيرانية لأمنها القومي والإقليمي:


تُواجه المُحاولات المُستمرة والدؤوبة من جانب إيران لتطوير قُدراتها العسكرية التقليدية وغير التقليدية بحذر كبير من جانب الدول الخليجية. وتنطوي التطورات المُتلاحقة في البرنامج الإيراني لتطوير قُدراتها النووية على انعكاسات استراتيجية بالغة الأهمية على الصعيدين الإقليمي والعالمي بصفة عامة ومنطقة الخليج العربي والدول المجاورة بصفة خاصة. حيثُ أن إمتلاك إيران لإمكانيات صُنع القنبلة النووية يُساعد على تعزيز مكانتها الإقليمية على مستوى الخليج والشرق الأوسط، لذا قررت إيران أن يكون لها ترسانة خاصة بها من الأسلحة النووية والبيولوجية والكيماوية وأنظمة إطلاق الصواريخ والتوجية الباليستية والجوالة لحماية أمنها القومي.([i])

ويُمكننا أن نفهم أن مُحاولات إيران لإستعادة قُدراتها العسكرية وتطويرها واستعادة موقعها الإستراتيجي، قد دفعت البنتاجون لإعتبارها " الدولة التي تُشكل التهديد الرئيسي على منطقة الخليج بأكملها". وما تخشاه الولايات المتحدة - بعد إخفاقها في تطبيق سياسة الإحتواء المُزدوج- هو سعي إيران للسيطرة على مضيق "هرمز" والتحكُم في التجارة الدولية وتوريدات النفط الخليجي المارة عبره في حالة نشوب نزاعات مُسلحة بين إيران وجيرانها العرب في تلك المنطقة أو بينها وبين القوات الأمريكية المُعسكرة في قواعد أرضية ثابتة أو المُتواجدة على حاملات الطائرات القريبة من المنطقة. إذ يُمكن لإيران أن تلجأ إلى استخدام الألغام البحرية أو الصواريخ البعيدة المدى أو الهجمات الغواصة.([ii]) في الوقت الذي يحكُم نظرة إسرائيل إلى البرنامج النووي الإيراني رغبة إستراتيجية إسرائيلية في أن تظل القوة العسكرية الكبرى في منطقة الشرق الأوسط والدولة الوحيدة التي تملُك السلاح النووي في المنطقة، فهي منذ سنوات تسعى إلى إثارة الرأي العام ضد إيران، كما استغلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر لتحريض الإدارة الأمريكية وجر الولايات المتحدة إلى مُواجهة معها لتدمير قوتها النووية، خصوصاً بعد تجربة إطلاق صاروخ "زلزال" الإيراني والذي يستطيع حمل (500) كيلوجرام من المتفجرات ويصل مداه إلى (900) ميل، إضافة إلى نجاح إيران في تجربة إطلاق صاروخ "شهاب" في يوليو 2000 الذي يصل مداه حوالي (800) ميل، وينطلق بسرعة (4320) ميل في الساعة، ويستطيع حمل (1000) كيلوجرام من المُتفجرات، وهو قادر على ضرب أهداف في عمق إسرائيل.([iii]) بل أن تلك التجربة أثارت تساؤلات حول علاقتها بأمن الخليج، لاسيما وأنها جاءت في وقت شهدت فيه العلاقات الخليجية الإيرانية تحسُناً على أكثر من صعيد. فالترسانة الصاروخية الإيرانية تُغطي بمدياتها كلاً من دولة الكويت والبحرين والعراق وشمال السعودية حتى العاصمة الرياض وذلك قبل امتلاك الصاروخ (سكود 4) والذي يُغطي جنوب تركيا وكل إسرائيل وحتى منتصف السعودية وقطر والإمارات.([iv])

لذا فإن الفكر الإستراتيجي الإيراني يرتكز على توظيف إجمالي القُدرات العسكرية من أجل ردع أي هجمات أمريكية أو إسرائيلية أو أمريكية - إسرائيلية ضد المنشآت النووية الإيرانية، علاوة على حرص القيادة الإيرانية على توظيف التطوُر في القُدرات النووية الإيرانية من أجل تعزيز الموقف الإيراني في القضايا المتعلقة بأمن الخليج. ومن هنا فإن الترسانة النووية الإيرانية تُمثل تهديداً مُباشراً لأمن الخليج العربي على المديين القريب والمتوسط، في ظل التوجُهات الإيرانية لفرض الهيمنة على المنطقة، وربما كان اتجاه القيادة الإيرانية إلى الخيار النووي ناجماً عن العُزلة الإقليمية والدولية التي تُعاني منها إيران، إضافة إلى التفكير الإيراني القائم على المؤأمرة لضمان الأمن القومي الإيراني من التهديد الأمريكي الغربي والإسرائيلي أو حتى الإقليمي.([v])

ورغم المخاوف الظاهرة والكامنة من تطوير إيران لبرنامجها النووي، إلا أن هُناك حقيقة لابد وأن نعيها تماماً، وهي أن هذا البرنامج وإن كان يصُب في إتجاه تدعيم الدور القيادي الإيراني في المنطقة، إلا أن ذلك قد لا يعني أنه يستهدف بالضرورة أمن الخليج، فهل تحتاج إيران قنبلة نووية لتفرض هيمنتها وأمنها على منطقة الخليج، فواقع إيران الجغرافي والإقتصادي والسكاني وثرواتها النفطية وغير النفطية وموقعها الإستراتيجي ومصادر قوتها المعنوية مُقارنة بدول الخليج، يجعل منها قوة إقليمية لا يُمكن تجاهُلها أو الإستهانة بها. لذا هناك من يرى أن السعي الإيراني الحثيث وما تتعرض له من ضغوط دولية وعقوبات للوصول لهدفها من برنامجها النووي لا يُمكن أن يكون بهدف تحقيق تفوق عسكري وأمني على دول الخليج، بقدر ما يهدف إلى أن تشكل إيران قوة ردع نووية موازية للقوة الإسرائيلية، وهو الفرض الذي يُعززه الهياج الإسرائيلي والغربي ضد البرنامج النووي الإيراني لحشد قوى المجتمع الدولي ضد هذا البرنامج وتدمير أركانه، كما حدث مع القُدرات العسكرية العراقية من قبل ليظل التفوق العسكري في منطقة الشرق الأوسط لصالح إسرائيل، لذا يظل التحريض الاسرائيلي مُستمراً على "الخطر الإيراني الداهم" الذي سيهُدد ليس فقط الدولة العبرية بل سيجعل الشرق الأوسط أكثر سواداً وخطورة.([vi])

هذا إلى جانب كون ذلك البرنامج يُمثل أداة ضغط وتهديد لكل دولة تقف ضد مشروع ملء الفراغ والقيادة الإيرانية للخليج، خصوصاً من دول الإقليم الخليجي. لذا فإن إيران تطرح نفسها كبديل إقليمي يُحقق التوازن الإستراتيجي بدلاً من القوات الأجنبية المُرابطة في منطقة الخليج. وهو استكمال للطرح الذي سبق وقدمته في فترات سابقة، والذي يقضي بإقامة تحالُف استراتيجي يضُم دول الخليج الست بالإضافة إلى إيران والعراق. كما يُعد استكمالاً للطرح الإيراني الخاص بأمن الخليج، والذي يرى أن هذا الأمن ينبغي أن يتحقق ذاتياً بقُدرات الدول المعنية وليس بمساعدة أي طرف خارجي. ومن ثم ترى إيران بأن مصالحها المُباشرة في الخليج تتطلب منها أن تظل أعيُنها مفتوحة على نفوذ الولايات المتحدة المُتزايد والذي يتم بالطبع على حسابها ومصالحها في المنطقة. ووفق المفهوم الإيراني لأمن الخليج فإن التدخُل الخارجي أو الوجود الغربي في المنطقة يُمثل التهديد الرئيسي لأمن الخليج. ونتيجة لهذا المفهوم، فإن إيران ترفُض الإتفاقيات والترتيبات الأمنية كافة التي تُعقد مع دول خارج المنطقة بما فيها العربية، حيثُ جاهدت إيران منذ مطلع القرن العشرين على إبعاد معيار العروبة من استراتيجيات الأمن الخليجي، كما أن المفهوم الإيراني لأمن المنطقة يربُط أمن الخليج مع أمن دول وسط آسيا حيثُ تُعتبر إيران نفسها الموازن والرابط بين طرفي الأمن بين الخليج العربي ودول وسط آسيا.([vii])



والتصور الأمني الإيراني الذي يرتكز على الرفض التام لأي تغيير يطرأ على الحدود السياسية يعني عدم استعدادها لرد الجزر الثلاث المُتنازع عليها بين إيران والإمارات، بل إنها تقوم بدعمها عسكرياً، مما يُشير إلى أن مُحاولات التقارُب في العلاقات الإيرانية الخليجية تتناقض مع الأفعال والتي لم ترق لمستوى القبول بحل سلمي ينهي احتلالها للجزر الإماراتية الثلاث. فقد دعا قادة التعاون في قمم المجلس إلى ضرورة دعم إيران لمصداقية علاقاتها مع دول الخليج من خلال اتخاذها للإجراءات الفاعلة على طريق إنهاء مشكلة الجزر الثلاث والقبول بمساعي الأمين العام للأمم المتحدة ومبدأ التحكيم الدولي وهو ما لم تقبل بهما القيادة السياسية الإيرانية حتى الآن.

خامساً: تأثير البرنامج النووي الإيراني على الأمن الخليجي:

رغم بعض المؤشرات الإيجابية التي طرأت على العلاقات الإيرانية الخليجية في أعقاب أزمة الخليج الثانية وما تلاها من إضعاف لقوة العراق والإطاحة بنظامهِ السياسي، إلا أن هناك تناقُضاً بين ما تُطالب به إيران وما تُمارسه على أرض الواقع، ففي الوقت الذي تُطالب فيه برحيل القوات الأجنبية عن منطقة الخليج وإحداث مزيد من التقارُب مع الدول الخليجية الست، الأمر الذي يترتب عليه خفض مُعدلات الإنفاق على التسلُح، تسعى إيران لتطوير قُدراتها التسليحية بما يفوق احتياجاتها الفعلية، بل تنوع هذا التسلُح.([viii])

وتتمثل مُعضلة دول الخليج العربية نتيجة للبرنامج النووي الإيراني في موقفها الصعب الذي وجدت نفسها فيه. فهي من جهة لا تُريد أن تكون هُناك حرب جديدة في المنطقة ضد دولة لها عُمق شعبي وديني في دول الخليج العربية، ومن جهة أُخرى فهي لا تود أن تُصبح إيران قوة نووية تمتلك هذه القُدرات في المجال العسكري. هنا هو مكمن المُعضلة الأساسية لدول الخليج العربية، لذلك نجد مواقفها العلنية تُحبذ الخيار الدبلوماسي على غيره من الخيارات بإعتبار أنهُ أفضل السُبل التي ستؤدي إلى نزع فتيل التخوُف الخليجي وإبعاد شبح الحرب عن المنطقة من جهة، والدفع بإيران بعيداً عن أن تُصبح دولة بقُدرات نووية عسكرية.

فالسعي الإيراني لإمتلاك السلاح النووي يصُب في إتجاه تعميق الخلل القائم في توازنات القوى في منطقة الخليج ويُهدد الإستقرار في المنطقة، ويزيد من مُعضلة التوصُل إلى صيغة مُتفق عليها للأمن الإقليمي في ظل غموض النوايا الإيرانية وإستمرار الخلاف حول بعض القضايا المُتعلقة بالترتيبات الأمنية، وتزايُد التصريحات المُتشددة من داخل منظومة صُنع القرار الإيراني والإستمرار بإستخدام لفظ (الخليج الفارسي) والتشبُث به كمُسمى للإستحقاق التاريخي للخليج من جانب إيران إستكمالاً لمفهوم الدور الإقليمي لإيران بما يُعمق من الخلافات ويوسع الهوة بينها وبين جيرانها من دول مجلس التعاون. أضف إلى ذلك التأثيرات المُحتملة للسيناريوهات المفتوحة لمُستقبل الملف النووي الإيراني على أمن الخليج جنباً إلى جنب مع المخاطر البيئية المُتوقعة. وهو ما يجد تفصيله فيما يلي :

1- هذا الوضع يُمثل تكريس لحالة الخلل القائم في موازين القوى والتي تعكس تفوقاً عسكرياً وبشرياً إيرانياً، خاصة بعد الخروج الحالي للعراق من مُعادلة التوازن العسكري. فمُخصصات الإنفاق العسكري الإيراني تحظى بأهمية قصوى في ميزانية الدولة، لما يُحققه ذلك من تحقيق الهدف القومي لإيران في بناء قاعدة عسكرية صناعية مُتميزة، ولتحديث القوات المسلحة ولإمتلاك أسلحة ردع. ورغم أن الإنفاق االعسكري الإيراني بدا مُتواضعاً في بداية التسعينيات مُقارنة بعقد الثمانينيات نتيجة المشاكل الاقتصادية والهزيمة التي واجهتها إيران عام 1988 ونتيجة للتوتر الذي ساد المنطقة بسبب حرب الخليج الثانية، حيثُ تقلص الإنفاق العسكري على الدفاع من 12.2 مليار دولار عام 1987 إلى 8.9 مليار دولار عام 1989، ثم إلى 8.9 مليار دولار عام 1990، حتى وصل إلى 4.2 مليار دولار عام 1995. إلا أن الإنفاق بدأ يأخُذ في الزيادة تدريجياً مرة أُخرى إلى 4.7 مليار دولار عام 1997 بنسبة 6.9% من الناتج القومي، ثم ارتفعت مُعدلات الإنفاق العسكري خلال عام 1998 إلى 5.8 مليار دولار، و 5.7 مليار دولار عام 1999 بنسبة 8.17% من الناتج القومي، ثم يصل أقصى مُعدل له عام 2000 نتيجة ارتفاع عائدات البترول حيثُ وصل إلى 7.5 مليار دولار في ذلك العام.([ix]) ثم عاد مؤشر الإنفاق للهبوط خلال السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين ليصل أقل مُعدلاته عام 2001 بقيمة إجمالية 3.029 مليار دولار، ثم ما لبث أن أخذ في التزايُد عاماً بعد عام ليصل إلى 6.5 مليار دولار عام 2006 ثم إلى 7.2 مليار دولار عام 2007. وهذا التزايُد المُستمر في الإنفاق العسكري الإيراني يُمثل أحد الأركان المُهمة في العقيدة الإستراتيجية لإيران، والتي تقضي بأن تطوير قُدراتها العسكرية يُمثل أحد الأوراق المُهمة التي يُمكن لإيران من خلالها تأكيد هيمنتها على المنطقة وتفوقها العسكري، كما يُمثل في الوقت ذاته أحد الإعتبارات التي تُدرك إيران أن الولايات المتحدة الأمريكية تأخُذها بعين الإعتبار جيداً ضمن الخيارات المُتاحة أمامها في التعامل معها بشأن ملفها النووي.([x]) كما أن نجاح إيران في الحصول على السلاح النووي وما يرتبط به من تغيُرات استراتيجية سيكون دافعاً لدول الخليج نحو تطوير أنظمتها الدفاعية وقُدراتها العسكرية بل الدخول في المزيد من التحالُفات الغربية مما يزيد من حدة سباق التسلُح في المنطقة.([xi])

2- من الركائز الأساسية للإستراتيجية القومية الإيرانية ضرورة هيمنة إيران الفارسية على (الخليج الفارسي) وأن يتم الإعتراف إقليمياً ودولياً بها، لذلك فإن عليها التصدي بكُل الطُرق والوسائل لمُواجهة أى جهود أو إجراءات تعوق ذلك كجزء أساسي من الأمن القومي الإيراني، وهو ما يفرض عليها إمتلاك قُدرات ذاتية عسكرية وإقتصادية وتقنية تفوق حاجتها الدفاعية والذي ينعكس بدوره على التوازُن الإستراتيجي الإقليمى لتُصبح قوة إقليمية مُهيمنة.([xii]) فالطموح الإقليمي لإمتلاك السلاح النووي، يجعلها تتصدي لكل من يُعارض تلك الرغبة خاصة وإن جاءت تلك المُعارضة من دول الخليج التي تعتبرها إيران مجالاً حيوياً لسياستها الخارجية، وترى لنفسها فيها دوراً يصعُب- إن لم يكُن يستحيل- التنازُل عنه مهما كلفها ذلك، إنطلاقاً من كون السياسات الإيرانية في تلك المنطقة هى العائق الأساسي أمام المشروع الأمريكي الذي يُمثل خصماً من قوة الدور الإيراني فيها.([xiii])

3- إن إمتلاك إيران سلاحاً نووياً يؤدي إلى صعوبة حقيقية في التوصُل إلى صيغة مشتركة للترتيبات الأمنية في المنطقة، التي هي في الأصل من القضايا الخلافية فى العلاقات الإيرانية - الخليجية، خاصة ما يتعلق فيها بمسألة الوجود الأجنبي في تلك الترتيبات. ومن ثم فإن إصرار إيران على امتلاك السلاح النووي من شأنه أن يعوق إمكانية التوصُل إلى صيغة أُمنية مستقبلية لمنطقة الخليج وينسف كافة الجهود التي بذلها الجانبان لسنوات مضت لبناء الثقة ونبذ اللجوء للقوة في حل الخلافات وإرتضاء التفاوُض ومبادئ حُسن الجوار والمنافع المُتبادلة كأُسس للتعامُل البيني. وهم ما يدفع دول مجلس التعاون الخليجي فى سعيها لإقامة صيغة أُمنية مُشتركة في الخليج لأن تحصُل على ضمانات دولية مُلزمة من المجتمع الدولي بشأن إجراءات بناء الثقة مع كافة الأطراف الإقليمية ومنها إيران، وأول هذه المُتطلبات عدم تهديد أمن تلك الدول سواء بإمتلاك الأسلحة النووية أو غيرها.

4- التحرُك الخليجي في مُواجهة البرنامج النووي الإيراني يتردد بين خيارات ثلاثة أولها: بدء برنامج نووي سلمي يتم تحويله مُستقبلاً إلى برنامج عسكري على غرار ما قامت به الدول النووية في العالم، وثانيها: الدخول في تحالُفات استراتيجية علنية مع قوى نووية للحصول على مظلة نووية لتأمين ردع استراتيجي تجاه إيران، وثالثها: شراء سلاح نووي جاهز. ويبدو أن دول الخليج قد إنحازت للخيار الأول لأن تكلفته السياسية أقل، وهو ماعبر عنه البيان الختامي لقمة الرياض عام 2006، والذي أكد على الرغبة الخليجية في تطوير برنامج مُشترك في مجال التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية طبقاً للمعايير والأنظمة الدولية، مُشيراً إلى أنهُ يُمثل حقاً لدول المنطقة في امتلاك الخبرة في مجال الطاقة النووية للأغراض السلمية طالما خضع للشروط الواردة في الإتفاقيات الدولية ذات الصلة". وبالتالي فقد تشهد المنطقة سباقاً نحو التسلُح النووي إذ أن دول الخليج ستكون ضمن دائرة سباق نووي حاد.([xiv])

5- و يزيد من تلك المخاطر إنفتاح السيناريوهات المستقبلية للبرنامج النووي الإيراني على كافة التوقعات. وهي على النحو التالي:

أ‌- السيناريو الأول :

الإستمرار في مُحاولات تسوية ملف البرنامج النووي الإيراني سلمياً من خلال المفاوضات المُباشرة وغير المُباشرة الثنائية ومُتعددة الأطراف بين كافة الأطراف الدولية المعنية وإيران في سبيل التوصُل إلى حل سلمي يرضي كافة الأطراف، مع تزامن تلك المفاوضات بإستمرار فرض العقوبات الاقتصادية، ويُعتبر هذا السيناريو هو المُرشح للإستمرار في الوقت الحالي، بعد فشل جهود الترويكا الأوروبية(ألمانيا وبريطانيا وفرنسا) لإثناء إيران عن مشروعها النووي بعد التشدُدِ الذي أظهرته إدارة الرئيس "أحمدي نجاد" في هذا الملف. ومن ثم توسعت دائرة التفاوض الغربية لتشمل مجموعة (5+1)، والتي إجتمعت على هدف واحد وهو السعي نحو عدم تمكين إيران من امتلاك برنامج نووي ذي صبغة عسكرية، ونجم عنه تحويل الملف إلى مجلس الأمن الذي أصدر بدوره خمسة قرارات تتعلق بمجموعة مُتدرجة من العقوبات الاقتصادية والفنية المُتصاعدة ضد إيران عامة وضد سعيها لإمتلاك قُدرات تكنولوجية نووية متقدمة بصفة خاصة، وهي القرار 1696 بتاريخ 31 يوليو 2006، والقرار 1737 بتاريخ 23 ديسمبر 2006، القرار 1747 بتاريخ 24 مارس 2007، القرار 1803 بتاريخ 3 مارس 2008، والقرار 1929 بتاريخ 9 يونيو 2010.([xv]) ذلك جنباً إلى جنب مع تقديم حزمة من الحوافز لإيران من أجل تشجيعها على التخلي عن برنامجها الخاص بتخصيب اليورانيوم مع ضمان عدم توجيه ضربات عسكرية ضدها. وهي الحوافز التي وصفها "أحمدي نجاد" يوماً ما بالجاتوه مقابل الذهب الإيراني الذي هو امتلاك تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم ودورة الوقود النووي الكاملة. ومن هنا نشهد إصراراً إيرانياً على المُضي قُدمَاً في برنامجها النووي للوصول إلى هدفها المنشود مما يحمل معه إستمرار لحالة الترقُب والقلق من جانب الدول الخليجية تجاه النوايا الإيرانية غير المُعلنه من وراء ذلك البرنامج وإستمراراً لحالة عدم الثقة التي تلقي بظلالها السلبية على المناخ السياسي والأمني والإستراتيجي في المنطقة. أضف إلى ذلك تأثُر علاقات التبادُل التجاري بين إيران ودول الخليج، خصوصاً إمارة دبي، بالعقوبات الدولية ضد إيران، مما قد يُكبدها خسائر مادية كبيرة.

ب‌- السيناريو الثاني :

وهو السيناريو الذي لم تستبعده الإدارة الأمريكية وأشارت إلى إمكانية حدوثه منذ عام 2004. وهو يفترض توجيه ضربة عسكرية استباقية للمنشآت النووية الإيرانية بهدف تدميرها، سواء أكان ذلك من خلال عمل عسكري أمريكي مُباشر، أم من خلال ضربة إسرائيلية لهذه المنشآت في إطار الحرب بالوكالة. وهو سيناريو يحتاج حشد وتهيئة الرأي العام الدولي ضد إيران لتنفيذ أعمال عسكرية واسعة النطاق بخسائر بشرية تتعدى حدود إيران بما يُطال منطقة الشرق الأوسط والقوقاز وآسيا الوسطى وبحر قزوين.([xvi])

هذا السيناريو لا يرتبط بتوقيت زمني مُحدد لكنه يرتبط بمدى تطوُر البرنامج النووي الإيراني، وتهيئة المسرح الدولي والموقف الداخلي الأمريكي لتقبُل القيام بعملية عسكرية ضد إيران. كما أنهُ قد يأتي تطويراً لسيناريو فرض العقوبات الدولية على إيران، إذا رأت الدول الكبرى، خصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية، أن العقوبات لم تعُد فعالة، أو أنها ترغب في وقف إيران عن امتلاك السلاح النووي، كما يُمكن أن يحدُث في أوقات الجمود والتأزُم التي تمُر بها عملية المُفاوضات، خاصة وأن تياراً هاماً داخل الإدارة الأمريكية يُطالب وبشدة بضرب المنشآت النووية الإيرانية، للحيلولة دون تمكينها من إنتاج السلاح النووي.([xvii]) في الوقت الذي يرى فيه العديد من أعضاء النُخبة الحاكمة في ايران بأن الصراع مع الغرب من أجل البرنامج النووي يُمثل إحدى الطُرق لإحياء الحماس الثوري، وأن إصرار إيران على إمتلاك القُدرات النووية يُعظم من مكانتها على المستويين الإقليمي والدولي ويمنحها الجرأة والثقة في التعامُل مع القوى الغربية وخاصة الولايات المتحدة الامريكية.([xviii])

وفي ظل هذا المناخ المشحون بمزيج من العوامل العقائدية والسياسية والإستراتيجية، تبدو الخيارات المُتاحة للخروج من المأزق الدولي الراهن بالوسائل السلمية ضئيلة، وهو ما يجعل شبح الحرب إحتمال قائم يحوم حول تلك المنطقة التي لم تهدأ يوماً، وتلك الحرب إذا وقعت، ستكون مُختلفة عن سابقيها سواء مسرحها الجغرافي، أو في المتورطين فيها، أو في وسائلها وأسلحتها، أو في حجم العُنف المُرافق لها، وأخيراً في تداعياتها السياسية والأمنية. حيثُ أن النتائج المُترتبة على وقوعها سوف تكون وخيمة للغاية لدرجة أنهُ قد بات واجباً على كُل الأطراف أن تحترس بشدة لتجنيب المنطقة أي فُرصة تؤدي إلى اللجوء إلى هذا الخيار، ولمنع تحوُل المنطقة إلي كُرة من اللهب بإعتبار أن هذا الخيار هو بمثابة "سيناريو الجحيم". كما عبر عنه "د. محمد البرادعي" المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية.([xix]) ذلك السيناريو الذي يصعُب التكهُن بنتائجه سواء كان ضربة استباقية أو عمليات عسكرية مُتصلة يضع أمن الخليج في مأزق حقيقي، حيثُ لن تكون الدول الخليجية الست بمنأى عن تداعياتهِ رغم إعلانها غير ذي مرة أنها لن تسمح بإستخدام أراضيها لضرب طهران حال حدوث ذلك. إلا أن تواجُد نسبة كبيرة من الشيعة داخل تلك الدول يوفر الأرضية اللازمة لإنطلاق أعمال إنتقامية وإرهابية وتخريبية على أراضي تلك الدول، بالتوازي مع القُدرة الإيرانية على إغلاق مضيق "هرمز" والذي من شأنه حرمان سوق النفط العالمية من ربع إمداداتها تقريباً والتسبُب في أزمة عالمية بالغة الخطورة.([xx]) ومن ناحية أُخرى فإن أنظمة الصورايخ الإيرانية أرض- بحر بإمكانها أن تشمل مياه بحر عمان طولاً وعرضاً، وبالتالي فإن كافة السفن التي تمُر في الخليج لن تكون ببعيدة عن مدى الصواريخ الإيرانية خاصة إذا قامت إيران بنشر صواريخ مضادة للسفن بالجزر الإماراتية المحتلة. فضلاً عن التهديد الإيراني بإستهداف القواعد العسكرية الأمريكية في الخليج، وهو ما صرح به مسؤولون إيرانيون بأن إيران ستقوم بضرب القواعد العسكرية، والآبار، والمصافي النفطية، ومحطات الكهرباء، حال تعرُض إيران لعمل عسكري أمريكي.([xxi]) وهو ما يحمل معه دمار هائل لدول الخليج يصعُب تجاوز آثاره.

ج- السيناريو الثالث :

تمكنت إيران من إنتاج السلاح النووي وإعلان ذلك بشكل رسمي ويأتي ذلك من خلال مُقاومة الضغوط الدولية والعقوبات الاقتصادية وتسيير المُفاوضات مع الأطراف المعنية لتصُب في مصلحتها، مع استغلال المُتغيرات الدولية والإقليمية، خاصة وأن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعُد اللاعب الوحيد في الساحة الدولية ومع إنشغالها بالعديد من الملفات التي لاتزال مفتوحة.

هذا السيناريو له وجهان، الأول يتعلق بصدق التصريحات الإيرانية حول سلمية برنامجها النووي ومن ثم الإفلات ببرنامج نووي سلمي، أما الثاني فيُظهِر الوجه الأخر للبرنامج النووي الإيراني عندما تنجح إيران في إمتلاك برنامج نووي عسكري.

أما الحالة الأولي، فلا نعتقد أنها تنطوي على ما يُعكِر صفو السلم والأمن الإقليمي ولا الدولي، لأنهُ حق مشروع لكافة الدول طالما إلتزمت إشتراطات الأمان الدولية ذات الصلة وتعهدت بعدم تطويره للإستخدامات العسكرية، وهو ما يفتح المجال أمام دول المنطقة لولوج البرامج النووية السلمية طالما إمتلكت القُدرة المادية والفنية لذلك. وهو الحادث فعلاً في مصر ودول الخليج، مما قد يخلق حالة من الترتيبات الثُنائية والجماعية ترتبط بإجراءات الأمان النووي وضمان عدم الإعتداء على المُفاعلات النووية وكذلك الترتيبات الخاصة بدفن النفايات النووية، وهو ما قد يقود بإتجاه إخلاء المنطقة من الأسلحة النووية.

أما في حالة إمتلاك إيران للسلاح النووي إلى جانب إسرائيل، فإن مثل هذا التطوُر سيُمثِل إنقلاباً إستراتيجياً، سواء في ميزان القوى الإقليمية أو في أنماط التفاعُلات الإقليمية المُترتبة عليه. فهو من ناحية قد يقبل هذا كأمر واقع من جانب دول المنطقة لموازنة القُدرات الإسرائيلية في هذا المجال مع الإستعداد لعدم تبني أو المُشاركة في أي مواقف تصعيدية ضد إيران في هذا الصدد. وهو ما يُحقق لإيران هدفها في القيادة والهيمنة إقليمياً وشرق أوسطياً.

أما في حالة إنكار دول المنطقة على إيران إمتلاك السلاح النووي، فإن تداعيات ذلك الوضع ستخلق حالة من عدم الإستقرار الإقليمي، إذا استشعرت تلك الدول، لاسيما دول الخليج، قدراً عالياً من التهديد للأمن والإستقرار الوطني والإقليمي، وهو ما قد يفتح المجال أمام سباق نووي محموم لإمتلاك ذلك السلاح ينهى ما تبقى من أمال لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل. أو أن ذلك يفتح المجال أمام الدول غير القادرة للبحث عن مظلة نووية من جانب الدول الكبرى المالكة لذلك السلاح تنفيذاً لنصوص مُعاهدة منع الإنتشار النووي، وهو ما قد يتسبب في حدوث تصعيد أمني في منطقة الخليج، علاوة على أن دول المنطقة ستجد نفسها طرفاً في أي مُواجهة عسكرية قد تنشأ بين إيران والقوي الكبرى. وهي كلها أمور تدفع بإتجاه فشل الآليات الدولية القائمة عبر الأمم المتحدة في منع الإنتشار النووي.

6- هذا إلى جانب الآثار البيئية للبرامج النووية الإيرانية، حيثُ توجد دلائل علمية عديدة على أن المنشآت النووية الإيرانية لم تنشأ وفقَ القواعد العلمية المرعية في ذلك، فمُفاعل (بوشهر) الذي يقع على بعد نحو 150 ميل من مدينة الكويت يعتمد بصفة أساسية على تقنيات روسية لا تملُك عناصر الأمان النووي. وهو ما يعني أن دول الخليج تظل مُعرضة لخطر تسرُب الإشعاعات من تلك المنشآت. وهو الخطر الذي يزداد حال الإحتكام لسيناريو توجيه ضربة جوية إلى المنشآت النووية الإيرانية والذي من شأنهِ أن يؤدي إلى كابوس نووي أكبر حجماً وأبعد تأثيراً من كارثة (تشرنوبل 1986)، بسبب تسرُب الإشعاعات النووية من المُفاعلات والمصانع، وهو ما قد يؤدي إلى خسائر بشرية بالغة الخطورة والمدى. وهو ما قد يحدُث أيضاً في حالة عدم اللجوء للخيار العسكري وذلك لوقوع إيران في محيط منطقة جيولوجية نشيطة زلزالياً - كما هو في اليابان- بما يعني أن زلزالاً قد يُسبب حادثاً نووياً تكون أثاره الكارثية أكثر وضوحاً على دول مجلس التعاون الخليجي منها على إيران، والتي قد تودي بحياة نحو مائتي ألف نسمة. كما أن تلوث مياه الخليج نتيجة إلقاء إيران لمُخلفاتها النووية فيها من شأنهِ أن يؤدي إلى تلوث إشعاعي تستمر آثاره لسنوات وتقود إلى إغلاق محطات تحلية المياه على السواحل العربية.([xxii])

الخاتمة

يُمكن الخروج بالحقائق التالية حول البرنامج النووي الإيراني وإشكالية التعامُل معه:

الحقيقة الأولى: أن المشروع النووي الإيراني هو مشروع مُمتد يرتبط إرتباطاً وثيقاً برؤية إيرانية خالصة لمصالحها القومية، ورغبة قديمة ومُتجددة في تبوأ مركز الصدارة في قيادة منطقة الخليج والوقوف ضد كل المُحاولات التي قد تأتي من خارج المنطقة سواء كانت عربية أو دولية للمُشاركة في ترتيب البيت الخليجي ونسج خيوط صيغْه الأمنية، بإعتبار أن ذلك يُمثل تهديداً لأحلام فارسية مُمتدة الجذور للسيطرة على تلك المنطقة ومُنازعتها المجال الحيوي لسياستها الخارجية.

الحقيقة الثانية: ما من شك أنهُ حتى إذا لم تكن إيران قد نجحت أو حتى حاولت إنتاج أسلحة نووية، فإن ذلك لا يمنع من القول إنها فكرت في هذا الأمر، حيثُ فرضت عليها الأوضاع الدولية والإقليمية في السابق إمتلاك قُدرات عسكرية بمُواصفات تُمكنها من التعامُلِ مع هذه المُتغيرات، ومما يزيد من توجُهِ إيران إلى إمتلاك القُدرات العسكرية، تلك الضغوط الأمريكية المُتزايدة عليها بعد احتلالها العراق بحجة أنها تسعى لإمتلاك أسلحة نووية، وأنها تأوي عناصر إرهابية، وأنها تُعادي التسوية السلمية في المنطقة، وتعقّد الوضع في العراق. هذه الضغوط جعلت القادة الإيرانيين يُركزون على إمتلاك القُدرة على الدفاع عن أراضيهم في ظل التحرُشات الأمريكية والإسرائيلية التي خلقت شعوراً بأن بلادهم صارت الهدف التالي للولايات المتحدة بعد العراق، كما أوجدت قناعة بأن أحد الأهداف من غزو العراق هو تطويق الأراضي الإيرانية. كل هذه الحقائق جعلت الإيرانيين يُركزون على تطوير القُدرات التسليحية لبلادهم، سواء في المجالات التقليدية أو غير التقليدية، حيثُ يوفّر ذلك قُدرات عالية لمُواجهة أي هجمات أمريكية أو إسرائيلية ضدهم، كما يُساعدهم في الوقت نفسه على إقناع الولايات المتحدة بقبول طهران كمركز قوة إقليمية كبرى، وبما يترتّب على ذلك من الإحتفاظ لإيران بدور رئيسي في جميع التفاعُلات الإقليمية.

الحقيقة الثالثة: وعلى الرغم من أن دول مجلس التعاون الخليج أعلنت أنها لا تُعارض امتلاك إيران للطاقة النووية لأغراض سلمية طالما كانت في إطار مُعاهدة الإنتشار النووي، وأنها تؤيد الحل السلمي للأزمة وأن أراضيها لن تكون مُنطلقاً لأي أعمال عسكرية ضد إيران. إلا أنها لم تُبلوِر موقف مُوحد تجاه البرنامج النووي الإيراني، بل جاءت المواقف مُتباينه تعكس مصالح كل منها وفقاً لإدراك كل منها لمخاطر السلاح النووي الإيراني، وهو ما انعكس في غياب الإشارة صراحة إلى "البرنامج النووي الإيراني" في البيانات الختامية لقمم مجلس التعاون لدول الخليج العربية، رغم مطالبتها بجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل بما فيها منطقة الخليج مع الإشارة تحديداً إلى إسرائيل التي طالبتها البيانات بالإنضمام إلى معاهدة منع الإنتشار النووي. ذلك فيما خلا بيان قمة الدوحة 1996 الذي نص صراحة على إيران، حيثُ أشار البيان إلى "قلق المجلس من سعي إيران المُتواصل لإقتناء وبناء ترسانات من أسلحة الدمار الشامل وقُدرات تسليحية تقليدية وغير تقليدية تفوق الإحتياجات الدفاعية المشروعة". ويجد ذلك التبايُن تفسيره في تبايُن مصالح دول الخليج ذاتها، فالكويت تُركز على المخاطر البيئية لذلك البرنامج بإعتبارها أكثر الدول تعرُضاً لتك المخاطر حال حدوثها. وبينما لا تشُك عمان والإمارات في سلمية البرنامج النووي الإيراني، ترى المملكة العربية السعودية في إيران النووية خللاً في توازن القوى الخليجي عموماً ومع المملكة تحديداً بإعتبارها المُنافس التقليدي لإيران، وتتحدد مخاوف المملكة في إمكانية استغلال إيران نفوذها في العراق لتعزيز هيمنتها الإقليمية حال حدوث انسحاب أمريكي من العراق، فضلاً عن ارتباط السياسة السعودية الإقليمية بالتوتُرات بين السُنة والشيعة، حيثُ إنها تُشكل الزاوية التي ينظُر من خلالها قطاع كبير من الرأي العام السعودي إلى الأوضاع الإقليمية عموماً. هذا التشرذُم في الموقف الخليجيي من البرنامج النووي الإيراني قد لا يُرتب سوى نتيجة واحدة إرتأرها الأمين العام الأسبق لمجلس التعاون الخليجي الدكتور "عبدالله بشارة" وهي أن إيران النووية بهذه السياسات تفرض "حق الإملاء الإستراتيجي" علي دول الخليج، يُدعمه عدم وجود رؤية خليجية مُوحدة تجاه التطوُرات الإقليمية الراهنة في ظل جهود إيران لإستكمال مشروعاتها السياسية والأمنية في المنطقة.([xxiii])

الحقيقة الرابعة: أن أي حل دبلوماسي يُمكن أن يصل إليه المجتمع الدولي مع إيران حول برنامجها النووي هو حل سيبقى مؤقتاً ولن يقطع جذور الأطماع الإيرانية في أن تُصبح قوة عسكرية نووية. بمعنى آخر، إذا لم تُصبح إيران في الوقت الراهن قوة نووية فإنها لا محال أن تكون كذلك في المستقبل. وهو حال القوى النووية التي سبقت إيران في هذا المجال كالصين والهند وباكستان وكوريا الشمالية رغم ما تم مُمارسته ضدها من ضغوطات طالما أن هُناك رغبة في عدم التخلي عن هدف الولوج للنادي النووي، وهي رغبة يُمكن أن نستيقنها في الحالة الإيرانية. ومن ثم فإن أفضل الخيارات لمُواجهة تلك المُعضلة هى خلق حالة من التوازن مع الجار الإيراني، بما يعني أنه كما تتوافر لدول الخليج الآن استراتيجية قائمة على التعامُل مع إيران وكسب ودها كي ترضخ للحل السلمي بشأن برنامجها النووي والتي من شأنها تأجيل المطامع الإيرانية، فلا بد أيضاً أن تتوافر استراتيجية مستقبلية في كيفية التعامُل مع إيران عندما تُصبح واقعاً نووياً في المنطقة.

*باحث متخصص في الشؤون الإيرانية والخليجية.

([i]) ديفيد تانكس، الإتجاهات الرئيسية في مجال انتشار أسلحة الدمار الشامل وآثارها المحتملة علي توازن القوى في منطقة الخليج العربي: تقويم مركز في جلكلين ديفيس وأخرون(إعداد) الدفاع االجوي ولصاروخي ومواجهة انتشار أسلحة الدمار الشامل وتخطيط السياسة الأمنية (الإمارات، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، ط1، 2000) ص ص.59-60.

([ii]) د. مهدي شحادة، د. جواد بشارة، إيران وتحديات العقيدة والثورة (بيروت، مركز الدراسات العربي الأوربي، ط1، 1999)ص ص.125-126.

([iii]) أحمد سليمان البرهان، "إيران والولايات المتحدة ومحور الشر: الدوافع السياسية والإستراتيجية الأمريكية"، السياسة الدولية، العدد 148، إبريل 2002، ص.35

([iv]) في تأثير البرنامج النووي الإيراني على منطقة الخليج العربي، راجع أشرف محمد كشك، "رؤية دول مجلس التعاون الخليجي للبرنامج النووي الإيراني"، مختارات إيرانية، العدد 62، سبتمبر 2005.ص ص. 113-117.

([v]) Sohrab Shahabi and Farideh Farhi, Security Consideration and Iranian Foreign Policy, The Iranian Journal of International Affairs, Vol.VII, No.1, Spring 1995, P.P. 95-97.

([vi]) د. طلال عتريسي، البرنامج النووي الإيراني في التقرير الإستراتيجي الخليجي 2006-2007، مرجع سبق ذكره، ص.299.

([vii])عقيد طيار/ عبد الكريم السيد عبداللطيف الغربللي، "الدعوة لإقامة نظام للتعاون الأمني على جانبي الخليج، الثقة بين ساحلي الخليج العربي أساس الأمن فيه" في نحو آفاق جديدة للعلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران: المستجدات الإقليمية والدولية ومتطلبات التغيير (الكويت، جامعة الكويت، مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية، الطبعة الأولى، 2000)، ص.24.

([viii] ) أشرف محمد كشك، "الرؤية الإيرانية للتفاعلات الإقليمية"، مختارات إيرانية، العدد 23، يونيو 2002.

([ix]) راجع مؤشرات الإنفاق العسكري الإيراني في - التقرير الإستراتيجي الخليجي 1999-2000، (الشارقة، مركز الخليج للدراسات، دار الخليج للصحافة والطباعة والنشر، ط1، فبراير 2000)، ص.249.- أنتوني كوردسمان، القدرات العسكرية الإيرانية، دراسات عالمية، العدد 6( أبوظبي، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، د.ت) ص. 13. - لواء د. محمد جمال مظلوم، القدرات العسكرية الإيرانية: التقليدية وغير التقليدية، كراسات استراتيجية، العدد 38 (لندن، مركز الخليج للدراسات الإستراتيجية، 2001) ص.15.

([x]) أشرف محمد عبد الحميد كشك، تطور الأمن الإقليمي الخليجي منذ عام 2003: دراسة في تأثير إستراتيجية حلف الناتو، رسالة دكتوراة غير منشورة(جامعة القاهرة، كلية الإقتصاد والعلوم السياسية، 2009) ص ص.151-152.

([xi]) د. محمد السعيد إدريس، "الخليج والأزمة النووية الإيرانية"، السياسة الدولية العدد 165، 2006، ص 98.

([xii])ممدوح أنيس فتحي، الأمن القومي الإيراني، (الإمارات العربية المتحدة، أبوظبي، ط1، إبريل 2006) ،ص ص.97-98.

[xiii])) د.عبد الله الأشعل، " إيران والخليج: رؤية للمستقبل المنظور وأبعاد الاستراتيجية"، مختارات إيرانية، العدد86، سبتمبر 2007، ص104.

([xiv]) د. أشرف محمد كشك، "العلاقات الإيرانية الخليجية:إشكالية التوازن المفقود"، مجلة الدراسات الإستراتيجية، مركز البحرين للدراسات والبحوث، إبريل 2010.

([xv]) راجع في ذلك د. أمل حمادة، " العقوبات الدولية ضد إيران وانعكاساتها على الداخل الإيراني" في مؤتمر العقوبات الدولية ضد إيران وانعكاساتها المختلفة (القاهرة، لمركز الدولي للدراسات المستقبلية والإستراتيجية، بتاريخ 27/10/2010.

([xvi]) مصطفى اللباد، " إيران والنظام الدولي: سيناريوهات المستقبل" ، ورقة مقدمة إلى مؤتمر "إيران والنظام الدولي"، (جامعة القاهرة، مركز البحوث والدراسات السياسية، 27 أبريل 2006) ص ص. 26-27.

([xvii]) عادل درويش، "الإتفاق الأوروبي مع إيران: تأجيل لمواجهة حتمية"، جريدة الشرق الأوسط، بتاريخ 20/11/2004.... وأنظر أيضاً في ذلك، لواء د. محمد جمال مظلوم، "سيناريو إستهداف البرنامج النووي الإيراني"، مجلة الملك خالد العسكرية، العدد 97، 1/6/2009.

([xviii]) الطموحات الإيرانية على المستوى الإقليمي، مركزالدراسات الإستراتيجية للقوات المسلحة، أكاديمية ناصرالعسكرية العليا، القاهرة مايو 2007، ص. 37.

([xix]) تصريح د. محمد البرادعي لصحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 19/12/2009.

([xx]) Caiflin Tallmadge, " Closing Time, Assessing the Iranian Threat to Strait of Hormoz, " The International Security, Vol. 33, No.1, 2008.

([xxi]) تصريحات علي شمخاني المستشار العسكري لمرشد الثورة الإيرانية ووزير الدفاع الأسبق لصحيفة الحياة اللندنية بتاريخ11/8/2008.

([xxii]) جيمس نويز، "البرنامج النووي الإيراني وتأثيره في أمن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي"، مرجع سبق ذكره، ص ص 88-89.

([xxiii]) أحمد شهاب، "الخطر الإيراني وأمن الخليج العربي"، مجلة آراء حول الخليج، مركز الخليج للأبحاث، العدد 64، يناير 2010، ص. 45.


الجزء الاول : البرنامج النووي الإيراني .. بين صعود الدور وتهديد الأمن الخليجي: سيناريوهات مفتوحة(12)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.