ماجد منير - تتعامل دول الخليج مع التصعيد والتهديد المتبادل بين إيرانوالولاياتالمتحدة بحذر شديد، لأنها تعلم جيدا أنه بتحول هذه التهديدات إلى صراع عسكرى ستكون أراضيها ومياهها فى الخليج العربى مسرحا للعمليات العسكرية.. ولذلك يبدو واضحا تجنب قادة الخليج الحديث عن اللجوء إلى عمل عسكرى لوضع حد لأزمة الملف النووى الإيرانى الذى يتعامل معه الغرب بقيادة أمريكا بعيدا عن مشاركة خليجية. ويأتى دائما التلويح بالقدرات العسكرية لدول الخليج عبر الغرب ، وهذا ما حدث خلال تصاعد أزمة التهديد بإغلاق مضيق هرمز حين أعلنت الولاياتالمتحدة عن صفقة مقاتلات أمريكية من طراز «إف 15 إس إيه» تم توقيعها مع السعودية لعدد 84 مقاتلة بقيمة تصل إلى 30 مليار دولار .. إضافة إلى الإعلان عن حصول الإمارات على أحدث الأنظمة المتطورة لاعتراض الصواريخ «ثاد»، فى صفقة بلغت قيمتها 3.5 مليار دولار لتصبح أول دولة تحصل على هذا النظام المصمم للتعامل مع الصواريخ ذاتية الدفع قصيرة ومتوسطة المدى داخل وخارج الغلاف الجوى. وبينما تحرص الإمارات على تعزيز قدراتها العسكرية كإحدى وسائل الردع المهمة فإنها فى الوقت ذاته ترسل رسائل واضحة لإيران، تؤكد من خلالها رغبتها فى تجنب التصعيد، فعندما يتحدث قادة الإمارات عن إيران يكون واضحا مدى الحرص على تأكيد مبدأ حسن الجوار، وسنجد أن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات حاكم دبى، قال فى رده على سؤال حول إيران فى حواره مع «سى إن إن»: إيران دولة جارة لنا نعيش جنبا إلى جنب منذ آلاف السنين، ولا أعتقد أنهم يسعون للحصول على سلاح نووى. وزير خارجية الإمارات الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، كان واضحا فى تعليقه على العلاقات بين إيران ودول الخليج فى أكثر من مناسبة، حيث كان يؤكد دوما أن من مصلحة إيران أن تتعامل مع دول مجلس التعاون الخليجي بشكل يحفظ استقرار المنطقة وتنميتها انطلاقا من الروابط التاريخية وحسن الجوار. التناول الإعلامى فى الإماراتلإيران يتحدث عنها باعتبارها دولة جارة مدعوة إلى التعقل حفاظا على أمن الخليج التى هى جزء منه .. ويؤكد أن الملفات المفتوحة هى بين إيرانوالولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي و«إسرائيل»، وأن المنطقة تحولت إلى أرض للصراع المباشر أو بالواسطة، على النفوذ والهيمنة بمسميات وشعارات عديدة ومتنوعة. وخاطبت صحيفة الخليج الإماراتية فى إحدى افتتاحياتها قادة إيران بالقول:«إذا كانت الدول الأجنبية لا تعنيها إلا مصالحها، وهي على استعداد للمجازفة والمخاطرة من أجلها ، فإن إيران الجارة القريبة على الضفة الأخرى للخليج مدعوة للتعقل وضبط النفس، لأن أمن الخليج مسئولية مشتركة لأبنائه، وحمايته لا تخص دولة بعينها، واستقرار المنطقة والحفاظ على أمنها مسئولية جماعية». وإذا كانت دول الخليج حريصة على عدم التصعيد بين إيران والغرب تجنبا لاندلاع صراع مسلح، فإنها تجد نفسها مضطرة للاستعداد لهذا الاحتمال الذى ستكون المتضرر الأكبر منه .. نظرا لأن الجزء الأساسي من نشاطها النفطي والاقتصادي ، إضافة إلى المنشآت الإستراتيجية المهمة، على ساحل الخليج، أي في مرمى القذائف الصاروخية الإيرانية. يقول رياض قهوجي، رئيس مؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري بدبى :لا أحد في دول الخليج يريد الحرب، ولكن الجميع يستعد لاحتمال وقوعها.. دول الخليج ستدخل الحرب ضد إيران إذا تعرضت أهداف على أراضيها لهجمات إيرانية. ويشير إلى أن صفقات التسلح التى أبرمتها دول الخليج أخيرا تهدف للاستعداد، وأيضا للردع سعيا لتجنب الحرب التي ستضر بشدة اقتصاديات دول الخليج القائمة على النفط، إضافة إلى السياحة والخدمات والمصارف والنقل. من جانبه يوضح الدكتور سامى الفرج رئيس مركز الكويت للدراسات الإستراتيجية أن دول الخليج لا تبدو شريكة في اتخاذ قرار الحرب مع إيران، وهو قرار ستكون أكبر المتضررين منه.. مشيرا إلى أن هناك ساعة تدق ولا تستطيع دول الخليج أن تتحكم فيها. ويقول: هناك مدرستان في الخليج، الأولى ترفض الحرب إلا إذا فرضت فرضا، والثانية ترى أن تدخلات إيران الإقليمية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، إضافة إلى السعى لخلق توترات طائفية في البحرين وشرق السعودية، أمور لا يمكن التعامل معها إلا بهزيمة إيران إستراتيجيا، عبر إفشال مشروعها الإقليمي، وليس بالضرورة من خلال الحرب. وفى محاولة لوضع سيناريوهات محتملة لتطور الصراع فى منطقة الخليج، أعدت مؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري، تقريرا أشارت فيه إلى أن استعراض إيران فى المناورة الأخيرة بالخليج العربى التطوير الذى حققته فى قدراتها الصاروخية، ليضيف لها إمكانيات هجومية غير محددوة، يتطلب من خصومها فى المنطقة رفع درجة التأهب لأقصى قدر ممكن، خصوصا أن الأهداف العسكرية الأمريكية المهمة فى منطقة الخليج تقع فى مدى القذائف الصاروخية والصورايخ الإيرانية. ويوضح التقرير أن إيران تتدعى أن صواريخ «نور» و«القادر» وهى صواريخ سطح سطح يصل مداها إلى 200 كيلومتر تتمتع بدقة عالية، وأن أجهزة الرادار لا تستطيع رصدها .. كما تدعى أيضا أن لديها قذائف صاروخية من نوع «زلزال 3» يصل مداها إلى 250 كيلومترا، وبرغم أنه يصعب التأكد من صحة ما تسعى إيران إلى تروجيه بشأن مدى ودقة أنظمتها الصاروخية، فإن الملاحظ أنه مع كل تدريبات ومناورات إيرانية تتزايد بصورة ملحوظة معنويات وثقة القوات الإيرانية خصوصا الحرس الثورى. ووفقا لرؤية العديد من المحللين فإن هذا الارتفاع فى المعنويات والثقة يجب أن ينظر إليه باهتمام من جانب الغرب ، وعلى الأخص فى ضوء تزايد تأثير ونفوذ الحرس الثورى. وطوال الفترة الماضية كان تركيز الغرب منصبا على تطوير إيران لمنظمة الصواريخ الباليستية، بينما لم تكن تحظى ترسانتها من الصواريخ الأخرى والقذائف الصاروخية بنفس الاهتمام برغم خطورتها .. خصوصا أن الأنظمة المضادة للصواريخ الباليستية مثل «باتريوت» و«ثاد» غير فعالة ضد نظام القذائف الصاروخية .. وقد وقفت إسرائيل عاجزة فى حرب لبنان 2006 أمام القذائف الصاروخية الإيرانية التى كان يستخدمها حزب الله .. وبرغم أن إسرائيل أنتجت نظاما جديدا للتعامل مع هذا النوع من القذائف، وهو المعروف ب«القبة الحديدية» فإنه لم يخضع للتجربة فى أى مواجهات حتى يمكن الحكم عليه. ويشير التقرير إلى أن إيران لا تحتاج إلى صواريح باليستية لضرب أهداف عسكرية أمريكية فى المنطقة أو حتى أى أهداف إستراتيجية أخرى على الساحل العربى، فالأهداف العسكرية الأمريكية الحيوية فى الخليج سواء فى البحرين أم قطر أم الكويت لا تبعد أكثر من 250 كيلو مترا عن الساحل الإيرانى. ويمكن أن تنفذ إيران هجوما واسعا بالصواريخ والقذائف الصاروخية سيكون تأثيره مدمرا نظرا لعدد الصواريخ التى يمكن أن تستخدمها فى الضربة الموسعة لتغطى الأهداف العسكرية والحيوية وتعطل الهجوم المضاد من البر أو البحر. وإذا سعت إيران إلى تنفيذ تهديدها بغلق مضيق هرمز، فإنها ستنفذ هذا الهجوم الشامل سعيا لإغراق السفن الأمريكية وحلفائها فى المنطقة، إضافة إلى ضرب ممرات الطائرات فى القواعد الجوية وبالطبع عدد من الأهداف الإستراتيجة على طول الساحل الغربى للخليج .. وهذا الهجوم سوف يضعف خصوم إيران ويبعد أية مواجهات بحرية إلى خارج الخليج عند منطقة بحر عمان والخليج الهندى، ويسمح لإيران باستمرار غلق المضيق ووضعه تحت سيطرتها لفترة.. وقد يلجأ قادة إيران لتنفيذ هذا السيناريو الجرىء عندما يتأكدون من أن العقوبات والعزل الدولى لطهران وصلا إلى أقصى مدى وإن الاقتصاد الإيرانى أصبح على حافة الانهيار. وبرغم أن مثل هذا السيناريو سيكون بمثابة دعوة لأمريكا للانتقام بعنف، كما أنه سيضع إيران فى مواجهة عسكرية مع دول الخليج العربية على الساحل الغربى للخليج ، فقد يرى قادة إيران أن هذا السيناريو هو الوحيد المتاح والمقبول فى ظل مخاطر المعادلة الصفرية التى سيواجهها النظام فى طهران zero-sum game. وقد تلجأ إيران لهذا السيناريو كرد انتقامى إذا تعرضت لهجوم من إسرائيل ضد منشآتها النووية، وعندها ستحقق طهران عدة أهداف مثل: كسب بعض الوقت لتطوير برنامجها النووى وتحويله إلى عسكرى خصوصا إذا كان لديها بعض المواقع السرية غير المكتشفة.. فهناك العديد من القادة الإيرانيين الذين يسعون إلى النموذج الكورى الشمالى بحيازة سلاح نووى وعندها لن يجرؤ أحد على مهاجمتها.. كما سيتمكن النظام الإيرانى من إضعاف المعارضة فى الداخل ويزيد من إحكام سيطرته على الأوضاع الداخلية.. إضافة إلى امتلاك ورقة ضغط مهمة بإغلاق مضيق هرمز والسيطرة عليه. ويوضح التقرير أن إيران تؤمن بإن النظام لن ينهار إلا بغزو أجنبى لأراضيها، وهذا فى تصورهم أمر مستبعد لأنه سيكلف أمريكا الكثير، خصوصا فى ظل ظروفها الراهنة وفشلها فى أفغانستان والعراق، ولذلك فإنها ستعول على إنهاء سريع للصراع المسلح عبر الأممالمتحدة بالتوصل إلى إصدار قرار بوقف إطلاق النار، وبذلك سيصور النظام الإيرانى نفسه كبطل نجح فى مواجهة القوة العظمى فى العالم.