لم تعد الدروس الخصوصية قائمة بشكلها التقليدي الذي يتمثل في تأجير قاعات داخل السناتر أو تحويل الشقق السكنية إلى مكان لاستقبال عشرات الطلاب، مع توظيف قاعات السينما والساحات الواسعة وبعض الملاعب كأماكن يمكن أن تستقبل مئات الطلاب مع تعدد المبادرات التي تستهدف مساعدة الطلاب على استذكار دروسهم بشكل مجاني عبر ما يعرف ب«القوافل التعليمية» أو من خلال اتجاه قطاع كبير من مشاهير السناتر إلى استئجار قاعات كبيرة تكفي لاستيعاب الطلاب الذين تتضاعف أعدادهم في المراجعات النهائية قبل الامتحانات. ◄ المشاركة المجتمعية مطلوبة لكن ليس بتشجيعها ◄ تلتهم 136 مليار جنيه سنويا من جيوب المصريين ◄ تسويقها غير منضبط على حساب القيم التربوية يتزايد التنافس بين المعلمين في شهر الامتحانات وهو ما ينعكس على الحملات التسويقية التي ينظمها البعض على مواقع التواصل وتقديم وعود بهدايا لا تتماشى مع فكرة أن الطلاب يدرسون في مرحلة التعليم قبل الجامعي ومنها «هواتف آي فون وسيارات وقطع ذهبية ثمينة» لتكون بمثابة الطعم الذي يجذب آلاف الطلاب وهو ما يتطلب أماكن لاستيعاب هؤلاء مع عدم قناعة البعض بالجدوى من الحصص الرقمية على المنصات المختلفة. وليس غريبًا أن تظهر قاعات السينما وهي مكتظة بالطلاب ولا ساحات الملاعب التابعة لمراكز الشباب وكذلك الساحات الخاصة في المحافظات، بل إن صالات الألعاب المغلقة وهي مخصصة لحضور عدد يتجاوز ما بين 5 آلاف إلى 15 ألف شخص وهي تمتلئ بالطلاب وهو ما سلطت عليه واقعة صالة ألعاب كرة اليد العام الماضي بعد أن قام أحد معلمي الجيولوجيا باستئجارها، ويظهر بعض المدرسين في ثوب الفضيلة حينما يقرر تخفيض سعر الحصة فى حين أنه يحقق أرباحا طائلة طوال العام. ■ تجهيزات مراكز الدروس الخصوصية ◄ موسيقى ورقص ودائمًا ما يظهر بعض المعلمين وهم يصطحبون فرقا موسيقية وراقصة وقبل ذلك ظهرت «التنورة» في إحدى قاعات المراجعات، وقدم معلم آخر المنهج على شكل أغنيات يرددها الطلاب وراءه، كما أن هناك مدرسا آخر يطلق على نفسه «ساحر اللغة الإنجليزية» استأجر قاعة للأفراح لتقديم المراجعة النهائية للطلاب، وهبط عليهم فى صندوق من سقف القاعة. وفي أحيان كثيرة تتكرر دعوات المعلمين للطلاب من أجل الحضور إلى دور العرض السينمائي الصيفية والتي تنتشر على نحو أكبر في المحافظات، وأقدم أحدهم على اسئتجار قاعات الأفراح، في ظل غياب من الجهات التي من المفترض أن تشرف على الأنشطة التي يجب أن تحتضنها هذه الأماكن ويتم التعامل مع الدرس الخصوصية مثل الندوة أو المؤتمر الذى يستقطب المئات. ◄ اقرأ أيضًا | استشاري صحة نفسية يحذر من سناتر الدروس الخصوصية: أكبر الكبائر في العملية التعليمية ■ دروس خصوصية في الملاعب الرياضية ◄ المراجعة النهائية «هذا العام تنقلنا بين السناتر والقاعات والنوادي لتحصيل الدروس والحصول على المراجعات النهائية»، هذا ما يؤكده محمد ممدوح وهو طالب بالصف الثالث الثانوى، مشيرًا إلى أنه بدأ مادة اللغة العربية مع أحد المعلمين المشاهير في محافظة الجيزة وأنه داوم على حضور الحصص داخل أحد السناتر الكبيرة بشارع فيصل، إذ يصل عدد الطلاب في الحصة الواحدة إلى 400 طالبا غير أن ذلك لم يكن كافيا، ومع بدء المراجعات النهاية منذ بداية شهر مارس الماضي تعددت الأماكن التي حصلنا فيها على الحصص وكان ذلك بدافع استقطاب عدد أكبر من الطلاب وأيضا بما لا يؤدى للملل ويعد ذلك وسيلة ترويجية للمعلم. وأضاف: فى إحدى المرات حصلنا على الدروس فى إحدى قاعات الأفراح في نهاية شارع الهرم وفي مرة أخرى يتم تنظيم رحلات إلى العين السخنة تخللت أيضا الحصول على إحدى حصص المراجعة وفى مرة ثالثة ذهبنا إلى أحد النوادى الصغيرة فى الهرم، وهو أمر لم يكن معتادا بالنسبة لزملائه في السنوات الماضية لكنه بدا اُكثر انتشارا مؤخرا مشيرا إلى أن المعلمين يقدمون عروضا لجذب الطلاب وتكون الحصص بأسعار زهيدة وإذا وصل سعرها فى الطبيعى إلى 150 جنيها فإنه مع وجود مئات الطلاب تصل إلى 90 أو 100 جنيه على الأكثر. ■ دروس خصوصية ◄ 136 مليار جنيه طبقاً لتقرير صدر عن الجهاز المركزي للتعبة العامة والإحصاء في عام 2020 فإن المصريين ينفقون على الدروس الخصوصية ما يعادل 136 مليار جنيه سنوياً، وهذا المبلغ ينفق بشكل كامل على الدروس فى المنازل أو المراكز الخاصة، ما يدل على الرواج الكبير الذى تشهده. ووفقًا لوزارة التربية والتعليم وصل عدد التلاميذ فى العام الدراسى 2023 - 2024 إلى 25 مليوناً و657 ألف تلميذ فى مراحل التعليم كافة، وفيما يتعلق بالثانوية العامة التى تشهد الاعتماد الأكبر على الدروس الخصوصية والمراكز الخاصة فإن عدد الطلاب المقيدين بها هذا العام وصل إلى نحو 750 ألف طالب. ◄ غير مؤهلين تربويًا وقالت شيماء نبيل، ولية أمر ومؤسسة جروب لغد مشرق التعليمى على موقع «فيسبوك»، إن القبول بوجود أعداد كبيرة من الطلاب ومع أشخاص بعضهم لا ينتمى لوزارة التربية والتعليم وليسوا مؤهلين تربويا للتعامل مع الطلاب بمثابة شر لابد منه، نتيجة لعدم وجود بديل جيد يمكن أن يجعل الكافى يكتفى بما يحصله فى المدرسة، مشيرة إلى أنها وكثيرا من أولياء الأمور طالبوا وزارة التربية والتعليم بأن يكون هناك بديل لسناتر الدروس الخصوصية داخل المدرسة والتى يمكن استغلال مبانيها وجدرانها عقب نهاية اليوم الدراسى. وأوضحت أن أولياء الأمور فى تلك الحالة سيقومون بدفع الأموال وهم لديهم قناعة بأن جزءا منها سيعود على تطوير العملية التعليمية أو تطوير البنية التحتية التى بحاجة لجهود كبيرة، وأن الاعتماد على «مجموعات التقوية» هى تشير للارتكان على مسميات فقط، ومثلما اتجه وزير التربية والتعليم لإيجاد بدائل للكتب الخارجية من خلال طرح بوكليت للطلاب العام المقبل يجب أن يكون هناك حل مماثل للدروس الخصوصية، مشيرة إلى أن أولياء الأمور الذين لديهم قدرات مادية يلجأون لاستقطاب المعلمين للمنزل وتتكلف الحصة الواحدة 300 جنيه وهو رقم صعب بخاصة أن الطلاب يحصلون على دروس فى غالبية المواد وأن ذلك بالنسبة لطلاب المرحلة الإعدادية. ◄ تكدس المناهج وأشارت إلى أن سبب تفاقم ظاهرة الدروس الخصوصية يعود إلى تكدس المناهج وصعوبتها، وسيكون على الوزارة إدخال تعديلات كبيرة على حجم المحتوى الذى يحصّله الطلاب، كما أن تكاسل بعض المعلمين عن أداء مهام عملهم بجدية داخل المدرسة لديه سبب مهم فى اتجاه الطلاب للتواجد داخل كثافات تفوق المدرسة لكنهم يلقون خدمة تعليمية جيدة تدفع لدمع الأموال نظير الحصول عليها. ◄ بيزنس الملازم وذكرت أن عدم وجود كتب مدرسية مطبوعة فى المرحلة الثانوية جعل هناك بيزنس الملازم التى يقوم كل مدرس بإتاحها للطلاب بمقابل مادى ضخم إلى جانب ما يدفعه ولى الأمر فى الحصة الواحدة، وأن وجود كتاب مطبوع بمثابة رمانة ميزان يحتكم إليها الطلاب بدلا من افتكاسات المعلمين التى يدفع ثمنها الطلاب وأولياء الأمور فى حين أن بعض المحتويات لا يمكن الوثوق فيها وليس معروفا مصدرها العلمى السليم. وأشار إلى أن القوافل التعليمية ومبادرات جمع مئات الطلاب بدعم من جهات محلية أو حزبية هو أيضا شر لابد منه لكنه ليس وسيلة ناجزة للتعامل مع الدروس الخصوصية أو الحد منها لأن هذه الجهود تكرس لها ويجعل الطالب يقنع بأن هناك تقنينا للأوضاع الخاطئة بدلا من تصويب الوضع من الأساس ◄ ظواهر جديدة وقال الدكتور عاصم حجازى، أستاذ علم النفس التربوى بجامعة القاهرة، إن ما يحدث الآن من ظواهر جديدة يمكن وصفه بأنه تسويق غير منضبط للدروس الخصوصية على حساب القيم التربوية التى من المفترض أن يتعلمها الطالب، مشيرًا إلى أن شخصية المعلمين تطغى على الطلاب وفى حال لم تكن ظروف عملية التدريس منضبطة وفق الأسس التربوية فإن الطالب يتأثر سلبًا، لافتًا إلى أن منظومة الدروس الخصوصية بصيغتها الحالية هى خطر فى ظل وجود معلمين غير متخصصين ومع استخدام أساليب ترويج تحول التعليم إلى سلعة مادية. وأضاف أن الدروس الخصوصية وإن كان الطلاب يستفيدون منها على مستوى التحصيل ولكنها تخرج طالباً تواكلياً لا يعتمد على نفسه ويحتاج إلى من «يُشربه المعلومات»، والطلاب لايريدون إجهاد أنفسهم فى التفكير كما أن التنافس القائم على أبعاد مجتمعية وليس تعليمية بين الطلاب يساعد المعلمين على إنجاح خططهم التسويقية. ولفت الدكتور أحمد عبدالحميد، الخبير التربوى، إلى إن المشاركة المجتمعية للتخفيف عن الأسر مطلوبة ولكن ليس من خلال تشجيع الدروس الخصوصية وانما عبر تطوير المدارس والتوسع فى بناء منشآت جديدة تستوعب الطلاب، وأن الدور الرئيسى يجب أن يكون على عاتق المدرسة مع ضرورة توفير المناخ الملائم، مشيرًا إلى أن التعاقد مع معلمى الحصة لسد عجز المعلمين يمكن تكراره عبر التعاقد مع مشاهير الدروس الخصوصية ليكون ذلك بشكل شرعى داخل المدرسة.