حلل مسؤولون وخبراء فلسطينيون في قراءتهم لانتخابات الكنيست الاسرائيلي التي بدأت صباح اليوم عن اعتقادهم بأن الانتخابات تجري في خضم طغيان خطاب اليمين المتطرف والتوسع الاستيطاني ورفض حل الدولتين، والتجييش الشعبي ضد إيران،. وقالوا في استطلاع صحفي نشرته صحيفة "الغد" الأردنية الصادرة في عمان اليوم الثلاثاء إن المعطيات تؤكد أن اليمين سيهيمن على البرلمان، الذي تشارك في سباقه 32 لائحة انتخابية، بات شبه مؤكد أن 11 لائحة منها ستجتاز نسبة الحسم وان اليمين المتطرف سيحافظ على غالبيته في الكنيست.
ويبلغ ذوو حق الاقتراع في إسرائيل نحو 5,656 مليون شخص، ولكن حسب تقديرات دائرة الاحصاء المركزية، فإن 11 % من هؤلاء متواجدون خارج إسرائيل، وغالبيتهم الساحقة جدا في عداد المهاجرين.
ويقول المشاركون في استطلاع "الغد" الاردنية اليوم نمر حماد المستشار السياسي للرئيس الفلسطيني محمود عباس وخبير الشؤون الإسرائيلية غازي السعدي والقيادي الفلسطيني أستاذ العلوم السياسية عبدالستار قاسم، أن نسبة فلسطينيي 48 من بين ذوي حق الاقتراع عامة، يبلغ نحو 14,5 % ما يعني حوالي 820 ألف صاحب اقتراع،في اشارة الى ان نسبة المصوتين في الانتخابات السابقة حوالي 63,5 %، وكانت بين اليهود أكثر بقليل من 64 %، مقابل 53,5 % بين فلسطينيي 48، وتكون أعلى نسب التصويت بين المستوطنين والاصوليين اليهود "الحريديم"، حيث تتراوح نسب التصويت بين 80 % و90 % وأكثر.
ويتصدر تحالف حزبي "ليكود وإسرائيل بيتنا" برئاسة بنيامين نتنياهو مقدمة التنافس الانتخابي، الذي تقلص منذ فترة لصالحه، رغم ما تسبب فشل عدوان الاحتلال ضد قطاع غزة والذهاب نحو التحالف الثنائي في فقدانه بضعة مقاعد تسربت لحزب "البيت اليهودي" الأكثر غلواً وعنصرية ضد الفلسطينيين العرب، وتعزيز مكانة اليمينيين المتطرفين في الانتخابات الداخلية لحزب "الليكود" ، بأن تبقى حظوظ نتنياهو قوية لتشكيل الحكومة القادمة، التي سيتمتع فيها المستوطنون بحظوة كبيرة، وتجلت مسبقاً في "حرص تحالف نتنياهو ليبرمان على تبني ما يريدونه، بما يؤشر على اعتقاد نتنياهو بتوجه الداخل الإسرائيلي نحو التطرف".
عزلة الاحتلال
ويقول نمر حماد المستشار السياسي للرئيس محمود عباس، إن المفارقة تكمن في زيارة نتنياهو للمستوطنات لطلب تأييدها في المعركة الانتخابية، في الوقت الذي يشتكي فيه من عزلة إسرائيل ومن الأعداء ضدها، من دون إعطاء الجواب على سبب تلك العزلة.
وأضاف "إذا قدُّر لهذا التحالف تشكيل الحكومة القادمة، وفق المؤشرات الراهنة، فإن الإدارة الأمريكية لن تستطيع الاستمرار بنفس الموقف السابق وعدم التعاطي بطريقة مختلفة مع السياسة الإسرائيلية".
بينما "تجد أوروبا ضرورة توفر طرف ثالث يتقدم بمبادرة ملزمة تقود إلى حل الدولتين، بتنسيق عربي فاعل لتشكيل ضغوط حقيقية على سلطات الاحتلال".
ورأى نمر حماد، أن "نتائج الانتخابات الإسرائيلية، في حال فوز اليمين المتطرف، ستؤدي إلى مزيد من العزلة للاحتلال وستعطي فرصة حقيقية لتحرك عربي أوروبي بمبادرة مشتركة وقوية نحو الإدارة الأمريكية لتحريك العملية السلمية".
وتبرز مؤشرات الخريطة الحزبية الإسرائيلية، التي تتسم بالفسيفسائية والانشقاق المتكرر وتغير التحالفات وفق المصلحة، التقدم الواضح لليمين على معسكر اليسار والوسط، حتى في ظل حدوث تغيرات فيها أو حتى عند بقائها على وضعها الحالي.
وقد تسبب فشل اتفاق التحالف بين الوسط واليسار والأحزاب العربية في إخلاء حلبة المنافسة لصالح تحالف نتنياهو ليبرمان الذي تشير استطلاعات الرأي الإسرائيلية إلى توقع حصوله على 33-35 مقعداً من إجمالي 120 مقعداً في الكنيست، وتشكيل التحالف اليميني الديني لنحو 66 مقعداً.
أحزاب عربية
وقال خبير الشؤون الإسرائيلية غازي السعدي، أن ثلاثة أحزاب عربية تخوض انتخابات الكنيست التاسعة عشرة الحالية ممثلة في محمد بركة عن الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، وإبراهيم عبد الله رئيس القائمة الموحدة والعربية للتغيير، وجمال زحالقة عن التجمع الوطني الديمقراطي. بينما من المرجح "تخطي 12 قائمة، من إجمالي 33 تخوض الانتخابات اليوم، لنسبة الحسم المحددة 2 %، ومن أبرزها نتنياهو ليبرمان، والبيت اليهودي وحزب شاس ويهودية التوراة، والعمل، و "يوجد مستقبل" وميرتس والحركة و كديما"، وفق خبير الشؤون الإسرائيلية غازي السعدي.
ويقول لقد غاب التصور الإسرائيلي لحل الدولتين عن البيان الانتخابي لنتنياهو لصالح القبول شفاهة بكيان فلسطيني منزوع السلاح ومنقوص السيادة لا يخرج عن إطار الحكم الذاتي المعني بالشؤون المدنية للسكان، باستثناء السيادة والأمن الموكولتين للاحتلال.
ولم تنفك الأحزاب الصهيونية عن تغذية منافستها للانتخابات بوعود التوسع الاستيطاني ورفض تقسيم القدس وحق العودة، بينما اختار رئيس حزب الاتحاد القومي وعضو "الكنيست" الحالي ارييه الداد "الأردن هي فلسطين" عنوان حملته الانتخابية. فيما دعا مرشح اخر لتفجير قبة الصخرة المشرفة وتتنافس القوى الأخرى على التسابق مع التيار اليميني، بالارتكاز في قاعدتها الانتخابية على أجواء تزداد يمينية، بخاصة من تعتبر نفسها أحزاب يسار ووسط مثل "يوجد مستقبل" بزعامة المتطرف بائير ليبيد، و"كديما" و"العمل"، الذي بات بزعامة شيلي يحيموفيتش أكثر يمينية، ووزيرة الخارجية والليكودية السابقة تسيبي ليفني التي أعلنت العودة للحياة السياسية بحزب مناهض لنتنياهو.
وقد ينزع نتنياهو، بحسب قول السعدي ل"الغد الأردنية "، إلى "ضمّ أحزاب من الوسط إلى تشكيلة حكومته القادمة، إذا صدقت المؤشرات الانتخابية الراهنة، حتى لا يظهر أمام المجتمع الدولي بتحالف يميني متطرف، وسط عزلته الدولية".
ورأى أن "الخريطة السياسية الإسرائيلية القادمة لا تؤشر على تحقيق تقدم في المفاوضات أو حصول تسوية سلمية، إلا إذا كانت وفق مقياس الاحتلال التي يرفضها الجانب الفلسطيني لأنها لا تلبي الحد الأدنى من حقوقه الوطنية".
واعتبر أن "الداخل الإسرائيلي يسير نحو اليمين منذ العام 1977 عند تسلم الليكود مقاليد الحكم من العمل، فيما تعزز الزعامة الإسرائيلية والوسائل الإعلامية والمؤسسية نزعة التطرف داخله بتعظيم المخاطر التي تهدد وجوده وتحدق بالكيان المحتل".
ويتفق محللون على نزوع نتنياهو للتصعيد ضد إيران، ولكنه لا يستطيع شن حرب بدون الولاياتالمتحدة، اما القيادي الفلسطيني استاذ العلوم السياسية الدكتورعبد الستار قاسم فيعرب عن اعتقاده بأن "الانتخابات الإسرائيلية تسير بشكل اعتيادي وبدون إحداث نقطة تحول، أو انعكاس على القضية الفلسطينية".
وقال إن "المتتبع للانتخابات الإسرائيلية المتلاحقة يجد انتفاء الفروقات بين الحكومات ورؤسائها فيما يتعلق بالسياسة التقليدية الممثلة بالاستيطان والتهويد والعدوان ضد الشعب الفلسطيني".
واستبعد حدوث "تقدم في مسيرة تفاوضية لا متناهية، لن يعطي الجانب الإسرائيلي فيها أي شيء للفلسطينيين"، معتبراً أن "مشكلة العقل العربي تكمن في بحثه عن حل للقضية الفلسطينية في نواتج الانتخابات الإسرائيلية وليس متابعتها لوضع السياسات اللازمة لمواجهة الاحتلال.