• لجنة التحكيم تتعرض لابتزاز المرشحين • الشهرة والتربيطات .. من أسرار الجائزة • مثقف يدعو لتحويل "النيل" لجائزة عربية • الجائزة يجب أن تكون أوسمة وليست أموالا
كتبت – شيماء عيسى
بعد إعلان جوائز الدولة لهذا العام ، ثارت اعتراضات كثيرة من جانب مثقفين أعلنوا أنها تذهب لأصحاب السلطة، فقد حصل عليها هذا العام وزير الثقافة السابق الذي استقال خصيصا من اجلها كما فاز بها رئيس اتحاد الكتاب ، بينما وصفها بعضهم بأنها تحولت لإعانة مالية لأصحاب المرض أو الراحلين من المبدعين في إشارة لفوز أصلان والبساطي، الأديبان المصريان المعروفان..
وشبه كتاب الجائزة بمكافأة نهاية الخدمة ، وقالوا أنه يندر حصول أحدهم عليها بغير إجادة التربيط مع الجهات المرشحة والمصوتة أو أن تكون وجها مألوفا لوسائل الإعلام. وربناء عليه فقد اقترحوا تغيير آلية الجائزة واختيار المرشحين لها ، فيما ذهب بعضهم لإلغاء وزارة الثقافة بأكملها وجعل جوائز الدولة من مهام المؤسسات المختصة. وعلى الجانب الآخر يصر أعضاء المجلس الأعلى للثقافة وأمينه على أن الجائزة حيادية وموضوعية وليس بها مجاملات .. السطور التالية تكشف التفاصيل الأديب الكبير بهاء طاهر أحد أعضاء لجنة التحكيم للجائزة قال ل"محيط" : الترشيحات يتم فحصها ولا يتم قبولها إلا عبر لجان نوعية تقدر مدى ملائمة المرشح للمعايير الموضوعة . وأي معايير سنضعها لأي جائزة لن ترضي كل الناس، وأرى أن جوائز الدولة هذا العام تمتاز بالموضوعية وتذهب لمن يستحقها في معظم الحالات.
وقال طاهر أنه لا توجد مجاملة بدليل عدم فوز الدكتور مصطفى العبادي، عضو مجلس الثقافة، بالجائزة حتى الآن .
وأكد على المعنى ذاته الدكتور سعيد توفيق الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، قائلا أن هذا العام شهد أفضل أداء للجنة منح الجائزة خاصة أنها وضعت قوائم قصيرة بمن يستحقون التكريم هذا العام للإسترشاد ، وأفادت المصوتين حين لا يكون لديهم دراية بالمرشح للجائزة .
وأضاف توفيق : سنعقد اجتماعا قريبا لبحث آليات جديدة تجعل الجائزة أكثر انضباطا ، وكون أن مرشح أكثر استحقاقا لم يفز بالجائزة ، لا يجعل من فاز غير مستحق .
وقال أمين المجلس أن المرشحين من ذوي القامات الكبيرة واختص بالذكر الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي الذي كان يستحق برأيه جائزة النيل لأنه صاحب مدرسة شعرية أثرت العالم العربي .
على النقيض، انتقد الدكتور عز الدين شكري الدبلوماسي والروائي الأسلوب المتبع في جوائز الدولة ودعا لتبني مشروع توافقي وضعه المثقفون وأشرف عليه خلال أمانته للمجلس الأعلى للثقافة سابقا، لإعادة هيكلة المجلس ولجانه والجوائز التي يمنحها . ومن بين ملامح المشروع ألا يتقدم أي مبدع أو عالم للجائزة وكأنها مسابقة ، قائلا أن الأصل أن الدولة هي التي تختار من تمنحه التكريم ، وقال أن حل مأزق التصويت من المناسب له وضع لجنة تحكيم متجددة سنويا وسرية لا يعلن عنها إلا بعد إعلان الجوائز، حتى لا يتعرض المصوتون على الجائزة لإلحاح المرشحين لاختيار أسماءهم .
كما دعا شكري للائحة جديدة للجائزة تشترط أن تختار مجالس الكليات والمؤسسات الثقافية مرشحين للجائزة من خارجها، لأن ما يحدث أن مجلس كل مؤسسة يختار رئيسه أو أحد أعضائه .
وطالب المتحدث كذلك بإلغاء جائزة "النيل" أو تخصيصها لتكريم المتميزين في العالم العربي ، فقد كانت جوائز الدولة التقديرية والتشجيعية تفي بالغرض، فالأولى للأسماء البارزة والثانية للمشاريع المتميزة وخاصة من الشباب . ثم ظهرت جائزة التفوق لتكون بينية ، أي لمن يستحق التكريم ولم يمنح الجائزة الكبرى . ولذا ليس هنا منطق لأن تكون هناك جائزة مضافة تعلو فوق كل تلك الجوائز .
وأكد الأديب أن جوائز الدولة يجب ألا تكون مالية، حتى لا تتحول مع الوقت كما نرى أحيانا لإعانات مالية للمبدعين الذين يمرون بمحنة المرض أو لأسر المبدعين بعد رحيلهم ، وهو عمل خارج نطاق فكرة التكريم من الدولة ، وقريب من العمل الإنساني . وقال أن الجائزة يجب أن تتمثل في ميدالية أو وسام كما تفعل كل الدول في العالم.
وحين سألنا الدكتور أسامة أبوطالب الأستاذ بأكاديمية الفنون ورئيس تيار "هوية" الثقافي اعترف بأنه مقاطع لنتيجة جوائز الدولة وتشكيل لجان المجلس الأعلى للثقافة بالصورة التي تمت عليها في عهد وزيرين مؤقتين سابقين ما أدى لتكرار نفس الوجوه لعضوية اللجان والإصرار على استبعاد أسماء ذات قيمة كبيرة. ودعا لمنح الجائزة لأصحاب العطاء والتاريخ الناصع ، كما دعا لتشكيل لجنة وطنية لبحث أسس منح جوائز الدولة .
وكان اقتراح الدكتور الطاهر مكي عضو مجمع اللغة العربية هو إلغاء وزارة الثقافة برمتها التي لا يوجد لها على حد قوله نظير إلا في الأنظمة الاستبدادية، معتبرا أن جائزة الدولة يجب أن تمنحها المجالس القومية المتخصصة بما تضمه من نخبة من الخبراء والمتخصصين. وضرب المثل بجوائز المركز القومي للبحوث التي يمنحها للعلماء ولا تثير الجدل لأنها لا تدخل بها هذه العشوائية في المنح ، كما دعا للتخصص فيمن يصوت على الجائزة ، متسائلا كيف يصوت أديب أو فنان على جائزة تمنح لعالم ؟.
وبغضب بالغ، أكد الدكتور حامد أبوأحمد عضو مجلس إدارة اتحاد كتاب مصر أن الجوائز هذا العام "فضيحة" ، فمن جهة نرى وزير ثقافة يستقيل ليحصل على جائزة الدولة التقديرية، وهو يعلم أن نصف المصوتين على الجائزة من الموظفين بوزارة الثقافة وسيعطوه اسمهم، فيما يعد تحايلا واستغلالا للمنصب يجب محاكمته عليه ، فضلا عن أنه حاز جائزة لا يستحقها، وهي التقديرية في العلوم الاجتماعية . وقال أن الفضيحة الثانية تكريم محمد سلماوي رئيس اتحاد كتاب مصر، ومعروف أيضا أنه عضو بالمجلس بصفته تلك ، والتكريمات لا يقول لنا أحد جاءت على أي أساس .
وانتقد أبوأحمد فوز أصلان بجائزة النيل أيضا، قائلا أنه حاز كل الجوائز حيا وميتا ، وأن المسألة أنهم – أي المصوتون – أرادوا الوفاء لذكراه .
أما حلمي النمنم رئيس مؤسسة "دار الهلال" فاكتفى بالقول : المعايير والقانون الذي تقوم عليه جوائز الدولة "زفت" .
وفي تعليق الشاعر والمفكر الدكتور علاء عبدالهادي ، اتفق مع دعوة إلغاء وزارة الثقافة ، لأنها عملت طوال سنواتها على إدخال المثقفين لحظيرة السلطة ، ولازالت كافة أبنية الدولة العميقة تقوم بالدور نفسه وكأن الثورة لم تقم .
ورأى الشاعر أن جوائز الدولة تبرهن أن الثورة لم تمس حتى الآن أحد أهم أبنية النظام السابق وهي الثقافة ، ونرى أن كافة قيادات الوزارة هم ممن يطلق عليهم فلول النظام السابق لتبعيتهم له ، وللأسف فقد أهملت الثورة البعد الثقافي وتغييره لدى المجتمع رغم أنها حق كالغذاء والعلاج، كما أهملت عقل مصر النظري وركزت على البعد الاقتصادي .
ويرى عبدالهادي أن تغيير جوائز الدولة يبدأ من تغيير المنظومة الفاسدة ككل ، لأن الإصلاح لا يبدأ بالجزء ويترك الكل .
أخيرا ، يقول الشاعر صبحي موسى مدير النشر بقصور الثقافة أن جوائز الدولة باهتة وبلا أي حضور، وهي تتحول مع الوقت لمنح مالية أكثر منها جوائز ثقافية، وفي كل عام منذ تولى فاروق حسني وزارة الثقافة يفوز ثلاثة أو أربعة أسماء بالجائزة عن استحقاق ويفوز من بعدهم أسماء لا علاقة لهم بالأمر .
وينتقد الشاعر عدم تخصص المصوتين على الجوائز وهو ما يجعلهم يعطون صوتهم لمن هو أكثر شهرة فتذهب الجائزة مثلا للشاعر حسن طلب ولا تذهب للروائي محمد ناجي الأقل شهرة رغم استحقاقه أرفع التكريمات برأيه، وقال أن هناك العشرات ممن يستحقون الجائزة ولا يتم ترشيحهم لها لأنهم لم يتذلفوا لمسئولي أي جامعة كي تقوم بترشيحهم ، فضلا عن أن الجامعات لا تعرف إلا العاملين بها وعلاقتها بالمجتمع محدودة . وكذلك الحال يمكن أن نلمحه في ترشيحات أتيليه القاهرة أو اتحاد الكتاب وأكاديمية الفنون التي يحكمها منطق الشفعة أكثر من الاستحقاق .
والأغرب برأي موسى أن هذه الجوائز أصبحت مثل الترقيات الحكومية، فالذي يفوز بالتشجيعية يدفع بأوراقه فوراً للتفوق ، وإذ تخطى هذه نرى اسمه في العام التالي في المرشحين للتقديرية.
ويقترح الشاعر أن يحظى الفائزون بمنح شرفية كأن تترجم أعمالهم أو تطلق أسماؤهم على قاعات في المكتبات الشهيرة، أو أن يحصل الكاتب على لقب الدكتوراه الشرفية، أو يوضع اسمه في لوحات شرف بقصور الرئاسة أو غيرها.. مختتما بقوله : علينا أن نبحث عن النزاهة في جائزة تحمل اسم مصر بعد الثورة .