أشعر أن جوائز الدولة تشبه الشيء الذي أُكِل من قبل ثلاث أو أربع مرات، فهي ممضوغة وممجوجة وباهتة وبلا أي حضور، ولم يعد أحد يعول عليها إلا في أن الحصول عليها يفك زنقة أو ضائقة مالية، أو التمكن من تحقيق حلم مؤجل كالحصول على شقة أو شراء سيارة أو المساهمة في زواج الأبناء، لكنها على كل الأحوال لا تمثل الدولة المصرية ولا تاريخها الثقافي وتعد صاحبها بمستقبل أدبي باهر، فجانب كبير ممن حصلوا عليها جاءتهم في سن المعاش كنهاية خدمة، وجانب أكبر حصلوا عليها ليس لأنهم أدباء ولكن لأنهم اجتماعيون أو أدوا مصالح جليلة لجماعات أو مؤسسات أو أشخاص، وفي كل عام منذ أيام فاروق حسني يفوز ثلاثة أو أربعة يستحقون الجائزة ويفوز من بعدهم أسماء لا علاقة لها بالأمر، ودائمًا ما كان فاروق ورجاله يقولون أن التصويت نزيه، وهم بالفعل صادقون، لأن التصويت علني وأمام الجميع ولا ألاعيب فيه، لكنه مبني على أساس خاطئ، فمبدئيًا أعضاء المجلس الذين يحق لهم التصويت معروفون، ويمكن التربيط معهم علنًا، ثانيًا أن هذه اللجنة ثلاثة أرباعها لا علاقة لها بالاختصاصات التي تصوت عليها، فوزير الآثار لا يختلف عنده البساطي عن محمد سلماوي، بل إن سلماوي أفضل لأنه أكثر شهرة، وحسن طلب أشهر من محمد ناجي، فيفوز طلب ولا يحصل عليها ناجي، رغم أنه أحق من سلماوي بالتقديرية وليس التفوق، ولنا أن نتخيل أن هناك العشرات ممن يستحقون الجائزة ولا يتم ترشيحهم لها، لأنهم لن يتزلفوا لمسئولي أي جامعة كي تقوم بترشيحهم، فضلاً عن أن الجامعات لا تعرف إلا العاملين بها، وعلاقاتهم بالمجتمع الثقافي سواء الأدبي أو الاجتماعي أو الفني محدودة، وتحكمها الغيرة، ومن ثم فلن يتم ترشيح أسماء حقيقية، وإذا حدث فدائمًا ما يكونوا ضعفاء لأن ترشيحهم جاء بمنطق الشفعة وليس الاستحقاق، ولنا أن نراجع ترشيحات أتيليه القاهرة أو اتحاد الكتاب فضلاً عن الجامعات، وأكاديمية الفنون. في ظننا أن هذه الجوائز نفدت صلاحيتها منذ زمن بعيد، نظرًا لنفاد الفكرة الجهنمية التي قامت عليها، وهي فكرة الحظيرة، فلك تفوز بجائزة لابد أن تمر بدروب اللجان والأعضاء والمؤسسات، لا بد أن تكون من المجاملين المتقاطعين مع النظام، أي لابد أن تدخل الحظيرة من أوسع أبوابها، وأن تخدم كي يتم التأكد من ولائك ومدى الثقة فيك، حينها يمكن لمهندس الجائزة أن يوصي عدد من الزملاء الأعضاء عليك فتفوز بها، أو بالأحرى تفوز بأموالها، والمدهش أن هذه الجوائز أصبحت مثل الترقيات الحكومية، فالذي يفوز بالتشجيعية يدفع بأوراقه فورًا للتفوق، وكأنه ينتقل من المرحلة الابتدائية إلى الإعدادية، وإذ تخطى هذه نرى اسمه في العام التالي في المرشحين للتقديرية، وإذا تخطى المرحلة الثانوية أو أصبح على الدرجة الأولى نجده من المدرجين سنويًا للفوز بجائزة مبارك التي تحول اسمها للنيل، رغم أن النيل له وسام، وهو أرفع الأوسمة المصرية، وكان يجب عدم الخلط بينه وبين هذه الجائزة، أو أن يكون هو نفسه الجائزة الكبرى، هكذا أصبحت نوعًا من الترقي، حتى أن من لم يفوزوا بالتشجيعية لديهم تصور بأنهم لا يجوز لهم التقدم للتفوق، سواء بأنفسهم أو عبر ترشيح جامعات ومؤسسات ثقافية، لأن الشرط الاعتيادي لم يتحقق لديهم، وقد كرس النظام القديم لهذه الآلية، مثلما كرس لأن الجائزة هي مكافأة نهاية خدمة، وأنك لابد أن يكون لك شيخ يدافع عنك ويحمي مصالحك مثلما تخدم مصالحه في الظاهر والباطن، لابد أن يكون لك قطب وولي وسيد، وأن تنتمي إلى قطيع أو جماعة أو شلة، هذه هي مأساة جوائز الدولة، التي انتقلت إفرازاتها إلى مختلف أنواع الجوائز، ولم يعد لدينا جوائز ولا تحقق أو استحقاق فني ولكن هناك منحة مالية تهبط على رأس أولي العزم والتزلف والاتصال وأحيانًا ذوي القربي واليتامى والمساكين والعاملين عليها. في تصورى أن ما بناه النظام القديم لم يكن إلا لصالح النظام القديم، ولا فائدة ترجى من ورائه غير التكريس للنظام القديم نفسه، ومن ثم فإذ كنا نؤمن بأن ثورة حدثت في القطر المصري فعلينا أن نعيد النظر في الأمر برمته، وأن نسأل أنفسنا عن أهداف هذه الجوائز، ودلالة مسمياتها، واستحقاق أصحابها، وفي النهاية سيدلنا هذا على الطريقة التي يجب أن تتم بها، فالتشجيعية من مسماها للشباب، لعمل واحد أو عدة أعمال، لسن معين، نسعد حين يكون دون الثلاثين، كي تكون تشجيعية بحق، وكي يتمكن صاحبها من التحقق على مهل من خلال وجوده بها في الوسط الثقافي المصري، أما التفوق فهي لسن لا يتجاوز الأربعين، والتقديرية والنيل فمداهما مفتوح، وكل هذه الجوائز لا يتقدم لها المبدع، لأنها ببساطة تتحول من تقدير لإنجاز إلى تسول واسترزاق حين يتقدم لها ويلح عليها، ولكن يجب أن تكون لها لجنة مختصة بكل مجال، لكنها سرية متفرغة من قبل وزارة الثقافة لهذا الأمر، مهمتها أن تشتري أي عمل يصدر في مجالها، وتقوم بقراءته، وتكتب تقاريرها السرية عنه، ثم تقوم بتصفية الأعمال والتقارير إلى خمسة أو عشرة أعمال يتم الإعلان عنهم مع بداية شهر يناير أو مارس، ثم تصفيتها ليعلن عن اسم الفائز بالجائزة، هذا في التشجيعية، أما باقي الجوائز فالأمر يتوقف على اللجنة التي تتابع وتقرأ، فيمكنها أن تمنح كاتبًا جائزة النيل على عمل موسوعي مهم قام به، رغم أن سنه لا يتجاوز الخمسين، في حين تمنح كاتبًا عن مجمل أعماله التقديرية وهي في الثمانين من عمره، بالطبع لا بد من وجود قائمة قصيرة في كل جائزة ومجال، بحيث يتردد اسم الكاتب إعلاميًا، وأن يعرف الجميع أن هناك أكثر من كاتب مهم، وأن يتم ترجمة العمل الفائز، أو عدة أعمال في الجوائز الكبرى، وأن يمنح أصحاب الجوائز الكبرى منحًا شرفية، كأن تطلق أسماؤهم على قاعات في المكتبات الشهيرة، أو أن يحصل الكاتب على لقب الدكتوراه الشرفية، أو يوضع اسمه في لوحات شرف بقصور الرئاسة أو غيرها، علينا أن نبحث عن النزاهة، وأن نسعى ليس لتخليد صاحب الجائزة ولكن لترويجه والتوسيع من الدائرة التي فاز من بينها، ولكن يحدث ذلك إلا بالتجرد من المصالح الشخصية، وإعادة الثقة في الجوائز باختيار أسماء تستحق، عبر لجان مختصة وليس تصويتًا شعبويًّا عشوائيًّا لا يعرف فيه المصوت حتى اسم من يصوت له.