ظهرت الأستاذة صافيناز كاظم في أحد البرامج الرمضانية التي تعتمد علي المواجهة بين ضيفي البرنامج، وكان في مواجهتها الأستاذ حلمي النمنم - الكاتب الصحفي ونائب رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب - والأستاذة صافيناز كاظم كاتبة كبيرة لها وجهات نظر ضد السياسة الثقافية لوزارة الثقافة، ولها وجهات نظرها في السياسة والثقافة والحياة عموما، ولم أكن لأفكر في الرد عليها أو مناقشتها فيما تكتب أو تقول، لكنها في هذا البرنامج التليفزيوني تعرضت لي بالاسم، وذكرت أموراً ربما لبعد الزمن ليست دقيقة، وأنا لا أرد هنا كي تغيير الأستاذة صافيناز كاظم وجهة نظرها، لكن أرد لأدفع اتهاماً باطلاً عن مؤسسة ثقافية محترمة. ذكرت الأستاذة صافيناز كاظم أنها اتصلت بي لتسألني عن سبب عدم فوز الإذاعي الراحل محمد محمود شعبان بجائزة الدولة التقديرية، وأنني قلت لها: إن اسمه لم يعرض علي اللجنة أصلا، في محاولة للتدليل علي انحياز المجلس الأعلي للثقافة، وعدم موضوعية الجوائز التي يمنحها. وما لم تقله الأستاذة صافيناز، لأنها نسته علي ما أعتقد، أنني أخبرتها علي ما أذكر أن سبب عدم عرض اسم محمد محمود شعبان للتصويت، أن ترشيحه للجائزة تم بعد وفاته، وهذا مخالف للقانون، ومن المؤكد أن محمد محمود شعبان كان يستحق جائزة الدولة التقديرية، فهو مبدع في مجال العمل الإذاعي، وكانت له إسهاماته المهمة في تكوين الوجدان الثقافي لأجيال متعاقبة من أبناء هذا الوطن، لكن القانون هو القانون، ولا يمكن أن نخالفه أو أن ندعو إلي مخالفته، وهذا القانون لم يسنه المجلس الأعلي للثقافة أو وزير الثقافة أو أمين المجلس، إنه قانون صادر عام 1958، وينص علي أن المرشح للجائزة لابد أن يكون علي قيد الحياة، مع جواز حصول المرشح علي الجائزة إذا توفي بعد الترشيح وقبل موعد التصويت. ولما كانت الجهة المرشحة للرجل قد رشحته بعد وفاته فقد كان الترشيح باطلا، ومن ثم لم يعرض الاسم علي المجلس الأعلي للثقافة للتصويت عليه، دون سوء نية أو سوء قصد من المجلس ومن القائمين عليه. وبهذه المناسبة هناك عدة نقاط أثارتها الأستاذة صافيناز في حديثها بشأن الجوائز تحتاج إلي إيضاح، أولها أن المجلس غير مسئول عن الترشيح لجوائز الدولة، فالجوائز نوعان: جوائز يتقدم لها الأشخاص بأنفسهم مثل جوائز الدولة التشجيعية، وأخري ترشح لها جهات مختلفة مثل جوائز مبارك وجوائز الدولة التقديرية، بينما تجمع جوائز الدولة للتفوق بين ترشيح الهيئات وإمكانية تقدم الشخص بنفسه للجائزة، إذن فالمجلس ليس مسئولا عن أسماء المرشحين، بل مسئول فقط عن نتيجة التصويت للاختيار من بين المرشحين، فلا يمكن أن نلومه علي عدم اختيار أسماء لم تطرح أمامه أصلا، أو طرحت دون توافر الشروط القانونية مثل حالة الإذاعي الكبير محمد محمود شعبان. أما الجهات التي لها حق الترشيح فهي مجالس الجامعات المصرية ومجالس إدارة النقابات الفنية ومجلس إدارة اتحاد كتاب مصر، ومجمع اللغة العربية ومجمع البحوث الإسلامية، ومجلس جامعة الأزهر والمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، ومجلس أكاديمية السادات ومجلس أكاديمية الفنون ومجالس إدارات أربع عشرة من الجمعيات الأهلية العريقة العاملة في مجال الثقافة والفنون والآداب والعلوم الاجتماعية. مهمة المجلس هي الاختيار من بين المرشحين والمتقدمين للجوائز من خلال تصويت سري، ويشترط للفوز الحصول علي ثلثي أصوات أعضاء المجلس الحاضرين، ما عدا دورة التصويت الأخيرة التي يجوز الفوز فيها بالأغلبية المطلقة، أي النصف زائد واحد، ولا شك في أن نظام الجوائز يحتاج إلي التعديل بعد مرور أكثر من خمسين عاما علي صدور قانون جوائز الدولة، الأمر الذي يعكف المجلس علي دراسته بالفعل، لكن أي تعديل لابد أن يتم باتفاق ما بين المجلس الأعلي للثقافة وأكاديمية البحث العلمي، الشريك الآخر في منح الجوائز، ولابد أن يتم من خلال تعديل تشريعي يصدر عن مجلس الشعب. أما القول بإن المجلس يمنح جوائزه بناء علي تعليمات أو توجيهات فقول مجاف للحقيقة، فمن ناحية لا يمكن أن يقبل أعضاء المجلس بمن فيهم من قامات ثقافية توجيهاً يدفعهم إلي التصويت بما يخالف ضمائرهم، ومن ناحية أخري ليست هناك مصلحة لوزير الثقافة في منح الجائزة لشخصِ أو حجبها عن شخص، والوزير يملك صوته فقط كرئيس للمجلس، ولعل فوز عدد من المختلفين مع سياسة الوزير والناقدين لها بجوائز الدولة خير دليل علي عدم التدخل في الجوائز، فالمعيار الوحيد الاستحقاق من وجهة نظر أعضاء المجلس، ووفقا لما تمليه عليهم ضمائرهم. أما القول بأن الجوائز لا تذهب إلي تيارات بعينها خصوصا التيار الإسلامي، فلا علاقة له بالحقيقة، أولا المجلس لا يمنح جوائز في العلوم الدينية، لكنه يمنح الجوائز في مجالات الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، وعندما تم ترشيح مفكر كبير ينتمي إلي الاتجاه الإسلامي بمعناه الواسع مثل الدكتور عبد الوهاب المسيري فاز بالجائزة من أول مرة لقيمته في مجال تخصصه، ولم ينظر أعضاء المجلس عند التصويت لموقفه الفكري، أو لانتمائه للمعارضة السياسية، لأن الجائزة تمنح للقيمة. تبقي قضية أخيرة أشارت إليها الأستاذة صافيناز كاظم في حديثها النقدي للمجلس، وهي رفض المجلس لمقترحاتها بتكريم رموز ثقافية لا يتفق المجلس مع توجهها، وما أذكره أن الأستاذة تقدمت بمقترحين، الأول: بندوة حول الراحل الأستاذ فتحي رضوان وقد نفذها المجلس بلا تردد وشاركت فيها الأستاذة صافيناز كاظم مشاركة إيجابية، والثاني لتكريم فنانة تشكيلية تقدرها هي، وقد رأت لجنة الفنون التشكيلية أن هناك عشرات الأسماء من الفنانين الأحياء والراحلين تستحق التكريم قبلها، فهل يمكن أن نعتبر هذا موقفا معاديا لمقترحاتها؟