محيط : برأ ساحتها رب الأرض والسماء. وألقي عليها في طفولتها رداء الطهر والحياء. والعفاف والنقاء. وأنعم عليها بحكمة العلماء. وعلم الفقهاء. وفصاحة الأدباء. ويزيد في الفضل. صاحب الفضل -عز وجل- لمن يشاء. أم المؤمنين زوجة خاتم المرسلين وابنة أول الخلفاء الراشدين وطيبة الذكر إلي يوم الدين. الصديقة بنت الصديق. عائشة بنت أبي بكر. كانت تكني بأم عبدالله. ولدت بمكة المكرمة بعد البعثة النبوية المشرفة بأربع سنوات. أمها أم رومان بنت عامر الكنانية. الزوجة الصالحة التقية. التي توفيت في السنة السادسة الهجرية. ودعا لها النبي -صلي الله عليه وسلم- لورعها وإيمانها وحسن إسلامها. عاشت عائشة -رضي الله عنها- 65 عاماً. 9 سنوات في بيت أبيها. و9 سنوات في بيت النبوة. و47 عاما بعد وفاة النبي -صلي الله عليه وسلم- كانت علي مدار حياتها صوامة. قوامة. كريمة. متصدقة. فقيهة تعلم الناس أمر دينهم. وتفسر لهم ما شق عليهم. كانت أقرب زوجات النبي -صلي الله عليه وسلم- إلي قلبه العادل الشريف. وكان يقول: "اللهم إن هذا قسمي فيما أملك. فلا تؤاخذني فيما لا أملك". نشأت عائشة بين أبوين مؤمنين كريمين. في بيت أنار الإسلام أركانه. وأقام أساسه وبنيانه. وأصبحت علي حداثة عمرها أفقه نساء العالمين في أمر دينها. وكانت أديبة لبيبة. تحفظ أنساب العرب. وتروي أخبارهم. وتردد عند الحاجة آدابهم وأشعارهم. ولما مات أبوها. واشتد شوقها إلي رؤياه. كان لسانها يردد بيتا في معلقة عبيد بن الأبرص: وكل ذي غيبة يؤوب .. وغائب الموت لا يؤوب أي أن كل غائب سيعود يوماً إلي دياره. لكن غيبة الموت أبدية لا عودة منها. كانت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- مرجعا في أمور الدين تحفظ القرآن الكريم. وتروي الأحاديث عن النبي -صلي الله عليه وسلم. وكانت حجة في الفقه والمواريث. عن أبي موسي الأشعري -رضي الله عنه- قال: "ما أشكل علينا -صحابة محمد- صلي الله عليه وسلم- حديث قط. فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها عنه علما". أنزل الله -عز وجل- فيها قرآنا. برأها من فوق سبع سماوات وأثني عليها. وكشف زيف ادعاءات أعدائها. ولعنهم في الدنيا والآخرة. روت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أكثر من 2210 أحاديث عن النبي -صلي الله عليه وسلم- وروت الأحاديث عن أبيها وعن عمر بن الخطاب وفاطمة وسعد. وروي عنها عمر وابنه عبدالله وأبوهريرة وأبوموسي وزيد وخالد وابن عباس -رضي الله عنهم. ورثت عائشة عن أبيها خير الخصال. واكتسبت في بيت النبوة أحمد الصفات. وفضل عائشة -رضي الله عنها- علي المسلمين عميق كبير ممتد. يبدو كنهر عذب. طيب الفيضان. دائم الجريان. يروي ظمأ الباحثين عن العلم والحكمة والهداية والطريق القويم والسلوك المستقيم.
* كتبه د. أحمد المنزلاوي فى صحيفة " الجمهورية" المصرية