القاهرة - أ ش أ: تحل اليوم الاثنين، الذكرى الأولى على استفتاء تقرير مصير جنوب السودان الذي أيد انفصال الجنوب عن الشمال وأسفر عنه ميلاد أحدث دولة في القارة الأفريقية والعالم. وبعد مرور عام على ذلك الإستفتاء المصيري يبدو المشهد السوداني، سواء في دولة السودان أو في دولة الجنوب الوليدة، ملبدا بالغيوم بسبب تعدد الأزمات والتحديات التي تشكل خطورة على أوضاع البلدين ومستقبل علاقتهما.
فمنذ الإعلان رسميا عن انفصال دولة الجنوب في التاسع من يوليو الماضي، يخيم التوتر على علاقات البلدين بصورة مقلقة تثير المخاوف من تداعيات تلك الأزمة على الأوضاع الداخلية في كل منهما وأوضاع المنطقة بشكل عام.
وتتمحور الخلافات بين دولتي السودان حول العديد من القضايا العالقة التي لم يحسمها اتفاق نيفاشا للسلام عام 2005 وعلى رأسها قضية النفط، خاصة وأنه يعتبر المورد الاقتصادي الرئيسي للدولتين .
وبعد انفصال الجنوب فشل الجانبين في التوصل إلى اتفاق بشأن رسوم عبور نفط الجنوب عبر السودان ليصدر عبر ميناء بورتسودان على البحر الأحمر، وانهارت المحادثات بينهما في أغسطس الماضي. وبعدها اتهمت دولة جنوب السودان الخرطوم بوقف عمليات تحميل النفط بصفة مؤقتة لكن الخرطوم نفت ذلك مؤكدة أن قرار وقف صادرات الجنوب قد اتخذ بالفعل لكنه لم ينفذ.
واتخذت الخرطوم الاسبوع الماضي، قرارا أحاديا من جانبها بأخذ رسوم عبور النفط الخام شهريا إلى حين التوصل لاتفاق، ويشكل هذا الأمر واحدا من أكثر القضايا الخلافية بين الجانبين .
في السياق ذاته جاء القرار الأمريكي الأخير برفع القيود على مبيعات المعدات الدفاعية للجنوب ليزيد من حدة التوتر بين دولتي السودان، خاصة أن هذا القرار سيسمح لدولة الجنوب بامتلاك أحدث الأسلحة من الولاياتالمتحدةالأمريكية وهو ما سيشكل خطرا جسيما على أمن السودان والمنطقة بأكملها، وزاد من خطورة الموقف إعلان حكومة الجنوب استعدادها لدراسة مقترحات بشأن إنشاء قواعد أميركية لديها في حال إذا طلبت واشنطن ذلك، وهو الأمر الذي ساهم في تفاقم الأزمة حيث اعتبرت الحكومة السودانية أن هذه الخطوات من شأنها أن تضر بأمن المنطقة وتعيد أجواء الحرب من جديد كما أنها ستجعل حكومة الجنوب أكثر تعنتا في حل القضايا العالقة بينهما.
إضافة إلى ذلك فإن تقارب العلاقات بين دولة الجنوب وإسرائيل ساهم في تأزم العلاقات مع دولة السودان خاصة أن إسرائيل قد جعلت من دولة الجنوب جزءا رئيسيا من استراتيجيتها نحو أفريقيا جنوب الصحراء.
وظهر ذلك في العديد من الخطوات كان أولها الاعتراف الإسرائيلي السريع بالدولة الوليدة وافتتاح سفارة لها في جوبا، وتلاها القرار الإسرائيلي بتقديم حزمة من المساعدات لدولة الجنوب في كافة المجالات لتكون قادرة على القيام بمسئولياتها ودورها كدولة في منطقة بالغة الأهمية، ثم قرار إنشاء قاعدة جوية إسرائيلية في الجنوب بهدف تدريب الطيارين الحربيين الجنوبيين، وأخيرا جاءت زيارة رئيس دولة الجنوب سلفا كير إلى إسرائيل لتزيد من أجواء التوتر مع السودان وتشكل عنصرا إضافيا لزيادة المخاوف وانعدام الثقة بين الطرفين.
من ناحية أخرى، تتهم الحكومة السودانية دولة الجنوب بإيواء ومساعدة الحركات المتمردة في إقليم دارفور وتطالبها بتجريد المتمردين المتواجدين على أرضها من السلاح، كما تتهمها بدعم متمردي الحركة الشعبية قطاع الشمال في النزاع الدائر في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق منذ منتصف العام الماضي.
وتضم الولايتان جماعات انحازت للجنوب في الحرب الأهلية، وتقول: "إنها ما زالت تتعرض للاضطهاد داخل السودان، وأدت أعمال العنف هناك إلى نزوح نحو 417 ألف شخص عن ديارهم، من بينهم 80 ألفا فروا إلى دولة الجنوب، وذلك وفقا لتقديرات الأممالمتحدة.
وإضافة إلى الخلافات التي تخيم على علاقات البلدين، تواجه كل منهما العديد من التحديات التي تشكل عقبة على طريق الاستقرار، فالسودان الشمالي يمر بأزمة اقتصادية طاحنة أدت إلى زيادة معدلات الأسعار وارتفاع نسبة التضخم وذلك بعد خسارة ثلاثة أرباع عائدات النفط، المصدر الأساسي للدخل، بسبب انفصال الجنوب. فالمنظومة الاقتصادية هناك تعاني خللا واضحا بسبب السياسات المتبعة والتي كانت تعتمد على النفط بشكل أساسي وأهملت باقي القطاعات هذا الأمر أدى إلى حدوث تفاوت مريع في الدخول والإنفاق بين طبقات أثرت ثراء فاحشا وبين غالبية ساحقة تعاني أشد المعاناة.
ومما يزيد من حدة الأزمة الاقتصادية في السودان الحروب المفتوحة على أكثر من جبهة في دارفور التي لم تحل وثيقة الدوحة الأخيرة، فضلا عن أزمة ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.