فى الثاني من يناير تاتى ذكرى سقوط الدولة الاسلامية فى الاندلس وقد وقف التاريخ أمام هذا كثيرا حيث سقطت الاندلس عاصمة الخلافة الإسلامية ومنارة العلم على الأرض، وطويت صفحة مشرقة من تاريخ المسلمين الذين دخلوها فاتحين ناشرين نور الهداية والاسلام العظيم، نور العلم والرقي والحضارة، بقيادة المجاهدين الصادقين الذين خلدهم التاريخ، على رأسهم طارق بن زياد وموسى بن النصير وغيرهما. واستمر المسلمون في حكم الاندلس لأكثر من ثلاثة قرون بإخلاصهم لدين الله ولمصالح المسلمين بتضحياتهم وتجردهم.
ولكن لم تبق الأحوال كما هى، بل تبدلت الامور وذهب جيل القادة الأوائل الفاتحون الصادقون وجاء بعدهم جيل جديد تهمهم مصالحهم الشخصية ومكاسبهم، وانتشرت الليالى والموائد والكؤوس فى قصورها والترف الفاحش والغدر فيما بينهم والاستمتاع بالملذات.
وتفتت دولة المسلمين في الاندلس إلى دويلات يحكمها أمراء متخاصمون متحاربون، كل يريد القضاء على الآخر، واستغل الأوربيون فرصة انشغال المسلمين فيما بينهم وشجعوا خلافاتهم ثم انقضوا عليهم الواحد تلو الآخر، فسقطت معاقل المسلمين الواحد تلو الآخر.. حتى أجلوا المسلمين نهائيا من بلاد الاندلس.
لقد ظلت الأندلس لمدة ثلاثة قرون موحدة بقيادة حكومة واحدة قوية ينعم فيها المسلمون والمسيحيون واليهود بالتعايش السلمي ولم يكن لها أعداء سوى الإسبان في الشمال، ولكن بسقوط الخلافة الأموية انقسمت الأندلس إلى ما يزيد عن عشرين دويلة أعلنت كل واحدة استقلالها، ثم بدأ الصراع بين تلك الطوائف بعضها البعض، كلٌ يطمع في توسيع مملكته وفرض نفوذه ولم يجدوا حرجًا في أن يستعينوا بعدوهم الأوحد في صراعاتهم الداخلية.
ولما وجد هذا العدو الفرصة سانحة لاختراق تلك الصفوف فإنه لم يأل جهدًا في زيادة تلك الصراعات وتأجيجيها، ففي الوقت الذي كانت تتفكك فيه مدن الأندلس إلى دويلات صغيرة، كانت ممالك الشمال “قشتالة وأراجون” تتحد سويًا من أجل الانقضاض على المسلمين في شبه الجزيرة الإيبيرية، وأطلقوا على حروبهم تلك اسم حروب الاسترداد رغم أن تلك الممالك لم تكن موجودة عندما وصل المسلمون إلى شبه الجزيرة الإيبيرية وأقاموا دولتهم .. بل إن الكنيسة قد أضفت على تلك الحروب صبغة الحروب الصليبية.
وكانت الخلافات والنزاعات بين أمراء الممالك الأندلسية زادت وتفاقمت حتى أن كل إمارة كان بها إما أمير أو قائد أو فقيه طامع في الحكم، وتفشت الخيانة، فمن يتولى الحكم يعلم أنه بعد فترة سيبرز له آخر يحاول طرده.
وكان الحاكم ومن يريد الانقلاب عليه يطلبان المساعدة من قشتالة. وكان هؤلاء يستغلونهم استغلالًا كاملًا في التنازل عن المواقع والحصون.
وتوالى سقوط الممالك فسقطت سرقسطة وقرطبة التي كانت عاصمة الخلافة الأموية، صاحبة الثلاثة آلاف مسجد وصاحبة أكبر مسجد في العالم "الجامع الكبير" الذي بدأ بناءه عبد الرحمن الداخل "صقر قريش"، وكان من أشهر جامعات العالم وأكبر مركز علمي في أوروبا.. وتخرج فيه العديد من علماء المسلمين كالزهراوي وابن رشد والإدريسي وابن طفيل وابن باجه والذي تحول لكنيسة بعد السقوط .. وسقطت بالنسيه ومرسية وشاطبة “بلدة الإمام الشاطبي عالم القراءات” .. ولم يتبق إلا إشبيلية وغرناطة.
أما إشبيلية فقد حوصرت حصارًا شديدًا شارك فيه ابن الأحمر "حاكم غرناطة" حتى سقطت .. وظلت غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس.
سياسة الاحتواء
حدثت معاهدة مع آخر حكام الأندلس ولم يتم القضاء عليه بالحرب؟
سؤال مهم حدد فلسفة جديدة لادارة الصراع وهو لماذا لجئ الإحتلال القشتاليّ إلى معاهدة المسلمين بتسليم المنطقة ولم يقوموا بالاغارة عليهم مرة واحدة؟
عندما سقطت كل بلدات الأندلس لم يتبقى إلا منطقة صغيرة ضمت في جنوب البلاد " غرناطة والمرية ومالقة" وقد تجّمع كل اللاجئيين الأندلسيين فيها عند سقوط اى مدينة أندلسية في الشمال ينزح السكان الى الجنوب ، فأاصبحت غرناطة ذات كثافة عاليةجداً ، مليئة بما يشبه اليوم بحالة المخيمات على صورة اخرى كما يحدث في الضفة أو غزة، سيكون من الصعب جداً على كيان قوي مثل قشتالة أو " إسرائيل" أن يغير عليهم ويقضي عليهم مرة واحدة، وإن غامر العدو فجأة سيحدث ربما صحوة، فالأفضل التخدير، معاهدة سلام وضيعة يعمل فيها الحكام من الجانب الآخر الأندلسي " الفلسطيني" وظيفة اليد للعدو، يربطونهم معهم اقتصادياً فيغدون كالعبيد الأذلاء ينتظرون التصريح والمؤن والإغاثات الإقتصادية.
وهذا ما حدث في غرناطة ويحدث اليوم في الضفة الفلسطينية وعيرها، ثم يقومون اولئك الحكّام المأجورين بنظام حكم يتبع للإحتلال سياسياً ويطبّعون معهم أمنياً فيمنعون الانتفاضات والجهاد وكل فرص النماء ، ويشرعون بنشر فكرة التوطين والتعايش مع الإحتلال وكأنه " سلام للشجعان" وبالنهاية، ومع التقادم، يقتل اولئك القوم شئ فشئ حتى يطردون بعد التمكن.
وهكذا تغدو فلسطين أندلسا آخرى .. بتوقيع أهلها قبل الجميع: