خطة متكاملة للإنشاءات والصيانة التعليمية تتجاوز نصف مليار جنيه بالوادي الجديد    أخبار مصر اليوم: توفير 55 ألف وحدة سكنية للمتضررين من انهيار العقارات بالإسكندرية.. خطوات تسجيل الرغبات بتنسيق الدبلومات الفنية 2025.. استعدادات لتشغيل الطريق الإقليمي    تفاصيل مباحثات وزير الخارجية ونظيره الإسباني    شريف: الأهلي لا يقارن بأي ناد والعودة كانت الخيار الوحيد    مفاجأة في أسباب انهيار عقار نور الشريف بالسيدة زينب    عامل يطعن سائق توك توك بسبب أولوية المرور في سوهاج    خالد سليم يفاجئ زوجته في اليونان: الحب ما بينتهيش بعد الجواز (فيديو)    الصحة: تلقينا شكاوى عن نقص 15 ألف خرطوشة أنسولين شهريًا بالشرقية    جوزيف عون: وحدة الأراضي اللبنانينة ثابتة وطنية.. ويحميها الجيش    وزير الخارجية الصيني: على بكين ونيودلهي الالتزام بحسن الجوار    أحمد موسى عن التسجيل الصوتي المنسوب ل كامل الوزير: وزير النقل يتعرض لحملة استهداف ممنهجة    إسماعيل مسعود: فخور بالانضمام لمنتخب مصر للسلة.. وأتطلع لتحقيق إنجازات كبرى    سيد عيد: الزمالك عمل «بروباجندا» كبيرة بسبب رفضنا رحيل حامد حمدان    رسميًا.. النصر السعودي يعلن تعيين البرتغالي خورخي خيسوس مدير فني للفريق    عرض سعودي لضم نجم المصري مقابل مليون دولار    تقارير: شرط ليفربول لبيع هارفي إليوت ل تشيلسي    «الأزهر العالمي للفتوى» يعلن خارطة فقهية للتعامل مع نوازل الزواج والطلاق    محافظ القليوبية: مشروعات خدمية وتنموية جديدة في خطة 2025-2026 لتحقيق نقلة نوعية    نتيجة الثانوية العامة الأسبوع الأخير من يوليو    رئيس غرفة الجيزة التجارية يشيد بحزمة الحوافز الاقتصادية الجديدة    القومي للمرأة يهنئ النائبة الدكتورة جيهان زكي بمنحها وسام «جوقة الشرف»    رئيس الوزراء يصدر قرارا بالتشكيل الجديد للمجلس الأعلى للثقافة    كوادر بشعار «أنا مسئول» |«الوطنية للتدريب» تطلق مبادرات تمكين المرأة والشباب    محافظ المنيا يعلن غدا انطلاق حملة «100 يوم صحة» لتقديم الخدمات الصحية في القرى الأكثر احتياجًا    أمين الفتوى يكشف عن أركان وشروط صحة الصلاة: لا تصح العبادة بدونها    وكيله ل في الجول: لويس إدوارد قريب من العودة إلى الدوري المصري    أمين الفتوى: صلاة المرأة في العمل أو بالأماكن العامة صحيحة وهذا هو الأفضل    «محمد هانى».. نموذج مبشر    خطة متكاملة لرفع كفاءة محطات الصرف بالفيوم وتدريب العاملين على الطوارئ    تراجع مؤشرات بورصة الدار البيضاء في ختام تعاملات اليوم    جنات تطرح البوستر الدعائي لألبومها الجديد "ألوم على مين"    «ممنوع عنه الزيارات».. آخر تطورات الحالة الصحية للفنان لطفي لبيب    مصر والأصدقاء الأفارقة    الولايات المتحدة تعرض السيطرة على الممر الأكثر جدلا في العالم ل 100 عام    كيفية تطهر ووضوء مريض القسطرة؟.. عضو مركز الأزهرتجيب    رايات خضراء وصفراء على شواطئ الإسكندرية مع تزايد إقبال المصطافين هربا من الحر    صحة الإسماعيلية: غلق 6 مراكز إدمان والطب النفسي دون ترخيص    احذرها.. عادة صيفية شائعة قد تضر قلبك دون أن تدري    فيديو .. طفل يقود سيارة على الطريق الدائري.. والداخلية تتحرك فورًا    انطلاق فعاليات مبادرة "أنا أيضًا مسئول" بجامعة المنصورة    هدفها قوة التحمل.. المصري يؤدي تدريبات بدنية قوية على شواطئ بورفؤاد    الصحة الفلسطينية: اعتقال 360 من الكوادر الطبية منذ بداية حرب الإبادة على غزة    حماس: نتنياهو يفشل جولات التفاوض ويقود الاحتلال نحو كارثة استراتيجية    النيابة تحيل 20 متهمًا في قضية منصة «FBC» إلى الجنايات الاقتصادية    بأرواحهم وقلوبهم.. مواليد هذه الأبراج الستة يعشقون بلا حدود    خالد الجندي: محبة الله أساس الإيمان وسر السعادة في المساجد    ننشر أسماء الفائزين في النسخة ال17 من "كشاف المترجمين"    أكاديميون إسرائيليون: المدينة الإنسانية برفح جريمة حرب    «قناة السويس» تبحث التعاون مع كوت ديفوار لتطوير ميناء أبيدجان    التطبيق في سبتمبر 2025.. جبران يشيد بمواد قانون العمل الجديد -تفاصيل    ضبط قضايا اتجار في العملات ب«السوق السوداء» بقيمة 7 ملايين جنيه    رئيس الوزراء يبدأ جولة تفقدية لعدد من المشروعات بمحافظة الإسكندرية    «الأوقاف» تُطلق الأسبوع الثقافي ب27 مسجدًا على مستوى الجمهورية    توزيع 977 جهاز توليد الأكسجين على مرضى التليفات الرئوية «منزلي»    موعد صرف معاشات شهر أغسطس 2025 بعد تطبيق الزيادة الأخيرة (احسب معاشك)    ماذا قال رئيس مجلس الدولة لوزير الأوقاف خلال زيارته؟    قبل «درويش».. 3 أفلام جمعت عمرو يوسف ودينا الشربيني    مستشار الرئيس للصحة: الالتهاب السحائي نادر الحدوث بمصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أكذوبة الريكونكيستا
نشر في الشروق الجديد يوم 31 - 08 - 2009

إثر انهزام جيش رودريكو أمام طارق ابن زياد فى موقعة وادى لكة هرب أحد قواده ويدعى بيلايو إلى أقصى الشمال الغربى للأندلس ولحق به بعض القواد ورجال الدين الكاثوليك فاحتموا فى مغارة «كافادونجا»، التى سميت منذئذ «صخرة بيلايو»، وكانوا قليلى العدد فلم يهتم المسلمون بأمرهم، إلا أن هذه المغارة شكلت بؤرة صليبية ظلت تؤرق دولة الأندلس الإسلامية قرونا عديدة إذ تطورت حتى أصبحت دويلة تقبع فى شمال الأندلس سميت بمملكة أشتوريش، التى أصبحت ليون ثم توسعت مستغلة مراحل ضعف المسلمين وانقساماتهم فضمت الأراضى المتاخمة لها حتى أصبحت بنهاية دولة الأمويين فى الأندلس وبسبب ضعف الحكومات، وتوالى الثورات والانقسامات الطائفية دولة شمالية لها قوتها وسيطرتها بعدما تمكن فرناندو الأول من ضم مملكة ليون إلى قشتالة وهى التحريف العربى لكلمة Castillo أى القلعة بالإسبانية لتصبح دولة قوية فى الشمال «دولة قشتالة»، التى ستبرز إلى مسرح الأحداث مع انقسام الأندلس إلى دويلات.
فمع نهايات عام 422 ه الموافق 1031 وإثر قيام الوزير أبوالحزم ابن جهور بإخماد ثورة البربر فى قرطبة ثم اندلاع ثورة المولدين ضد الحكم الأموى، أعلن ابن جهور إنهاء الخلافة الأموية فى الأندلس لعدم وجود من يصلح للولاية وتأسيس ماأطلق عليه «حكومة الجماعة»، وهو نموذج مبكر لنظام حكم الأقلية الأرستقراطية، الذى استلهمته مدن إيطاليا فيما بعد إبان عصر النهضة الأوروبية، وكان ذلك الإعلان إيذانا ببدء ما سُمى فى التاريخ الأندلسى بعصر «دويلات الطوائف» إذ تمزقت الدولة الإسلامية الموحدة إلى مجموعة من الدويلات الصغيرة بلغت اثنتين وعشرين دويلة كغرناطة وسرقسطة وأشبيلية وألمرية وطليطلة وغيرها من الدويلات، التى قامت على أساس عرقى فهذه للعرب وتلك للبربر وأخرى للمولدين من أصل إسبانى وهكذا، ولكل دويلة جيش مستقل وحاكم تسمى بلقب خلافى لا يتناسب مع حجم مملكته ولامع قوتها. حيث أدى التقسيم والتشرذم ثم التصارع على مناطق النفوذ إلى النتيجة المتوقعة من ضعف وتهافت إزاء القوة المتصاعدة لمملكة قشتالة الموحدة فى الشمال، والتى ظلت تترقب لحظة الضعف التى جاءتها مكللة بعار وهوان حتى أضحت مثالا تاريخيا مواتيا لمن يروم الاستدلال بمذلة قوم وصاغها الأدباء شعرا ونثرا، ومن ذلك ماقاله الحسن ابن رشيق:
مما يزهدنى فى أرض أندلس سماع مُقتدرٍ فيها ومعتضدِ
ألقاب مملكة فى غير موضعها كالهر يحكى انتفاخا صولة الأسد
وقد وصل التدنى بهؤلاء الحكام إلى حد الاستعانة بملوك قشتالة فى حروبهم ضد بعضهم البعض مما مهد لتدخل العدو وتعرفه على نقاط ضعف المسلمين ثم إملاء شروطه على من يطلب نصرته، وهى الشروط التى تراوحت بين دفع إتاوة مالية والتنازل عن بعض الحصون والقلاع الإسلامية والامتناع عن التدخل إذا مانشب قتال بين القشتاليين وإحدى الدويلات الإسلامية الأخرى، وصيغ هذا كله فى معاهدات مخزية لم يلتزم ببنودها كالعادة سوى المسلمين.
وعلى الجانب الآخر، ظلت الكنيسة الكاثوليكية ترقب الأمر لسنوات حتى اطمأنت إلى تهافت ملوك الطوائف وتصارعهم على المكتسبات المادية ومناطق النفوذ ثم سيطرة ملوك قشتالة عليهم نتيجة معاهدات الذل التى وقعوها معهم، وفى الظلام الدامس حيكت خيوط أكبر أكاذيب التاريخ، والتى لا يدانيها فى الزور والبهتان غير أكذوبة الحق التاريخى لليهود فى فلسطين، وما أشبه الليلة بالبارحة، وهى أكذوبة لاريكونكيستا LA RECONQUISTA أو الاسترداد، إذ أعلن البابا اسكندر الثانى حرب الصليب المقدسة ضد مسلمى الأندلس وأصدر مرسوما بالغفران لكل مسيحى يشارك فى القتال وهكذا تقاطر الفرسان المقاتلون من وراء جبال البيرنيه منضمين إلى القشتاليين بقيادة ألفونسو السادس تدفعهم صيحات الفاتيكان المؤلبة وقدرته الفائقة على تزييف التاريخ والادعاء بأن المسلمين سلبوا الأندلس من حوزة الفاتيكان رغما عن كون أكثر أهل الأندلس فى ذلك الوقت هم أحفاد القوط الذين دخلوا فى دين الله مع الفتح الإسلامى بعدما عانوا طويلا من الاضطهاد الدينى لاختلاف مذهبهم عن مذهب الكنيسة كما بينا سابقا.
وهكذا تنازع مسلمو الأندلس ففشلوا وذهبت ريحهم فى حين تجمع الفرسان المقاتلون تحت راية الصليب، وفى يوم أسود حالك السواد: يوم الأحد 25 مايو 1085 ميلادية الموافق الأول من شهر صفر عام 478 هجرية وقعت الواقعة، التى ارتجت لها جنبات العالم الإسلامى شرقه وغربه، والتى ما زالت تمثل حتى اليوم جرحا نازفا فى قلب كل مسلم وترنيمة شجن حزينة تحدو مسيرة قافلة الإيمان عبر الزمن لتذكّر أصحابها بجزاء الجنوح بعيدا عن المنهج الربانى القويم، فى ذلك اليوم الأسود الحزين سقطت طليطلة حاضرة الدنيا ودرة الأفئدة وعاصمة الأندلس البهية بعد حصار دام مايقرب من عام كامل استصرخت فيه مروءة حكام الطوائف الجبناء فلم يهب أحد لنجدتها وظلوا قابعين داخل جحورهم يتوددون إلى ألفونسو السادس ويدفعون له الجزية عن يد وهم صاغرون بينما يعصفون بكل معارض ويملأون الزنازين بخيرة العلماء، الذين أخلصوا لهم النصح وحرضوهم على مد يد العون لطليطلة الذبيحة، ولكن هيهات أن تُسمع من أخلد إلى الأرض وارتضى المذلة.
وهكذا ظلت طليطلة تحت الحصار تستنجد بلا طائل حتى هوت فى يوم أسود ودخلها ألفونسو بخيله ورجله فأعمل فى أهلها القتل والتشريد وحول مسجدها الجامع إلى كنيسة، ولما اطمأن إلى أنه استلب الدولة من وسطها وليس من أطرافها وأنه بات قاب قوسين أو أدنى من الاستيلاء على كامل الأندلس أسرع بخرق معاهدات الدفاع المشترك، التى أبرمها مع ملوك الطوائف ووضع خطة للانتقال من طليطلة إلى مايجاورها من دويلات، وهكذا انقلب السحر على الساحر وباتت الدول، التى جبنت عن مد يد العون لطليطلة متعللة باحترام بنود معاهدات العار، التى أبرمتها مع قشتالة ومتوهمة أنها فى مأمن من غدر العدو، باتت هذه الدول الهدف التالى الوشيك لفرسان أكذوبة الاسترداد وهاقد حان وقت الحساب واشرأبت أعناق الشعوب تترقب صنيع قادتها، أتراهم بقى لهم صنيع؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.